ملخص
وزير الصناعة الأسبق يصدر تعميماً يطالب فيه بمنع قبول أي طلب استقالة لا يحقق شرطي العمر وعدد سنوات الخدمة
تبدلت المطالب والهدف واحد... تأمين لقمة العيش.
فقد تحول مطلب الحصول على وظيفة في الدوائر العامة والمنشآت الحكومية في سوريا من كونه حلماً صعب المنال لطالبي العمل من مختلف الاختصاصات قبل الحرب، إلى مطلبٍ بـ "الزيادة" أو ترك الوظيفة و"الاستقالة" بعدما أخذت القدرة الشرائية للمواطنين بالتراجع على حساب ارتفاع متزايد وغير مسبوق للأسعار في الأسواق، في حين تشهد لوائح التسعير في المتاجر تغييراً مستمراً لأثمان المنتجات والبضائع صعوداً بينما الراتب ثابت لا يستطيع اللحاق بـ"غول الغلاء"، بحسب الشارع السوري.
ضآلة الأجور
وتتراجع معدلات الرواتب في الوظائف العامة مع هبوط عملة البلاد على وقع التضخم الحاصل، ويبلغ متوسط الراتب ما يقارب 150 ألف ليرة أي ما يعادل 17 دولاراً أميركياً بحسب سعر صرف السوق الموازية غير الرسمية. هذا الأمر يشوبه كثيرٌ من التوجس لدى الموظفين العموميين. وفي هذا الشأن، وتقول موظفة حكومية وأم لطفلين "المرتب يكفي وجبة غذاء لأسرة"، وبناء عليه تؤكد أنه لن يكون أمام الموظفين سوى التفتيش عن أعمال أخرى إضافية، أو خيار ترك العمل.
بدوره، طالب رئيس اتحاد العمال في سوريا، جمال القادري بتعديل نظام الأجور التي "لا تكفي يوماً واحداً"، داعياً إلى تعديل القانون 50 النافذ بسبب عجزه عن مواكبة تطورات سوق العمل.
وكان القادري كشف عن خطة لرفع الأجور والرواتب وفق آليات جديدة بحيث يستفيد من الأرباح المحققة في المنشأة التي يعمل بها، وسط توقعات بزيادة قريبة باتت ملحة لسد العجز الحاصل لأصحاب الدخل المحدود. وكشف عن اختلالات بنيوية كبيرة على اعتبار أن هناك نقصاً في العمالة الفتية المؤهلة علمياً في مختلف الاختصاصات.
ويستبعد خبراء الاقتصاد أن تكون زيادة الراتب توازي النفقات التي يتكبدها المواطنون من غلاء وتضخم، مهما بلغت، حتى وإن وصلت إلى مستويات 100 في المئة. فقد جرت العادة ألا تتخطى نسبة الزيادات على الراتب الـ 50 في المئة في أغلب الأحيان. ويشدد الباحث الاقتصادي، رضوان مبيض، على أهمية ضبط الأسواق وتشديد الرقابة التموينية وإنهاء حالة الفوضى الحاصلة بالأسواق، بالتوازي مع رفع الرواتب إلى مستويات يكون فيها الموظف قادراً على إعالة عائلته والإنفاق عليها.
وتابع "مكمن الإشكالية التي تلحق الأذى بسلم الرواتب في المؤسسات العامة يتمثل بالهبوط المستمر لعملة البلاد، وتسعير البضائع والمنتجات والمواد الأولية بسعر الصرف غير الرسمي بالسوق الموازية، والذي وصل لمستوى تسعة آلاف ليرة مقابل الدولار في السنوات الماضية، بينما الراتب لا يرتفع بالشكل الذي يوازي هذا الارتفاع ولهذا حدثت تلك الفجوة في اقتصاد بلد عاش الحرب والحصار لأكثر من عقد، والمطلوب تحسين الإنتاج وتوفير فرص استثمارية والاهتمام برؤوس الأموال ودعمها، وإلا سنبقى ندور بالدوامة ذاتها".
ويؤكد الباحث الاقتصادي أن الموظف الحكومي هو أكثر المتضررين من هذا الانخفاض والتدهور الاقتصادي والمعيشي، إذ تسارع الشركات الخاصة بين الحين والآخر إلى زيادة معاشات موظفيها وعمالها بشكل يتناسب مع الواقع المعيشي ومتطلباته، حتى أن الحرفيين والعمال العاديين يحاولون مجاراة ما يحدث بزيادة أجورهم إلى حدود تمكنهم من تأمين سبل العيش بالحد الأدنى.
استقالات بالجملة
في المقابل، تشهد إدارات المؤسسات العامة حالات متزايدة من الاستقالات وترك العمل، أو طلبات التقاعد المبكر. ولعل البحث عن فرص عمل جديدة في القطاع الخاص أو أي عمل بديل قد يسد جزءاً من الاحتياجات المعيشية اليومية، الأمر الذي دفع بإصدار تعميم من قبل وزير الصناعة الأسبق زياد صباغ، طالب فيه بمنع قبول أي طلب استقالة لا يحقق شرطي العمر وحدده بـ 55 سنة وعدد سنوات خدمة 30 سنة، إلا في حالات نادرة، وما زال ساري المفعول وهدفه سدّ الطريق عن نزيف هجرة العمالة والكفاءات البشرية.
من جهته، يسعى الموظف الحكومي الذي اقترب من سن التقاعد، عبد الحميد البركات، إلى التقاعد المبكر، فالراتب لا يكفي لشراء قميص وبنطال أو أن يستقل سيارة أجرة للوصول إلى وظيفته البعيدة في حال تقطعت به سبل الوصول لمكان عمله عبر وسائط النقل الجماعي المزدحمة. ويقول "لولا المساعدة المالية التي يرسلها لي ولدي من الخارج لكنت من عداد الفقراء... مستورة. بعد التقاعد سأسافر إلى برلين حيث يعيش ابني، ويمكنني أن أعمل هناك في اختصاصي كمهندس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يحدث هذا وسط تفاقم الغلاء لمستويات قياسية فقد ارتفعت قبل أسبوع واحد، أسعار أسطوانات الغاز من 11 ألفاً إلى 16 ألف ليرة وكذلك الوقود، البنزين الأوكتان، ومع هذا الارتفاع يزداد الغلاء وسط غضب عارم يسري بين الناس.
في غضون ذلك، يزداد ثمن المنتجات بشكل شبه يومي ولا سيما الغذائية تحت ذريعة (الليرة مقابل العملات الأجنبية)، بينما كان متوسط الرواتب في هذه المؤسسات العامة قبل الحرب عام 2011 ما يناهز 500 دولار، وقتها كان سعر صرف الدولار 50 ليرة مقابل دولار واحد.
ويوصي برلمانيون عبر جلساتهم المتتالية مع الحكومة إلى تلبية نداءات العاملين ورفع أجورهم، لا سيما أن الحد الأدنى للأجور بلغ 92 ألف ليرة أي ما يعادل 10 دولارات شهرياً فقط، في حين تنادي أصوات شعبية بزيادة لا تقل عن مليون ليرة أي ما يعادل 110 دولارات.
في حين كشف عضو مجلس الشعب، محمود خير العكام في مايو (أيار) عام 2022، عن مقترح لتعديل الأجور والرواتب ومشروع قانون زيادة من دون أن يحدد نسبتها، وآخر زيادة عام 2021 لم تتخط الـ 30 في المئة.
مقابل هذا، تحاول الحكومة تحسين الواقع المعيشي لبلد يعيش أهله تحت خط الفقر، وعاش فترة حرب لـ 12 عاماً أنهكت مقدراته وقلصت إيراداته وخفضت احتياطي القطع الأجنبي. ويرى وزير المالية السوري، كنان ياغي، أنه من غير الممكن أن تكون موازنة عام 2023 قادرة على مجاراة معدلات التضخم المرتفعة، وفق تصريحات صحافية، علماً أن إجمالي العجز المقدر في الموازنة ازداد بنسبة 19.65 في المئة عن موازنة 2022، إذ تعادل قيمة موازنة العام الحالي ما يقارب 2.8 مليار دولار أميركي، وفق سعر الصرف في السوق الموازية.
نظام الحوافر قريباً
في غضون ذلك، يترقب الشارع السوري ولا سيما القطاع الاقتصادي تحسناً بعد الانفتاح العربي، عقب حصار دام طويلاً، فهناك آمال برفع قيمة الرواتب والأجور في القطاع، إلى جانب نيّة الحكومة ربط الرواتب بنظام الحوافز الإنتاجية، أي من يعمل أكثر يكسب أكثر.
وعلى رغم مضي أكثر من عام على إقرار هذا النظام ما زال غامضاً لدى الموظفين، ويحتاج إلى شرح أكثر عن طبيعة عمل الموظفين، ونظام عملهم الإضافي وطاقتهم الإنتاجية، بينما وزيرة التنمية الإدارية، سلام سفاف، أعلنت عن كون النظام الجديد سيرفع أفق الحوافز بهدف زيادة إنتاجية المؤسسات العامة.