فلندخل في الموضوع مباشرة ونقول إنها معسكرات اعتقال لعينة.
هناك جدل مستمر حول كيفية الإشارة إلى مراكز احتجاز المهاجرين على الحدود منذ يوم الاثنين الماضي، عندما قالت النائبة عن ولاية نيويورك ألكسندريا أوكازيو-كورتيز إن إدارة ترمب "قد أنشأت معسكرات اعتقال على الحدود الجنوبية." تثير هذه التصريحات نقاشا، يطغى عليه الصخب الكلامي، بشأن دقة الوصف من الناحية التاريخية واستعمال المصطلحات المناسبة.
لا أرى أي سبب لإهدار مئات المفردات على تلك الصياغات البلاغية، في حين أن هناك مدخلا جيدا في ويكيبيديا لقانون غودوين (القائل كما طالت مناقشة وتشعبت على الانترنت كاما صار العثور فيها على مقارنة ما تتصل بالنازية أو بهتلر أكثر احتمالا) . فقد نختلف في تفسير مدى كون هذه اللحظة تمثل نموذجاً جديداً في عام 2019 للقصيدة المستقاة في 1945 من عبارات الكاهن الألماني مارتن نيمولر التي تعتبر صرخة في وجه اللامبالاة التي سمحت للنازيين أن يرتكبوا جرائمهم. لكن عندما يتعلق الأمر بمسؤوليتنا الجماعية، فإن المسألة الأكثر إلحاحا هي ما إذا كان يجب أن نشعر بالضيق الشديد عندما تُنطق عبارة "معسكرات الاعتقال"؛ وحين تسمح لامبالاة الشعب للحكومة بارتكاب الفظائع، فالجواب على ذلك السؤال هو نعم.
كي نكون واضحين تماماً، تجدر الإشارة إلى أن الحقائق الثابتة حول هذا الموضوع لاتٌطرح للنقاش، ومن بينها أن مكتب المفتش العام بوزارة الأمن الداخلي أكد على أن الظروف لا إنسانية في مراكز احتجاز المهاجرين. ويذكر تقرير حكومي رسمي أن في هذه المراكز "زنزانات تتسع للوقوف فقط، وأطفال دون استحمام ولا وجبات غذائية ساخنة ومحتجزون يصرخون بشدة من أجل الإفراج عنهم" ، طبقاً لصحيفة نيويورك تايمز. كل هذا لا يعني شيئا مقارنة بالويلات العاطفية التي يعانون منها.
صحيح أيضا بما لا يقبل الجدل أن حكومة الولايات المتحدة تنتزع الأطفال من أحضان أمهاتهم وآبائهم وتضعهم في أقفاص. هكذا تُستخدم أموال الدولة في حبس عقول صغيرة هشة في آلام التساؤل عما إذا كانوا سيعرفون الحب من جديد. ذلك المصير سيكون كابوسا نفسيا حتى لو حدث في مكان مليء بالألعاب والحلوى، فكيف وهو يحصل في مكان تتحطم فيه القلوب على أرضية من إسمنت ملطخة بالبراز؟
وبدلاً من التساؤل عما إذا كانت هذه الأوضاع تستدعي استخدام مصطلح "معسكرات الاعتقال،" يجب أن نسأل أنفسنا هل نشعر كبلاد بالارتياح إزاء هذه الأوضاع؟ والأهم من ذلك كيف يمكننا تصحيحها؟ لكن حقا أين ذهبت روحنا بحق السماء، يا أميركا؟ أتمنى أن نجدها قريبا، وسيحدث هذا فقط بعدما نعي حقيقة أن أحداً لن يأتي لإنقاذنا من هذه الفوضى.
عاد الحرس القديم الأسبوع الماضي ليستعرض حماقاته من جديد عندما بثث النائبة أوكازيو-كورتيز تصريحاتها مباشرة على الانترنت. بعد ذلك ردّت ممثلة ولاية ويسكونسن ليز تشيني، وهي ثالث أعلى عضو جمهوري في مجلس النواب، على تويتر وفي مؤتمر صحافي قائلةً إن "الادعاءات بأن الولايات المتحدة تتصرف بطريقة أو بأخرى مثل الهولوكوست، أمر سخيف تماما." ثم قالت بنبرة ساخرة إن "هذا هو الكونغريس الحقيقي... وليس كونغريس عرض الأزياء". من جهته انتقد تشاك تود، وهو مقدم برنامج Meet the Press على قناة «إم إس إن بي سي»، الشابة المزعجة وتفنّن في توبيخها، واصفا تعليقاتها بـ "الإساءة الهائلة" للمحتجزين.
وقال تود "يمكنك أن تسمي احتجاز حكومتنا للمهاجرين أشياء كثيرة، وهذا يعتمد على الطريقة التي ترى بها ذلك.. ربما كان وصمة عار على أمتنا، أو شرٌّ لا بد منه بالنسبة للآخرين، أو تعامل مع موقف لا يمكن الدفاع عنه، لكن هل تعرف ما لا تستطيع أن تصفه به؟"
يُعد هذا النقاش بمجمله "إساءة هائلة" لذكائنا الأخلاقي، لأن النقاش الدائر حول معسكرات الاعتقال يتركز حول رداءة الوضع، وما إذا كان "سيئاً إلى حد كبير" أي أنه، بعبارة اخرى، "سيء مثل الهولوكوست." بالطبع لا توجد هناك على الحدود أعمال شاقة أو عمليات إعدام روتينية في مراكز احتجاز المهاجرين، لكن ليست غرف الغاز ضرورية لارتكاب الفظائع الأخلاقية. إن الجدل حول ما هو "أسوأ" هو عبارة عن منزلق حاد إلى النسبية، ويؤدي مباشرة إلى الجحيم، حيث يمكننا كما افترض أن نطلب من شبح هتلر إبداء رأيه فيما يحصل. لكن بعدما وقفنا حتى الآن نتفرج على البشر وهم يُحرمون من المتطلبات الأساسية للبقاء على قيد الحياة، فيمكن أن نقول أن الوضع كان ولا يزال سيئا للغاية، وسيزداد سوءًا إذا واصلنا العراك وتبادل الصفعات بواسطة معجم المعاني.
إذا كنا لنوزع اللوم فإن نصيب الأسد سيذهب إلى إدارة ترمب، وهناك جزء كبيرمنه يجب تقسيمه بين الجبناء المترددين مثل ليز تشيني وتشاك تود ، لكننا نشارك جميعًا في الحفاظ على الوضع الراهن الذي أنتج هذه الأزمة. بالتالي يجب على كل واحد منا أن يتحمل مسؤولية دوره غير المهم من الناحية الإحصائية في تحديد درجة حرارة الغرفة، وأن يُصر على اختيار الفعل بدلاً من اليأس. يجب على كل منا أن يرفع صوته في الواقع المَعِيش وعلى الواقع الافتراضي. اتصل بممثليك في الكونغرس واطلب منهم بإلحاح إعطاء الأولوية لهذه المشكلة. تبرع، إذا كنت قادرًا، انا أوصي بالتبرع لمركز اللاجئين والمهاجرين للخدمات التعليمية والقانونية (RAICES)، وانضم إلى احتجاج محلي، أو قم بتنظيم احتجاج خاص بك.
من السهل رمي ذنب ألمانيا إبان حقبة الحرب العالمية الثانية على "أولئك" البعيدين، لكن طالما لم نفعل شيئًا، فإن تلك الإدانة نفسها تقع على عاتقنا. لا يهمني حقًا ما تطلقونه على مراكز احتجاز المهاجرين في الحدود الجنوبية، لكن من وجهة نظري هي معسكرات اعتقال لعينة ، ونحن جميعًا متواطئون.
© The Independent