لم تكد سارة* أن بدأت المشاركة في الاحتجاج بالقرب من دوار في مدينة كيرمانشاه غربي إيران. نزعت هي وأخواتها وأمها الحجاب وبدأن يهتفن بالشعارات: "الموت للديكتاتور". في ذلك الوقت، اصطف أفراد من قوات الأمن يرتدون ملابس مدنية وآخرون بالزي الرسمي في مكان قريب. قبضوا على النساء ورموهن في السيارات.
قاومت سارة وأمها وأخواتها وحاولن الهرب. ولكن الشرطة أكدت لهن أنهن سيعتقلن لساعة واحدة إذا أتين طواعية وبكامل إرادتهن وسمحن للسلطات بتسجيل أسمائهن بكل بساطة.
عوضاً عن ذلك، سُجنت المرأة البالغة 32 عاماً وعائلتها لأسابيع في مراكز احتجاز قذرة بُعيد الاحتجاج الذي نُفذ في أواخر العام الفائت. واستذكرت سارة أنها تعرضت للتهديد والتعنيف والإذلال قبل أن يتم توجيه تهم بغاية القسوة لهن وإطلاق سراحهن بكفالة ضخمة. عوملت هي وعائلتها بخشونة وفصلن عن بعضهن البعض وتم اصطحاب كل منهن على حدة إلى غرفة التحقيق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حديث عبر الهاتف قالت سارة "نزعوا عصابة العينين وطلبوا مني خلع ملابسي. لاحظت وجود كاميرا في الغرفة. وهددوني بالضرب إن لم أخلع ملابسي".
شعرت بالخوف الشديد. وتقول إنها قبل عدة سنوات، أوقفت بصفتها ناشطة كردية وتعرضت للاغتصاب بقسوة على أيدي قوات الأمن. وتخبر عن محنتها الأخيرة بالقول: "عندما طلبوا مني نزع ملابسي، اعتقدت أن خمسة أو ستة رجال سيأتون للاعتداء علي".
تتكشف روايات مروعة عن سوء المعاملة والحرمان من داخل شبكة السجون في إيران التي تضم حوالى 250 مركز احتجاز مكتظاً. فقد اعتقل عشرات آلاف المتظاهرين والناشطين خلال أربعة أشهر من الاحتجاجات التي اندلعت بُعيد وفاة الشابة مهسا أميني، 22 عاماً، أثناء احتجازها، وبعد أن اعتقلتها شرطة الأخلاق بمزاعم أن ملابسها لا تتطابق مع القواعد الإسلامية.
وطالب المتظاهرون بإسقاط الجمهورية الإسلامية ودعوا إلى الإطاحة بقائدها آية الله علي خامنئي. وكان الرد عنيفاً. فإضافة إلى سجن عديد من المتظاهرين، تم إعدام أربعة متظاهرين شبان بعد محاكمات قصيرة وسرية ندد بها المراقبون الدوليون ووصفوها بغير النظامية.
وأرسلت طهران رسالة واضحة مفادها أنه ما من أحد سيفلت من المقاضاة. وخلال الأسبوع الجاري، حكمت محكمة على فائزة هاشمي، ابنة الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني بالسجن لخمس سنوات بعد توقيفها في سبتمبر (أيلول) بتهم متعلقة بالتظاهرات.
وتقدر وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان (هرانا) ومقرها في أوسلو أن 20 ألف متظاهر قد اعتُقلوا، بيد أن بعض الخبراء القانونيين والنشطاء اعتبروا أن العدد أعلى من ذلك. يومياً، يتجمع مئات الناشطين إلى جانب أفراد من عائلات المحتجزين أمام مراكز الاحتجاز في وقفات احتجاجية في مسعى إلى لفت الانتباه لقضية المحتجزين في الداخل.
وعزا البعض التراجع النسبي في التظاهرات خلال الأسابيع الماضية إلى احتجاز قادة الاحتجاج غير الرسميين الذين برزوا من صفوف الحراك.
وفي مقابلة من إيران مع "اندبندنت"، وصف خبير قانوني وناشط في الثلاثينيات من عمره في مدينة أراك تجربة احتجازه الأخيرة وما الذي أظهرته له بشأن تصميم السلطة للقضاء على الاحتجاجات.
وقال إنه اختُطف على يد قوات الأمن فيما كان جالساً مع أصدقائه في مطعم في أراك في منتصف أكتوبر (تشرين الأول). تم زجه في سيارة معصوب العينين واصطحابه إلى عديد من مراكز الاحتجاز على مر الأيام التالية.
كونه رجلاً يتمتع بعلاقات واسعة ولاعب بارز في مجال الإعلام، لم يُضرب خلال تلك الفترة باستثناء مرة واحدة رفض فيها إعطاء المحققين كلمة السر لفتح هاتفه. ولكن حتى عندما كان معصوب العينين، سمع السجناء يبكون من الألم ويتوسلون لإطلاق سراحهم. وُضع في نهاية المطاف في عنبر مكتظ بـ50 سجيناً يتعافى عديد منهم بشكل واضح من الضرب المبرح.
ووصف النقص في الرعاية الطبية للمصابين فضلاً عن الظروف القذرة والطعام غير الصالح للأكل.
على مدى ساعات من الاستجوابات التي امتدت على أيام، عرف أنه تم توقيفه من قبل الفرع الاستخباراتي للحرس الثوري. كما كون فهماً لمدى مراقبة أنشطته على مدار أسابيع الاحتجاج.
واستجوبه المحقق بشأن تغريدات محددة ومنشورات على إنستغرام فضلاً عن تصريحاته لوسائل الإعلام. وأدرك أن قوات الأمن استخدمت هاتفه لتتبعه كونه قريباً من التظاهرات، ولكن ليس في قلبها؛ واتهموه بأنه زعيم الثورة. كانوا يعرفون أسماء الأشخاص الذين التقاهم ومن هي الشخصيات الأخرى من المجتمع المدني التي كانت قريبة منه.
وقال إن الذي استجوبه سأله: "لماذا تشجع الناس على التظاهر؟" وتم اتهامه في نهاية المطاف "بالترويج ضد النظام" وأُطلق سراحه بكفالة في انتظار المحاكمة.
وقال المستشار القانوني الذي كان يدخل إلى السجون الإيرانية ويخرج منها بعد بلوغه سن الرشد لفترات طويلة إن تجربة اعتقاله غالباً ما تكون كافية لثني جميع النشطاء عن الاحتجاج باستثناء الأكثر تفانياً.
ووصف تجربة امرأة تبلغ 40 عاماً من العمر، التي ألقت قوات الأمن القبض عليها فيما كانت تمشي نحو منزلها بعد تظاهرة. وقال: "في السيارة، شدوها من شعرها وهددوا باغتصابها. وأمروها بأن تقول "الله أكبر، خامنئي هو القائد. اعتقدَت أنهم سيعتدون عليها وسقتلونها".
وحين وصلت إلى مركز الشركة، غيرت قوات الأمن سلوكها بالكامل. فأصبحوا مهذبين ومهنيين واتهموها بشكل رسمي قبل أن يطلقوا سراحها بكفالة باهظة. وتستمر اليوم في المعاناة من الكوابيس جراء ما مرت به ومن غير المحتمل أنها ستعود للتظاهر بحسب المستشار القانوني.
ووصفت سجينة أخرى هي الناشطة سيبيدي كوليان التي احتُجزت منذ عام 2018، العنف الذي يمارسه المستجوبون بهدف الحصول على اعترافات خاطئة من المتظاهرين المحتجزين وذلك في رسالة مكتوبة تم تهريبها مؤخراً من سجن إيفين في إيران.
وكتبت في الرسالة التي حصلت عليها قناة "بي بي سي" أن غرفة الفحص مليئة بالشبان والشابات ويمكن سماع الصراخ الناتج عن التعذيب. ووصفت أنها سمعت شاباً يتم الضغط عليه للاعتراف بأنه هاجم أحد العناصر التي نُشرت لقمع التظاهرات.
وكتبت: "البرد قارس ويتساقط الثلج. وبالقرب من باب الخروج من المبنى، رأيت شاباً معصوب العينين ولا يرتدي سوى قميص خفيف باللون الرمادي يجلس أمام المحقق. كان يرتجف ويتوسل قائلاً: أقسم بأنني لم أضرب أحداً. أرادوا منه أن يعترف. وبينما كنت أمر من هناك، صرخت: لا تعترف، الموت لكم أيها الطغاة".
قالت سارة وأمها وأخواتها إنهم احتُجزوا في السجن لأسابيع. وتم فصلهن وخضعن لاستجوابات متكررة. وقيل لكل منهن إنه تم إطلاق سراح الأخرى. ولكن في النهاية، وجدن جميعاً أنفسهن في العنبر نفسه من السجن العام.
يعيش زوج سارة في أوروبا، وانطلاقاً من دليل المال الذي أرسله إليها، تم اتهامها "بالتنسيق مع القوى المعادية ضد النظام"، وهي تهمة ترتقي إلى مستوى الخيانة العظمى وقد تنجم عنها عقوبة كبيرة في السجن.
نصح أحد المحامين في كيرمانشاه العائلة بالذهاب إلى الحدود العراقية والهرب من البلاد. كانت سارة تواجه حظراً على السفر، فاستعانت هي وأسرتها بمهرب لمساعدتهن على اجتياز الحدود. كان الطريق في جبال زاغروس مرهقاً ومنهكاً وقالت إنها كسرت ساقها خلال الطريق.
تختبئ سارة وعائلتها الآن في العراق. وهي بمثابة سجينة فعلية في شقة صغيرة ضمن سلطة قضائية عراقية لديها علاقات سياسية وأمنية وثيقة بالحرس الثوري الإيراني، وهي تفكر في إذا ما كانت ستنضم إلى زوجها أو تنتظر التوقيت المناسب للعودة إلى إيران. وتقول: "أحلم بالعودة إلى إيران. آمل بأن تنجح الثورة".
* غيرت الأسماء لحماية هوية المتحدثين.
© The Independent