للمرة الرابعة على التوالي، قررت لجنة السوق المفتوحة بمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة على الأموال الفيدرالية 75 نقطة أساس لتصل إلى نطاق بين 3.75 في المئة وأربعة في المئة، وهو أعلى مستوى له منذ أوائل عام 2008، ويأتي القرار ضمن نهج السياسة المتشددة التي ينتهجها البنك المركزي الأميركي لمواجهة معدلات التضخم القياسية التي سجلت أعلى مستوى في أكثر من أربعة عقود، وفق البيانات الرسمية.
حيث تشير البيانات إلى استمرار ارتفاع معدل التضخم في أسعار المستهلكين لتصل خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي إلى مستوى 8.2 في المئة، على أساس سنوي، ويزيد تشديد الأوضاع المالية والتضخم المستمر والتوقعات بقيام بنك الاحتياطي الفيدرالي المتشدد بالمضي قدماً في رفع أسعار الفائدة من مخاطر الانكماش، ويتوقع المستثمرون أن يبطئ بنك الاحتياطي الفيدرالي وتيرته قبل إنهاء دورة رفع أسعار الفائدة في مارس (آذار).
ويتوقع أن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة إلى مستوى ما بين 4.75 في المئة إلى خمسة في المئة بحلول الربيع المقبل، وسيكون هذا هو سعر الفائدة النهائي - أو نقطة النهاية، ورفع 75 نقطة أساس من شأنه أن يأخذ نطاق سعر الأموال الفيدرالية إلى مستوى ما بين 3.75 في المئة إلى أربعة في المئة.
ركود اقتصادي يلوح في الأفق
وفيما تتسارع البنوك المركزية على مستوى العالم نحو تشديد السياسات النقدية عبر رفع أسعار الفائدة، لكن المخاطر تلوح في الأفق بخاصة في ما يتعلق بالركود الاقتصادي الوشيك، الذي تغذيه أسعار الفائدة المرتفعة، مما يضغط بشدة على قطاع الأعمال وعلى توسعات الشركات إضافة إلى زيادة الأعباء المتعلقة بالرهن العقاري.
كانت وكالة تابعة للأمم المتحدة قد حذرت في وقت سابق من مخاطر حدوث ركود اقتصادي عالمي بسبب السياسة النقدية، مما يهدد بعواقب وخيمة على الدول النامية بشكل خاص، وقال مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" في بيان، إن"التشديد النقدي المفرط قد يؤدي إلى فترة من الركود وعدم الاستقرار الاقتصادي لبعض الدول".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف التقرير، "أي اعتقاد بأن البنوك المركزية ستكون قادرة على خفض مستويات الأسعار بالاعتماد على معدلات الفائدة المرتفعة دون إحداث ركود هو بمثابة مقامرة غير حكيمة".
وأشارت الوكالة، إلى أن معدلات الفائدة المرتفعة، ما يشمل عمليات الرفع من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، سيكون لها تأثير أكثر حدة في الاقتصادات الناشئة، التي تمتلك بالفعل مستويات مرتفعة من الديون العامة والخاصة، وشدد التقرير على أن احتمالية حدوث أزمة ديون واسعة النطاق في الدول النامية تعد حقيقية للغاية.
جاذبية الدولار
في الوقت نفسه، تتصاعد قوة الدولار مقابل العملات الرئيسة، وتتصدر الأسواق الناشئة أكبر الخاسرين من الارتفاعات المتتالية في الورقة الأميركية الخضراء، حيث تتسبب في ارتفاع فاتورة الواردات بشكل قياسي، ما يزيد من حجم العجوزات التي تواجهها الحكومات.
ووفقاً لشركة الأبحاث "نيد ديفيس"، يلعب الدولار الأميركي دوراً كبيراً في الاقتصاد العالمي والتمويل الدولي، وهو الآن أقوى مما كان عليه منذ عقدين بفضل اتجاه الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة بقوة مما يجعل العملة الأميركية أكثر جاذبية للمستثمرين في جميع أنحاء العالم.
كما أنه يُنظر إلى الدولار على أنه ملاذ آمن في ظل أوقات عدم اليقين والاضطرابات الاقتصادية، لذا يكون لدى المستثمرين حافز أكبر لشراء الدولارات التي تكون عادة في شكل سندات خزانة أميركية، في حين أن الدولار القوي هو ميزة جيدة للأميركيين الذين يسافرون إلى الخارج، إلا أنه مشكلة لبقية دول العالم، إذ إنه يضغط على بقية العملات الأخرى ويدفعها للتراجع، وهذا يجعل استيراد المواد الأساسية مثل الغذاء والوقود أكثر تكلفة بالنسبة إلى تلك الدول.
ورداً على ذلك، ينتهي الأمر بالبنوك المركزية التي تكافح بالفعل التضخم الناجم عن الوباء من طريق رفع معدلات الفائدة بشكل أعلى وأسرع لدعم قيمة عملاتها، إلى ركود هذه الاقتصادات في نهاية المطاف.
تهديد الأسواق
كان المحلل الأميركي رئيس شركة "يارديني ريسيرش"، إدوارد يارديني، قد توقع في وقت سابق أن يقوم مجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع معدلات الفائدة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، قبل أن يتوقف عن تشديد السياسات النقدية بسبب ارتفاع الدولار الأميركي.
وذكر أن تشديد السياسة النقدية بشكل سريع بالتزامن مع الصعود القوي للدولار الأميركي يهدد بتحطيم الأسواق المالية، وأضاف، "أعتقد أنه سيتم رفع الفائدة في اجتماع نوفمبر، وسنتوقف عن عمليات الزيادة بعد ذلك بسبب تحول المخاوف حيال الاستقرار المالي لتصبح مصدر القلق الأبرز".
وتشير توقعات الأسواق المالية إلى أن الفيدرالي الأميركي سيرفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماع شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، مع احتمالية الاستمرار في زيادتها في بداية العام المقبل.
ووفق البيانات المتاحة، فقد صعد مؤشر الدولار الأميركي بنسبة تتجاوز 15 في المئة منذ بداية العام الحالي، بفضل رفع الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي بوتيرة تتجاوز البنوك المركزية الكبرى.
وأوضح يارديني، "ارتبط ارتفاع الدولار في الماضي بحدوث أزمات مالية عالمية، السياسة النقدية الصارمة في الولايات المتحدة لها تأثير هائل في بقية العالم بخاصة الدول الناشئة".