Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا أصبحت مجموعة السبع عاجزة عن فرض شروطها على العالم؟

عندما تستثني النخبة العالمية اثنين من أكبر اقتصادات العالم، فهي تتوقف عن كونها نخبة عالمية

ملخص

تبدو تشكيلة الدول السبع المألوفة أقرب إلى مخلّفات عصر ما بعد الحرب منها إلى مجموعة عمل ترسم المستقبل

من الصعب أن يتخيّل المرء وداعاً أكثر رمزية لنظام العالم القديم من الاجتماع الذي تستضيفه اليابان في عطلة نهاية الأسبوع هذه. فزعماء مجموعة الدول السبع (G7) - ذلك النادي الحصري الذي يجمع أثرى دول العالم - يعقدون اجتماعهم السنوي في هيروشيما اليابانية، المدينة التي دمّرتها أول القنبلتين النوويتين الوحيدتين اللتين استخدمتا في حرب على الإطلاق، وعادت اليوم إلى الحياة كمركز صناعي وموقع تذكاري مزدهر.

ومع ذلك، على رغم معجزة الانتقال من الدمار التام إلى الانتعاش التي تجسّدها هيروشيما، وعلى رغم الأهمية المتجددة للنقاش حول السلاح النووي، تبدو تشكيلة الدول السبع المألوفة أقرب إلى مخلّفات عصر ما بعد الحرب منها إلى مجموعة عمل ترسم المستقبل، كما تقدّم نفسها. 

لدينا هنا الولايات المتحدة، التي خرجت مسيطرةً من الحرب العالمية الثانية وستظل مسيطرة، لبعض الوقت على الأقل؛ والمملكة المتحدة وفرنسا، اللتان خسرتا إمبراطوريتان، لكنهما لا تزالان تطالبان بدور عالمي؛ وقوى المحور المهزومة، ألمانيا واليابان وإيطاليا، التي نبذت ماضيها من أجل تأسيس أنظمة ديمقراطية حديثة، وكندا، التي تشاجرت مع الحلفاء. 

إنما إلى أي مدى لا تزال هذه الدول تتشارك المصالح والأهداف نفسها؟ وإلى أي مدى يمكنها أن تبرّر مطالبها بدور عالمي، لو قدرت على ذلك؟ هنالك سببان يجعلان اجتماع قمة السبع هذا العام يبدو قديم الطراز أكثر من أي وقت مضى. أولهما سببه غيابٌ صارخ، إن لم نقل غيابين. أما الثاني، فناتج عن حرب أوكرانيا

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هو اجتماع قمة للقوى الاقتصادية العظمى يستثني اثنين من أكبر اقتصادات العالم. وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي الصادرة العام الماضي، تعد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بينما تحتل الهند المرتبة السادسة في القائمة. ومع ذلك، لا يخصص لأي منهما مكاناً حول طاولة الكبار، كما تُسمّى، ما لم تُدعيا كضيفين الفينة والأخرى. لم يكن غيابهما ملموساً بهذا القدر عندما عُقد آخر اجتماعين في أوروبا. لكن هذا العام، يجتمع الزعماء السبعة في هيروشيما، على مقربة من الصين التي تلوح في الأفق، عبر البحر.

تكثر طرق حساب القوة الاقتصادية. فباحتساب إجمالي الناتج المحلي للفرد، يعدّ الأعضاء السبعة لمجموعة السبع من بين أكبر الاقتصادات، وأكثرها ثراء كذلك. وإن احتسبنا القدرة الشرائية، سترجح النتائج كفة هذه البلدان بشكل أكبر بعد. لكن إن جمعنا حجم الصين ووتيرة نموّها، فلا يمكن حينها تجاهلها.

حوّلت الصين نفسها أكثر فأكثر إلى قوة اقتصادية إقليمية ودولية. وخارج الغرب، تلقى مبادرتها "الحزام والطريق" احتراماً وترحيباً واسعي النطاق. جانب المبادرة السلبي هو خطر الاستدانة والتبعية الاقتصادية، كما غياب فرص العمل الجديدة، بما أنّ المقاولين الصينيين يجلبون معهم قواهم العاملة الخاصة بهم. لكن الجانب الإيجابي بالنسبة إلى كثيرين هو تشييد البنى التحتية بسرعة ومن دون أي قيد أو شرط أيديولوجي.  

لكن الصين بدأت الآن بإبراز قوتها عسكرياً، عن طريق قوة بحرية محدّثة وموسّعة بشكل كبير. دبلوماسية "الذئب المحارب" الصينية كذلك فرضت نفسها بحزم وشراسة أكبر. كما تبنّت بكين موقفاً أكثر صرامةً في قضية فرض سلطتها على هونغ كونغ، وهناك بعض التخوفات، ليس في واشنطن وحدها، من احتمال أن تصل طموحات الصين على المدى القصير حدّ ضمّ تايوان بالقوة. 

من ناحية أخرى، فإن التصدعات في طاولة الكبار واضحة، وآخذة بالتوسّع. فبعد تولّيه الرئاسة، واصل جو بايدن نهج دونالد ترمب الاقتصادي الصارم، مضيفاً إليه تحذيرات واحتياطات عسكرية. بينما لدى اليابان مصالحها الإقليمية والأمنية الخاصة التي عليها حمايتها، وصحيح أنها سوف تتعاون مع الولايات المتحدة من أجل تقييد توسّع الصين، لكن إلى نقطة معيّنة فقط. وربما تكون هذه النقطة المواجهة العسكرية المباشرة.  

أمّا فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، فتختلف مجدداً. إذ إنّ أولوية هذه الدول هي التبادل التجاري، فيما يبدو أي تهديد عسكري أمراً بعيد التحقق. وهي ترغب بأن تبتعد الولايات المتحدة عن سياسة حافة الهاوية العدائية التي تنتهجها. ومن ناحية أخرى، فالتقلّب العشوائي لسياسة المملكة المتحدة، بدءاً من سعي جورج أوزبورن [وزير الخزانة في عهد ديفيد كاميرون] المتفائل لـ"عصر ذهبي" مع الشرق مروراً بمقاربة ليز تراس المتشددة، التي عبّرت عنها خلال تواجدها في تايوان الآن، ووصولاً إلى محاولات جيمس كليفرلي [وزير الخارجية] الأخيرة للجمع بين التفاعل المباشر والحذر، يُظهر الصعوبة التي تواجه مجموعة السبع، والعالم الثري إجمالاً، في إبراز موقف موحّد أمام الصين. لا شكّ في أن هذا أحد أهمّ أهداف لقاء عطلة نهاية الأسبوع هذه. 

تمتد مشكلات الدول السبع مع الصين إلى المجال الدبلوماسي الأوسع، وهنا تدخل أوكرانيا في المعادلة. ففي الأمم المتحدة، وفي غيرها من اللقاءات على الساحة الدولية، تتحول الصين بسرعة إلى منارة تهتدي بها الدول الكثيرة التي لا تتوافق مع "سياسات الغرب". وتستفيد روسيا بدورها من الاستياء من الغرب، ولهذا السبب لم تؤتِ جهود الغرب لعزل موسكو بعد اجتياحها لأوكرانيا ثمارها بشكل كبير. 

الصين أيضاً، وبعد وساطتها الناجحة التي أثمرت اتفاقاً لاستئناف العلاقات بين السعودية وإيران، قامت بتوجيه أنظارها إلى أوكرانيا، فطرحت خطة لوقف إطلاق النار هناك. وقدّم الرئيس شي جينبينغ الخطة للرئيس الروسي بوتين خلال زيارة أخيرة، حيث لاقت بعض الاستحسان. كما ناقشها في اتصال هاتفي مطوّل مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي، الذي لم يرفضها. واللافت أكثر بعد هو أنّه بعد رفضهما التدخل الصيني في بداية الأمر، تقول الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الآن إنهما لا تستبعدان أي شيء.

إن كانت بعض الانقسامات الأولى في استجابة الغرب لقضية أوكرانيا قد غُطّيت موقتاً، فلا بدّ أنّ خطة الصين، بل مجرّد فكرة اضطلاع الصين بدور في حلّ نزاع أوروبي، سوف تفتحها على مصراعيها مجدداً. فدول أوروبية كثيرة خارج مجموعة السبع لا تريد انتهاء الحرب في أوكرانيا قبل هزيمة روسيا الكاملة. وعلى المقلب الآخر، لا شكّ في أنّ الإرادة الداخلية الأميركية في الاستمرار بمنح مساعدات عسكرية لأوكرانيا بالمستوى نفسه، غير مؤكدة، نظراً للتذمر في الكونغرس واقتراب الانتخابات الرئاسية السنة المقبلة بسرعة.   

صحيح أنه يمكن دفن الأحقاد الدبلوماسية. فالبيانات تغطّي الخلافات على أشكالها، ولن تكون البيانات الصادرة عن مجموعة السبع هذا العام استثناءً للقاعدة. لكن الخلافات الحقيقية جداً في المصالح الوطنية التي تكشفها القضيتان المطروحتان الآن- وتحديداً صعود الصين والحرب في أوكرانيا- تشير إلى أنه في هيروشيما، ربما شارف مسار مجموعة السبع باعتبارها تجمعاً ذا فائدة، على الانتهاء.    

© The Independent

المزيد من تحلیل