بقدر ما تبعث الأرقام الاقتصادية التي تقدمها الجهات الرسمية في الجزائر على الارتياح، يدب الخوف في النفوس من تكرار سيناريو النظام السابق الذي أدخل البلاد في دوامة من الأزمات جراء تهاوي أسعار النفط وسوء التسيير الذي قادته "عصابة النظام السابق"، لا سيما أن تدهور الأوضاع جاء بعد بحبوحة مالية، إثر ارتفاع أسعار النفط.
أرقام مريحة ولكن
يأتي إعلان وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب ارتفاع إيرادات تصدير النفط والغاز التي وصلت إلى 42.6 مليار دولار بنهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، جراء ارتفاع أسعار المحروقات إلى الضعف، ليفتح نقاشات تشجع على ضرورة استغلال المداخيل لإنعاش الاقتصاد ودفع عجلة التنمية وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وأخرى تحذر من مغبة الدخول في متاهات الفساد والمشاريع الوهمية التي تقودها عصابات تتحين الفرصة للعودة، وما يتبع ذلك من إفراغ الخزانة العمومية لصالح فئة على حساب البلاد والعباد، وهو السيناريو الذي يعيد إلى الأذهان فترة حكم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح الوزير الجزائري خلال عرض قدمه أمام لجنة المالية بالغرفة الأولى للبرلمان، أن صادرات البلاد من الطاقة ارتفعت بنسبة 77 في المئة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، متوقعاً أن تصل الإيرادات إلى 50 مليار دولار بنهاية السنة الحالية، بعد أن بلغت 35 مليار دولار في 2021.
وأشار إلى أن الإيرادات النفطية في 2022 قد تتجاوز المستويات المسجلة قبل 2014، التي كانت تصل إلى حدود 29 مليار دولار في العام.
لا يزال في الأذهان
وعرفت العهدتان الأولى والثانية من حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة وضعاً مشابهاً لما يحصل مع السلطة الحالية، إذ ارتفعت أسعار النفط حتى بلغت مستويات قياسية في 2012 بـ128 دولاراً للبرميل، وانتعشت الخزانة العمومية لتصل الاحتياطات من النقد الأجنبي إلى 200 مليار دولار، وتوسعت الأحلام بمستقبل أفضل على جميع المستويات، وهو ما كانت الحكومة آنذاك تقوله، لكن حدث ما صدم الجزائريين بواقع مر أدخلهم نفقاً مظلماً، ووجدت الجزائر نفسها في 2015 أمام مفترق الطرق بعد أن انخفضت أسعار النفط إلى أكثر من النصف، ليعلن رئيس الوزراء وقتها عبدالمالك سلال خطوات لمواجهة الوضع، منها تجميد عمليات تعيين موظفين جدد في القطاع العام، باستثناء الطاقة والصحة والتعليم، وتأجيل مشاريع ضخمة مقررة.
وعبّر الناشط السياسي حليم بن بعيبش عن اعتقاده بأن النظام الحالي لن يعيد خطأ سابقيه، لأنه يحاول توجيه الموارد في مسار التنمية، مشيراً إلى أن "مثل هذه الفرص لا تأتي دوماً".
وقال بعيبش إن توجيه الأموال نحو تنمية حقيقية في القطاعات المنتجة كالفلاحة والصناعة والمؤسسات المتوسطة والصغيرة، وكذا مشاريع البنية التحتية، من شأنه تجنب أخطاء الماضي، على رغم استمرار بقايا "العصابة" وبعض ممارسات النظام السابق، موضحاً أن على السلطة وجهاز العدالة الضرب بيد من حديد لوضع حد لنهب الأموال، واستعمال سياسة مكافحة المضاربة.
مخاوف مشروعة
من جانبه، رأى أستاذ الاقتصاد عبدالمومن لوناس، أن "استمرار اعتماد الاقتصاد الجزائري على مداخيل المحروقات يبقي حجم الأخطار في المستويات نفسها، لا سيما أمام الأحداث المتسارعة التي يشهدها العالم"، مبرزاً أن "ارتفاع المداخيل جاء بسبب زيادة الأسعار وليس الإنتاج، مما يجعل التفكير في الاستثمار أمراً ضرورياً للتنويع الاقتصاد بعيداً من النفط والغاز".
ويواصل لوناس "الجزائر كانت عرضة لهزات اقتصادية واجتماعية جراء تهاوي أسعار المحروقات، لكنها لم تتعظ ولم تبادر إلى وضع نمط اقتصادي مبني على الإنتاج والمبادرة بعيداً من حقول النفط، ولقد باءت كل محاولات مختلف الحكومات المتعاقبة بالفشل"، موضحاً أن المخاوف من تكرار سيناريو النظام السابق أمر مشروع، لكن يبقى التفاؤل سيد الموقف في ظل بوادر الانفراج والارتياح التي تظهر على مختلف المستويات مع الأرقام الإيجابية التي تقدمها الجهات الرسمية.
وختم بأن تنويع الاقتصاد وتحرير المبادرات وتشجيع الاستثمار ووضع تشريعات وقوانين لينة مع فرض مستوى معين من الرقابة والمراقبة أهم النقاط التي من شأنها بعث اقتصاد غير ريعي.