تعاني بريطانيا من وضع أسوأ من كل نظرائها سواء في مجموعة الدول "السبع" أو مجموعة "الـ20" باستثناء روسيا أو الدول الأوروبية. ينعكس ذلك في معظم مؤشرات الاقتصاد الكلي من تضخم ومديونية وعجز ميزانية، كما أن الاقتصاد البريطاني في ركود. إضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم التي لا يرى بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) أنها ستتراجع في المدى القريب على رغم رفع أسعار الفائدة أكثر من مرة من صفر تقريباً إلى 3.5 في المئة.
وما زالت تبعات أزمة وباء كورونا، ثم الحرب في أوكرانيا، تؤثر سلباً على غالبية اقتصادات دول العالم لكن التأثير في بريطانيا تضاعف مع تبعات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، لذا لا يلقي المحللون والاقتصاديون اللوم في ارتفاع كلفة المعيشة وتباطؤ الاقتصاد إلى حد الركود على تلك العوامل الخارجية وحسب، بل يرون أن سياسات الحكومات البريطانية المتتالية مسؤولة أيضاً عن هذا التدهور. فضلاً عن عدم الاستقرار السياسي الذي جعل بريطانيا لم تعد وجهة مغرية للمستثمرين الأجانب، بخاصة بعد تغيير رئيس الوزراء ثلاث مرات ووزير الخزانة أربع مرات ووزير الأعمال ثلاث مرات في عام واحد، ذلك ما يخلص إليه مسح لمجموعة "صنع في بريطانيا" التي تضم في عضويتها معظم شركات الصناعة في البلاد.
تراجع التنافسية والإنتاجية
وكانت تقارير سابقة للمجموعة ألقت باللائمة في تراجع التجارة والاستثمار على "بريكست" نتيجة زيادة القيود والتعقيدات الجمركية. لكن التقرير الأخير الذي نشرت صحيفة "التايمز" خلاصته يرى أن إدارة الحكومة البريطانية للاقتصاد منذ "بريكست" هي السبب في مشاكل قطاع التصنيع.
واستطلع المسح آراء 235 من كبار المسؤولين في الأعمال وشركات التصنيع، وأجرته مع مجموعة "صنع في بريطانيا" شركة الاستشارات "برايس ووتر هاوس كوبر". وجاء في تقرير المسح أن "هناك أدلة على أن عدم الاستقرار السياسي في فترة الأشهر الـ12 الأخيرة أضر بالوضع التنافسي لبريطانيا كوجهة للتصنيع، وأن عدد الشركات التي تعتبر بريطانيا وجهة تنافسية انخفض بمقدار النصف عن العام الماضي، إذ أصبحت نسبة من يرون بريطانيا تنافسية 31 في المئة مقابل نسبة 63 في المئة العام السابق".
أضاف التقرير أن "أكثر من أربع من كل 10 شركات أو نسبة 43 في المئة، ترى أن بريطانيا حالياً أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب. ويعتقد أكثر من نصف الشركات أو نسبة 53 في المئة، أن عدم الاستقرار السياسي هو سبب الضرر الأكبر لثقة الأعمال في الاقتصاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وللمرة الأولى منذ أكثر من عامين، تحولت التوجهات الاستثمارية المستقبلية للشركات الأعضاء في مجموعة "صنع في بريطانيا" إلى سلبية. ومن الأسباب الرئيسة لذلك ارتفاع أسعار الطاقة والقلق من كلفة الفواتير في المستقبل إضافة إلى عدم الاستقرار السياسي في البلاد. ومن المقرر أن تعلن الحكومة البريطانية قريباً عن خططها لاستمرار دعم الطاقة للشركات والمصانع والأعمال، لكن المسح الأخير يستنتج أن ثلثي الشركات والمصانع ستخفض إنتاجها وتقلل العمالة فيها بغض النظر عما ستعلنه الحكومة في شأن خطط دعم أسعار الطاقة.
أسعار الطاقة
واتضح من نتائج المسح أن مشكلة أسعار الطاقة عامل أساس في تراجع الإنتاجية وخفض الإنتاج في قطاع التصنيع البريطاني. وتعتقد نسبة 60 في المئة من الشركات والمصانع أن بريطانيا يمكن أن تشهد انقطاعات للكهرباء في ما تبقى من فصل الشتاء الحالي. ومن بين أصحاب الشركات والمصانع المستطلعة آراؤهم في المسح، قالت نسبة 13 في المئة، إنهم يفكرون في غلق مصانعهم وشركاتهم أو التفكير في وقف العمل لفترات للتوفير في كلفة الطاقة، بينما قالت نسبة 11 في المئة منهم إنهم يفكرون في نقل أعمالهم إلى بلاد أخرى غير بريطانيا حيث كلفة فواتير الطاقة أقل مما هي عليه هناك.
ونقلت صحيفة "التايمز" عن الرئيس التنفيذي لمجموعة "صنع في بريطانيا" ستيفن فيبسون قوله "هناك مجموعة من العوامل تضغط على المصنعين. مثل استمرار الاضطراب في سلاسل التوريد وتوفر العمالة الكافية وارتفاع كلفة النقل التي لا يبدو لها نهاية قريبة. يضاف ذلك إلى الشعور المتزايد بالاضطراب الاقتصادي والسياسي. ويبقى العامل الأهم هو ارتفاع كلفة فواتير الطاقة الذي يعد جرس إنذار لكثير من الشركات".
وفي مسح آخر لشركة الاستشارات "بي دي أو" جاءت النتيجة أنه على رغم التحسن الطفيف، الشهر الماضي، فإن الناتج الاقتصادي والتفاؤل في شأنه يظل عند أدنى مستوى بسبب عوامل عدة تشمل، حسب نتائج المسح، فوضى سلاسل التوريد وارتفاع معدلات التضخم والركود الاقتصادي. وكلها تواصل الضغط على النشاط الاقتصادي نحو التباطؤ والتوقف، واعتبر تقرير الشركة أن انخفاض الإنتاجية وانعدام الثقة بين الشركات البريطانية من الأسباب الرئيسة لعدم التوسع في النشاط أو زيادة معدلات التوظيف في قطاع التصنيع البريطاني.