ملخص
إذا اختار الشعب رئيساً تعوقه عقوبات جنائية فسيكون هذا شكلاً من أشكال #تقرير_المصير الذي رغب فيه الأميركيون، وهو اختيار لا توجد لدى #الدستور_الأميركي إجابة واضحة له
بعد أن تحولت مخاوفه إلى حقيقة، أصبح دونالد ترمب أول رئيس أميركي أو رئيس سابق يتم اتهامه، لكن الاتهامات التي ربما تقود إلى سلسلة طويلة من الطعون والردود وصولاً إلى المحاكمة، تثير أسئلة عدة حول تأثير ذلك في ترمب وحظوظه ومدى تعاطف واقتراب الأميركيين أو ابتعادهم عنه، بينما يواصل حملته الانتخابية سعياً إلى استعادة المنصب الذي فقده عام 2020، فما هي عواقب لائحة الاتهام والمحاكمة المحتملة على حملته، وإذا نجحت جهوده ونجح في انتخابات 2024، هل من قيود على الرئيس إذا كان مداناً أو في السجن؟
دفعة إلى الأمام
منذ أن صوتت هيئة محلفين كبرى في مانهاتن بمدينة نيويورك بالموافقة على توجيه اتهامات إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، ظلت التهم سرية ولن تتكشف إلا الثلاثاء المقبل حينما يحضر ترمب إلى المحكمة، لكن هذه التهم ستكون مرتبطة بتحقيق المدعي العام لمنطقة مانهاتن ألفين براغ في قضية دفع ترمب مبالغ مالية لشراء صمت ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز قبل الانتخابات الرئاسية عام 2016، وبصرف النظر عن طبيعة الاتهامات ومدى قوتها وشرعيتها، نال ترمب ما كان يطمح إليه وهو حشد أكبر كتلة من الجمهوريين إلى جانبه على المستويين السياسي والشعبي وجمع مزيداً من الأموال لحملته الانتخابية.
منذ انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تعرض الرئيس السابق لانتقادات حملته مسؤولية الأداء الضعيف للمرشحين الجمهوريين الذين لم يتمكنوا من استعادة السيطرة على مجلس الشيوخ، وفازوا بفارق هزيل في مجلس النواب، كما خسر آخرون منافساتهم الانتخابية على بعض مناصب حكام الولايات، لهذا كانت الاتهامات الأخيرة من المدعي العام في مانهاتن بمثابة طوق نجاة ودفعة قوية إلى الأمام للرئيس ترمب الذي أشار استطلاع أخير للرأي أجرته قناة "فوكس نيوز" إلى حصوله على 54 في المئة من تأييد الجمهوريين مقابل 24 في المئة لخصمه حاكم فلوريدا رون ديسانتيس.
تعزيز الولاء
غير أن احتشاد المسؤولين الجمهوريين بالإجماع حول ترمب عقب توجيه لائحة الاتهامات عزز الولاء له بشكل واضح، مع تأكيد كثير من قادة الحزب أن الاتهامات ضده ذات دوافع سياسية، أو "واهية" وفقاً لتعبير حاكم ولاية فيرجينيا غلين يونغكين، أو أنها "حولت نظام العدالة المقدس إلى سلاح" على حد وصف كيفن ماكارثي رئيس مجلس النواب، كما وصفها السيناتور عن ولاية أوهايو جي دي فانس بأنها "هجوم مباشر" على عشرات الملايين من مؤيدي ترمب، وقال جمهوري آخر إنها أشبه "بالمحاكمات السوفياتية القديمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى المستوى الشعبي، احتشد معظم الجمهوريين حول الرئيس السابق، بمن فيهم بعض المتحفظين على سلوكه مثل جيم آلدن، وهو رجل أعمال جمهوري في ولاية نيو هامبشاير الذي توقع أن تعزز لائحة الاتهام الولاء لترمب وتقوية عقدة الاضطهاد التي زرعها الرئيس السابق منذ فترة طويلة لأن الجمهوريين يجدون أن السلوك الكامن وراء الاتهامات غير منطقي، ويعتقدون بأن السياسة كانت الدافع الرئيس وراء توجيه الاتهامات من قبل مدعي عام نيويورك خلال تحقيقاته.
لكن ليس كل داعمي ترمب السابقين يظهرون هذا الولاء، ففي استطلاع أجرته جامعة "كوينيبياك" هذا الأسبوع قبل توجيه الاتهام، قال واحد من كل أربعة جمهوريين وواحد من كل ثلاثة مستقلين إن التهم الجنائية يجب أن تحرم ترمب من ترشيحه للرئاسة، مما يشير إلى أن نحو ربع الجمهوريين تآكلت ثقتهم بالرئيس السابق بسبب التحقيقات الجنائية في عدد من القضايا التي ينظر فيها مدعون عامون في جورجيا وواشنطن ونيويورك، ويشعرون الآن بالإرهاق وبأن وقت الرئيس ترمب ولى.
دعم مالي وعواقب محتملة
علاوة على ذلك، بدأت جهود ترمب لجمع التبرعات بعد لائحة الاتهام تؤتي ثمارها، بحيث جمعت حملته أكثر من 4 ملايين دولار في غضون 24 ساعة، ومن المرجح بشكل كبير أن تجمع عشرات الملايين خلال الأيام والأسابيع المقبلة، مما جعل حملته تؤكد أن الشعب الأميركي يرى أن توجيه الاتهام إلى ترمب يمثل استخداماً مشيناً للنظام القضائي كسلاح في يد مدع عام يموله الملياردير الأميركي ذو الميول اليسارية جورج سوروس.
كما أشار فريق الرئيس السابق إلى أن أكثر من 25 في المئة من المساهمات جاءت من مانحين للمرة الأولى، مما يؤكد وضع ترمب باعتباره المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات التمهيدية الجمهورية.
لكن على رغم الدعم الواسع بين الجمهوريين وبعض المستقلين للرئيس ترمب الذي يعتقد كثير من المراقبين بأنه سيضعف قدرة خصوم الرئيس السابق على منافسته في الانتخابات التمهيدية، فإن ما تخفيه الاتهامات وما يمكن أن يظهر من تفاصيل دقيقة ربما تكون محرجة خلال سير المحاكمة، يمكن أن تصاحبه تأثيرات سلبية في مصداقية ترمب، كما أن هناك عدداً من الأسئلة حول العواقب المحتملة في حال فوز ترمب بالانتخابات بعد إدانته من المحكمة، وكيف يمكن أن يمارس مهماته الرئاسية ويقود الولايات المتحدة من داخل السجن، وهو احتمال لا يمكن اعتباره نوعاً من الخيال بعد توجيه اتهامات فعلية بتهم عدة.
وتقول أستاذة القانون والعلوم السياسية في جامعة ولاية أريزونا ستيفاني ليندكويست إن المادة الثانية من دستور الولايات المتحدة لا تحدد مؤهلات صريحة للمرشحين للرئاسة باستثناء ضرورة ألا يقل عمر الرئيس عن 35 سنة وأن يكون مواطناً أميركياً مولوداً ومقيماً في الولايات المتحدة لمدة 14 عاماً. ورأت المحكمة العليا أن هذه المؤهلات تشكل سقفاً دستورياً يحظر فرض أية مؤهلات إضافية بأية وسيلة، مما يعني أنه يجوز لأي شخص متهم أو في السجن أن يترشح لمنصب الرئيس ويمكنه حتى أن يتولى منصب الرئيس، وهذا هو المعيار القانوني السائد الذي سينطبق على الرئيس السابق ترمب لأن حقيقة توجيه الاتهام إليه واحتمال محاكمته، لا علاقة لها بمؤهلاته لتولي المنصب بموجب الدستور.
الحكم من السجن
مع ذلك، ليس هناك شك في أن توجيه الاتهام أو الإدانة من قبل سلطات الولاية أو السلطات الفيدرالية، فضلاً عن عقوبة السجن سيضر بشكل كبير بقدرة الرئيس على العمل في منصبه، وبينما لا يوفر الدستور الأميركي إجابة سهلة لهذه المشكلة، فإن التأثير في الحملة الانتخابية الرئاسية وفي مصداقية الرئيس إذا انتخب سيكون واسعاً ومؤثراً.
وفي حين يفترض أن جميع المتهمين أبرياء حتى تثبت إدانتهم، فإنه في حال الإدانة سينطوي سجن الرئيس في الولاية أو أي سجن فيدرالي على تقييد حريته بشكل كبير وقدرته على قيادة الولايات المتحدة، وذلك وفقاً لمذكرتين قانونيتين أصدرتهما وزارة العدل عامي 1973 و2000، صدرت الأولى من مكتب المستشار القانوني بالوزارة خلال "فضيحة ووترغيت" بعنوان "عرض الرئيس ونائب الرئيس والموظفين المدنيين الآخرين أمام النيابة الجنائية الفيدرالية أثناء وجودهم في المنصب".
ويعود سبب صدور مذكرة عام 1973 إلى أن الرئيس ريتشارد نيكسون كان قيد التحقيق لدوره في اقتحام عملاء تابعين له مبنى "ووترغيت" في واشنطن للتجسس على خصمه الديمقراطي في الانتخابات وأن نائب الرئيس سبيرو أغنيو كان قيد التحقيق أمام هيئة محلفين كبرى بتهمة التهرب الضريبي وهو التحقيق الذي أدى إلى استقالته من منصبه، واستبدله نيكسون بالزعيم الجمهوري في مجلس النواب جيرالد فورد.
وتناولت هاتان المذكرتان ما إذا كان يمكن بموجب الدستور توجيه لائحة اتهام ضد رئيس في منصبه، وخلصتا إلى أنه لا يجوز ذلك على اعتبار أن المقاضاة الجنائية ضد رئيس حالي يمكن أن تعرقل أداء الرئيس لواجباته الرسمية بشكل ربما يصل إلى حد العجز، وتشير المذكرتان إلى الإزعاج الناتج من المحاكمة الجنائية التي ستنتقص بشكل كبير من التزام الرئيس في ظل واجباته المرهقة.
تأثر الوظائف الأساسية
ووفقاً لمذكرة عام 1973، يلعب الرئيس دوراً لا مثيل له في تنفيذ القوانين وتسيير العلاقات الخارجية والدفاع عن الأمة، ونظراً إلى أن هذه الوظائف الأساسية تتطلب اجتماعات أو اتصالات أو مشاورات مع الجيش والقادة الأجانب والمسؤولين الحكوميين في الولايات المتحدة وخارجها بطرق لا يمكن أداؤها أثناء السجن، أشار عالم القانون الدستوري ألكسندر بيكل عام 1973 إلى أنه من الواضح أن الرئاسة لا يمكن أن تتم من داخل سجن، ذلك أن الرؤساء المعاصرين متنقلون ويسافرون محلياً وعالمياً بشكل مستمر للقاء قادة وطنيين آخرين ومنظمات عالمية، ومن الواضح أنهم لن يكونوا قادرين على فعل هذه الأشياء أثناء وجودهم في السجن، كما لا يمكنهم فحص تداعيات الكوارث الطبيعية من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي، أو الاحتفال بالنجاحات والأحداث الوطنية، أو مخاطبة المواطنين والجماعات في شأن قضايا اليوم وبشكل شخصي.
إضافة إلى ذلك، يحتاج الرؤساء إلى الوصول للمعلومات والتقارير السرية، بينما يضر وجود الرئيس في السجن بقدرته على الوصول إلى مثل هذه المعلومات التي يجب تخزينها وعرضها في غرفة آمنة محمية من جميع أنواع التجسس، بما في ذلك حجب موجات الراديو، وهي أمور غير متاحة على الأرجح في السجن.
ونتيجة لتنوع واجبات الرئيس والتزاماته، خلصت المذكرتان إلى أن الحبس الجسدي للرئيس التنفيذي بعد إدانة صحيحة من المحكمة من شأنه أن يمنع السلطة التنفيذية من أداء وظائفها المحددة دستورياً.
خوض الانتخابات من السجن
مع ذلك، هناك لغط حول ماذا يحدث إذا انتخب المواطنون الأميركيون رئيساً متهماً أو مسجوناً، بخاصة أن هناك حالاً تاريخية واحدة تمثلت في مرشح رئاسي مسجون هو يوجين دبس الذي خسر الانتخابات لكنه حصل على نحو مليون صوت فقط من إجمالي 26.2 مليون تم الإدلاء بها في اقتراع عام 1920.
يشير بعض القانونيين إلى أحد الحلول وهو التعديل الـ25 من الدستور الذي يتيح لنائب الرئيس ونصف عدد الوزراء في الأقل إعلان أن الرئيس غير قادر على الاضطلاع بصلاحيات وواجبات منصبه، ومع ذلك تلفت مذكرتا وزارة العدل إلى أن واضعي هذا التعديل لم يفكروا أو يذكروا السجن كأساس لعدم القدرة على أداء سلطات وواجبات الرئيس، وبذلك يتجاهل استبدال الرئيس بموجب التعديل الـ25 اختيار الناس المدروس لمن يرغبون في تولي منصب الرئيس التنفيذي لهم.
وربما يكون التفكير نفسه مناسباً في حال الرئيس السابق ترمب، وهو أنه إذا اختار الشعب رئيساً تعوقه عقوبات جنائية، فسيكون هذا شكلاً من أشكال تقرير المصير الذي رغب فيه الأميركيون، وهو اختيار لا توجد لدى الدستور إجابة واضحة أو جاهزة له.