ملخص
واجه الفارون من ويلات الصراع المسلح أزمات متعددة منها عدم توفر السيولة النقدية والدواء والسكن وارتفاع كلفة المعيشة
فرضت الحرب في السودان وضعاً إنسانياً معقداً على سكان العاصمة الخرطوم، واضطر الآلاف إلى النزوح لولايات البلاد المختلفة مثل الجزيرة وشمال كردفان ونهر النيل والنيل الأبيض بحثاً عن أمان لا يجدونه في ظل دوي القذائف وطلقات الرصاص.
في غضون ذلك، واجه الفارون من ويلات الصراع المسلح أزمات متعددة منها عدم توفر السيولة النقدية والدواء والسكن وارتفاع كلفة المعيشة، كما عانى الأطفال من صدمة القتال وآثاره النفسية.
إزاء هذه الأزمات، نشطت مبادرات فردية إنسانية تهدف لمساعدة النازحين في ولايات السودان فضلاً عن الأسر التي لم تغادر العاصمة من خلال تقديم المواد الغذائية والأدوية والدعم النفسي للأطفال وإجلاء العالقين لمناطق آمنة.
"تفقد جارك"
وفي الخرطوم، تفاقمت الأزمة المعيشية بعد أن افتقرت مئات آلاف الأسر إلى مصادر الرزق ونفدت السلع الاستهلاكية من الأسواق، ونتيجة لهذه الأوضاع الإنسانية المتفاقمة، أطلقت مجموعة من الشباب مبادرة عرفت باسم "تفقد جارك"، لمساعدة المواطنين في عدد كبير من أحياء العاصمة.
وقال أحد القائمين على المبادرة، ويدعى مؤمن حسين، إنها "تقوم على حصر الأسر التي لم تغادر العاصمة الخرطوم، وتبدأ الخطوة الثانية بكيفية ترتيب الحاجات الضرورية وإمكانية توزيعها، وفي البداية، أنشأنا صندوق تبرعات يعنى بتقديم الدعم المادي والعيني للسكان". أضاف أن "الخطة تمضي بنجاح للوصول إلى عدد كبير من أحياء المدن الثلاثة، بحري وأم درمان والخرطوم، إضافة إلى وضع أسس مستقبلية منها جمع احتياطات سلعية لاستخدامها في حالة الطوارئ في ظل إغلاق الطرق والمرافق الصحية". وأوضح حسين أن "المبادرة وجدت تجاوباً في عديد من أحياء العاصمة بخاصة التجار والعائلات المقتدرة اقتصادياً من خلال الإسهام في الدعم المالي إلى جانب المواد الغذائية".
وتابع "لحسن الحظ، توفرت لنا سلع بكميات كبيرة نظراً إلى نقل أصحاب المحال التجارية البضائع من الأسواق إلى المنازل خشية التعرض للنهب والسرقة والحريق، وتفاعل كثيرون مع المبادرة وقدموا تبرعات سخية".
إيواء ودعم نفسي
كما نشطت مبادرات عدة سعت لمساعدة الفارين من الخرطوم إلى ولايات البلاد المختلفة.
في الموازاة، نشط شباب من مدينة مدني بولاية الجزيرة جنوب العاصمة في مبادرة "مرحباً بكم"، بهدف توفير السكن والغذاء والرعاية الطبية. وقال منسق المبادرة عمران عمر إن "القادمين من الخرطوم خرجوا في ظروف إنسانية صعبة ونفدت أموالهم جراء كلفة السفر"، مضيفاً أن "أعضاء المبادرة جهزوا ثلاثة مجمعات سكنية تابعة لجامعة الجزيرة تستوعب خمسة آلاف شخص فضلاً عن بعض المنازل في الأحياء وتوفير مبالغ مالية لاستئجار مساكن". وأوضح عمر أنه "بخلاف خدمة الإيواء، نقدم مواد غذائية ورعاية طبية ومياهاً للشرب وخلافها من الحاجات الضرورية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهناك مبادرات لتقديم الدعم النفسي للأطفال من خلال ورش عمل صغيرة بواسطة متخصصين لتخفيف الصدمات عن الصغار بخاصة المتأثرون بأصوات الأسلحة الثقيلة. وقالت منسقة إحدى المبادرات صفية حسن، إن "الورش استهدفت مئات الأطفال لتنفيذ برامج عد منها جلسات نفسية لإعادة التأهيل وأنشطة ثقافية وترفيهية وتوزيع ألعاب للصغار". أضافت أن "ثقافة العنف تؤثر سلباً على مستقبل الأطفال ونمط تفكيرهم، لذلك نسعى لغرس مفاهيم السلام عند الأطفال ودعمهم نفسياً واجتماعياً".
دعم عابر طريق
في الأثناء، نشط شباب من ولاية جنوب كردفان في إطلاق مبادرات تكافلية عرفت باسم "دعم عابر طريق"، هدفت لتقديم ثلاث وجبات يومياً للقادمين من العاصمة الخرطوم نحو مناطق الولاية، ويتم إغلاق الشوارع تماماً أمام كل المركبات التي تمر بعد (الرابعة عصراً)، وينتشر هذا السلوك على الطرق القومية في مدينة الدبيبات والقرى المجاورة لها.
وقال عضو المبادرة صالح النور، إن "العمل بدأ منذ اندلاع الحرب ونستهدف العابرين بالطريق الرئيس ونعترض السيارات لإيقافها من أجل الوقوف على راحة المواطنين بعد أن جهزنا استراحة لـ1000 شخص". أضاف أن "هناك متطوعين يعدون الوجبات المكونة من "العصيدة" و"الكسرة" إلى جانب الرز والبطاطا إضافة إلى تزويد الناس بمياه الشرب وتجهيز الحمامات". وأشار إلى أن التجار والأسر المقتدرة اقتصادياً أسهموا بفعالية في دعم المبادرة وتوفير الحاجات الضرورية لها، "كما تسابق سكان القرى في جلب لحوم الخراف والماعز".
ونشط عدد من الأطباء والمساعدين في معالجة المرضى وتوفير أدوية السكري والضغط والكشف عن الأطفال والنساء مجاناً للقادمين من العاصمة الخرطوم.
إنقاذ المرضى
وفي ظل حظر التجوال، أغلقت الصيدليات أبوابها واتسعت أزمة الأدوية لتشمل عقاقير علاج الأمراض المزمنة والسكري والسرطان، ما زاد من معاناة كثيرين من المرضى بخاصة العالقون في منازلهم بالعاصمة الخرطوم، وقد أطلق شباب مبادرة "دواء لإنقاذ مريض"، لإيصال الدواء لمحتاجيه، ويوفر المتطوعون العلاجات من أشخاص آخرين لديهم فائض أو من الجهات الصحية الخيرية إضافة إلى وجود عدد من الكوادر الطبية لإسعاف الحالات الطارئة.
وقال المتطوع حسين محمد النور، إن "عمليات المساعدة تشكل خطراً كبيراً لأن بعض الأحياء التي يوجد فيها المحتاجون هي مناطق اشتباكات، ومع ذلك يحاول الشباب الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المحتاجين لإيصال الأدوية إليهم".
وتوسعت هذه المبادرة في بعض أحياء مدينة أم درمان. وأوضح النور أن "المتطوعين قاموا، أيضاً، بتوفير سلع غذائية لبعض الأسر التي انقطع عنها الغذاء والتواصل مع نقابة أطباء السودان لتوفير حاجات الناس في المناطق المتضررة". وتابع "توجد صفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تم إنشاؤها لاستقبال طلبات المساعدة في الأحياء"، مشيراً إلى أن عشرات الطلبات وردت إليهم، وما زال عديد من المرضى وكبار السن داخل المناطق المتضررة بحاجة ماسة لتوفير الدواء.