ملخص
من المجموعات التي شنت هجوماً على الحدود الروسية - الأوكرانية وما الهدف منها؟
لم يكن إعلان موسكو مفاجئاً، أقله على صعيد اللغة التي اعتمدها، إذ زعم أن [المسلحين] الذين هجموا على قرى روسية محاذية لحدود أوكرانيا "صفوا بالكامل". أما صدور الإعلان بعد مرور يومين على القتال فيثير استغراب أكثر من شخص.
وتبنت الهجوم مجموعات ميليشياوية روسية، أفادت بأن هدفها هو إطاحة الرئيس فلاديمير بوتين. لكن أياً كان وضع الهجوم الذي شن - وسط تلميحات بأن عمليات الميليشيات ستتواصل على رغم إعلانات موسكو – فهو يعتبر على نطاق الاجتياح الروسي الأوسع، مجرد اشتباك. لكن الغموض المحيط بهذا الهجوم سيترك تداعيات مؤثرة، إذ تحول إلى جزء من البروباغاندا الحربية بين موسكو وكييف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ليس لأوكرانيا ما تخسره ظاهرياً، إذ أفاد مسؤولون أمثال ميخايلو بودولياك، وهو أحد كبار مساعدي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بأن كييف لا علاقة لها بالهجوم، ملقياً اللوم على "حركة المقاومة العنيفة" الناشئة في روسيا، مضيفاً أن "الدبابات تباع في أي متجر عسكري روسي". ومن جهته، قال أندريه يوسوف من مديرية الاستخبارات في كييف إن المجموعتين تعملان "بشكل مستقل على الأراضي الروسية"، وإن الأوكرانيين ليس لهم يد [بالهجوم]، في حين أعلن التلفزيون الأوكراني أن المسلحين هم عناصر ميليشيات و"متطوعون روس".
ستكون مفاجأة لو لم يكن المسؤولون في كييف على علم بأمر الهجوم – ولا شك أن الأسئلة ستطرح حتماً حول مصدر الآليات التي استخدمت في الهجوم - لكن التعتيم على الموضوع له أسبابه. فالحلفاء الغربيون كانوا واضحين، أقله علناً، عندما شددوا على منع استعمال أسلحتهم ومساعداتهم على الأراضي الروسية، وحتى أوكرانيا، تفضل توخي الحذر حيال إفساح المجال أمام أي تصعيد من جانب بوتين.
يفيد "فيلق الحرية لروسيا" و"فيلق المتطوعين الروس"، اللذان تبنيا مسؤولية الهجوم، بأنهما يضمان روساً مسلحين يحاربون كقوة موالية لأوكرانيا. ومن جهته، أكد "فيلق الحرية لروسيا" أنه يحظى باعتراف أوكرانيا (مع أن ذلك ليس واضحاً)، وأن عناصره يحاربون هناك ضد روسيا. أما "فيلق المتطوعين الروس"، فأعلن مسؤوليته عن هجمات سابقة داخل الأراضي الروسية، من بينها هجوم شن خلف الحدود في مارس (آذار) الماضي، في منطقة بريانسك المجاورة. وتجدر الإشارة إلى أن قائد "فيلق المتطوعين الروس" هو قومي متطرف روسي وإلى أن مجموعته تتحدث علناً عن إنشاء دولة روسية أحادية العرق.
وتبدو كييف سعيدة بتداول فكرة عامة تفيد بوجود تحرك ميليشيوي مسلح، تولد أفعاله مزاعم تسمح برفع معنويات الشعب الأوكراني وجيش كييف المحارب في الداخل الأوكراني. وبالفعل، سخر بودولياك من "النصر الروسي" في بلغورود عبر موقع "تويتر". وثمة تلميحات بأن عمليات توغل الميليشيات عبر الحدود، وهجمات المسيرات المختلفة (التي تنفي كييف تورطها فيها) قد تشكل جزءاً من عملية "رسم معالم" هدفها تحوير الانتباه الروسي عن ميادين القتال في شرق أوكرانيا وجنوبها، بينما تضع اللمسات الأخيرة على خطة هجومها المضاد - فتحث موسكو في النهاية على سحب بعض قواتها من خط المواجهة، كي تتمكن من ضبط الأمن في المواقع الحدودية.
بيد أن المعادلة تبدو أكثر تعقيداً بنظر موسكو: فمن جهة، يسودها شعور بالتوتر وسط سعيها إلى إعطاء انطباع بأنها تحكم السيطرة على الأمور. ومن جهة أخرى، تريد أن تحشد الرأي العام لتأييد الاحتلال المستمر منذ 15 شهراً، وسط غياب شبه كامل لأي تقدم يذكر على امتداد أشهر، إلى أن جرت أحداث باخموت في الآونة الأخيرة. والحال أن بث خوف من هجمات أوكرانية محتملة على الأراضي الروسية يسمح بتحقيق الهدف الثاني، لكن في مقابل ثمن يتمثل بإحراج بوتين وبجعل القدرات الدفاعية الروسية تبدو ضعيفة.
كان السبيل الأسهل بأن تعلن [روسيا] أن التوغل الحدودي هو محاولة أوكرانية هدفها تشتيت الانتباه وتحوير الأنظار عما اعتبرته روسيا انتصاراً لها في مدينة باخموت الشرقية (في حين تنفي كييف استيلاء روسيا التام على المنطقة)، وذلك بعد تحول باخموت، على امتداد أشهر، إلى مسرح قتال عنيف. وحاول دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، اعتماد هذا التكتيك يوم الإثنين. لكن تضخيم الرد الصادر عن السلطات الروسية بشأن الهجوم يدفع إلى الاعتقاد بأن [المزاعم الروسية] ليست صحيحة.
ففي البدء، ورد في وسائل الإعلام الحكومية أن بوتين أحيط علماً بالهجوم، وأن حاكم منطقة بلغورود أعلن إخلاء المنطقة من سكانها. وصباح يوم الثلاثاء، زعم الحاكم فياتشيسلاف غلادكوف أن وزير الدفاع الروسي يواصل "تطهير" الوضع بمساعدة وكالات أمنية أخرى، وأن الوقت لم يحن بعد لعودة السكان إلى بيوتهم، مضيفاً أن المنطقة لا تزال خاضعة لنظام "مكافحة إرهاب" خاص. ورفعت هذه الإجراءات بعد ساعات قليلة من صدور مزاعم من موسكو، تفيد بأنها دفعت المقاتلين إلى خارج الحدود وأعادتهم إلى الداخل الأوكراني.
وزعم الجيش الروسي أنه قتل أكثر من 70 "قومياً أوكرانياً" ودمر أربع مدرعات، بعد أن طوقت القوات الروسية مقاتلي العدو وهزمتهم بـ"غارات جوية ونيران مدفعية وتحركات ناشطة قامت بها الوحدات الحدودية"، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع، التي أضافت: "استبعد ما تبقى من قوميين إلى داخل الأراضي الأوكرانية، إذ بقوا يتعرضون لنيران المدفعيات إلى أن صفوا بالكامل". ولم يصدر أي تأكيد مستقل بشأن هذه الخسائر، لكن تضخيم أرقام من هذا القبيل قد يفيد مصلحة موسكو في تصويرها لهجمات تقمعها على وجه السرعة.
"تواجه روسيا خطراً أمنياً متزايداً ومتعدد المجالات في مناطقها الحدودية، مع خسارتها لطائرات قتالية، وتعرض سككها الحديدية لهجمات بالعبوات الناسفة، وتعرضها أخيراً لعمليات حربية مباشرة". إن هذا ما أعلنته وزارة الدفاع البريطانية في موجزها الاستخباري صباح أول من أمس الثلاثاء، مضيفة أن "روسيا ستستغل حتماً حوادث من هذا النوع لدعم الرواية الرسمية التي تفيد بأنها الضحية في الحرب".
لكن الجانب الآخر من الميدالية هو أن روسيا كرست وقتاً لتعزيز دفاعاتها في المنطقة التي تسيطر عليها في أوكرانيا وفي مناطقها الحدودية. وإن أثبتت هجمات كهذه عبر الحدود نجاحها، ولو لمرة، فستشكل مصدر إحراج. ومن جهتهم، سارع أصحاب المدونات المؤيدون للحرب في تسليط الضوء على مسائل من هذا القبيل، وأعلن "معهد دراسة الحرب" ISW، وهو مركز أبحاث يرصد مستجدات الاحتلال وردود الفعل في روسيا، أنهم [أي الروس] "أظهروا في ردهم مستويات متفاوتة نسبياً من القلق والتوتر والغضب" حيال الهجوم، من دون أن يرسوا رحالهم على رواية واحدة، وهي غياب سيطرة من النوع الذي يكرهه الكرملين.
على الأرجح، ستتكرر عمليات التوغل الحدودي من هذا القبيل. وإن بقيت محاطة بغموض، فستتناسب تماماً مع حاجات أوكرانيا - أما روسيا، فسترى فيها حتماً تهديداً لمصالحها.
© The Independent