Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تدق القنابل العنقودية إسفينا بين أميركا ودول "الناتو"؟

الانقسام مستبعد والغالبية تتفهم ضرورات استخدامها

تسعى الولايات المتحدة إلى تهدئة منتقديها في شأن قرار الرئيس الأميركي، الجمعة الماضي، إرسال ذخائر عنقودية إلى أوكرانيا (أ ف ب)

ملخص

قرار الولايات المتحدة تزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية يمكن أن يضعف الحجة ضد قيام دول أخرى بالمثل

مع موافقة الرئيس الأميركي جو بايدن على إرسال قنابل عنقودية لأوكرانيا تصاعدت الانتقادات من حلفاء واشنطن في دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتي وقعت غالبيتها على اتفاقية "أوسلو" التي تحظر إنتاج ونقل واستخدام هذه القنابل، ومع بدء قمة الحلف في ليتوانيا، يومي 11 و12 يوليو (تموز) الجاري، تهدد الانقسامات نجاح القمة، فهل خالفت واشنطن القانون الدولي؟ ولماذا غامرت بهذا القرار؟ وما تداعياته على صلابة وتماسك "الناتو"؟

أميركا في موقف الدفاع

ومع بدء اجتماعات قمة حلف "الناتو" في ليتوانيا، تسعى الولايات المتحدة لتهدئة منتقديها في شأن قرار الرئيس الأميركي، الجمعة الماضي، إرسال ذخائر عنقودية إلى أوكرانيا، حيث يلوح كثير من التساؤلات حول قراره المثير للجدل في شأن استخدام هذه القنابل التي تعرض حياة المدنيين للخطر، إذ لم يعد الأمر مسألة خلافية داخل الولايات المتحدة على اعتبار أن القرار يمثل تآكلاً للأرضية الأخلاقية لأميركا أو أنه يشير إلى أن الحرب لا تسير على ما يرام بالنسبة لأوكرانيا، بل يمتد إلى إحراج دول الحلف التي وقعت على اتفاقية "أوسلو"، عام 2008"، لحظر إنتاج وتخزين واستخدام الذخائر العنقودية.

وليس أدل على حجم الاستياء من رفض أهم الحلفاء الغربيين للولايات المتحدة تأييد قرارها، إذ قالت ألمانيا وفرنسا إنهما لن تحذوا حذو واشنطن، مشيرتين إلى معاهدة "أوسلو" التي وقعتا عليها والمعروفة باسم "اتفاقية الذخائر العنقودية"، كما أن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أوضح أن المملكة المتحدة كانت واحدة من 123 دولة وقعت على هذه الاتفاقية، وأنها لا تشجع على استخدام الذخائر التي لها سجل في قتل المدنيين، بينما قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إن كندا ستواصل الدعوة بقوة إلى عدم استخدام القنابل العنقودية، وأوضحت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبليس إن بلادها ترفض استخدام القنابل العنقودية، لكنها تدعم الدفاع المشروع عن أوكرانيا الذي لا ينبغي تنفيذه بالقنابل العنقودية.


عدم ارتياح منقوص

غير أن تصريحات عدم الارتياح التي ترددت، خلال الأيام الثلاثة الماضية، في شأن القرار الأميركي من دول "الناتو" لم تكن غاضبة أو انتقادية بشكل حاسم، بل كانت تشير إلى التزامها باتفاقية "أوسلو" أكثر من كونها تريد عرقلة الخطوة الأميركية، وبالنظر إلى فحوى التصريحات نتلمس صيغة عدم تفضيل حلفاء "الناتو" أن تكون الذخائر العنقودية في ساحة المعركة، لكنهم، في الوقت نفسه يدركون ضرورتها ورغبتهم في رؤية أوكرانيا تتقدم في القتال، ويلاحظون انخفاض معدل خطر هذه القنابل مقارنة بالنسخ الروسية والأوكرانية التي استخدمت في أوكرانيا أيضاً، ولهذا ليس من المتوقع أن تلقي هذه القضية بظلالها على الاجتماع لأن وحدة "الناتو" هي القضية الأساسية التي يريد الجميع إظهارها لتحدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتأكيد دعم أوكرانيا على رغم استبعاد قبول عضويتها في الحلف في الوقت الراهن.

وعلى سبيل المثال، اعتبر الأمين العام لـ"الناتو" ينس ستولتنبرغ أن الحلف العسكري ليس لديه أي موقف رسمي في شأن الذخائر العنقودية، وأن على دول الحلف أن تتخذ قراراتها بشكل فردي في شأن تسليم الأسلحة والإمدادات العسكرية إلى أوكرانيا وليس "الناتو" كتحالف، كما قال الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير إنه يجب على بلاده منع الولايات المتحدة من إرسال قنابل عنقودية إلى أوكرانيا، بينما تدافع عن معارضتها لاستخدام السلاح المثير للجدل، في حين عبرت متحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية عن تفهم باريس لقرار الولايات المتحدة مساعدة أوكرانيا على ممارسة دفاعها عن النفس ضد روسيا.

لا انقسام

ولا تعتقد واشنطن أن قرار تزويد أوكرانيا بالذخائر العنقودية سيؤدي إلى انقسام بين الدول الأعضاء في "الناتو"، ولن تعقد جهود الحلفاء لإظهار الوحدة في قمة ليتوانيا، حيث رفض جيك سوليفان مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض فكرة أن قرار إرسال الذخائر العنقودية يخلق انقساماً مع أعضاء التحالف، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء البريطاني سوناك والرئيس بايدن كانا على الصفحة نفسها استراتيجياً في شأن أوكرانيا، ومتحدين أكثر من أي وقت مضى في هذا الصراع، مؤكداً أنه لن يكون هناك انقسام نتيجة هذا القرار على رغم أن عديداً من الحلفاء والموقعين على اتفاقية "أوسلو" في وضع لا يمكنهم فيه القول إنهم مع استخدام الذخائر العنقودية.

وقال سوليفان إن الولايات المتحدة لم تسمع أحداً يقول إن هذا القرار يلقي بظلال من الشك على التزامنا أو على وحدة التحالف أو يثير الشك في أن الولايات المتحدة تلعب دوراً حيوياً وإيجابياً كزعيمة لهذا التحالف.

وسائل إقناع

ومنذ انزعاج عديد من دول التحالف لقرار بايدن، أعلنت الإدارة الأميركية أنه عندما يجتمع قادة "الناتو" في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، الأسبوع المقبل، سيقدم بايدن عرضاً لخطة تسليم الذخائر العنقودية المثيرة للجدل إلى أوكرانيا في مواجهة سلسلة محتملة من التفاعلات المحرجة، ولهذا سيعمد إلى تقديم المبررات التي دفعته لاتخاذ هذا القرار بتوصية من وزارة الدفاع "البنتاغون" وكبار مستشاريه في البيت الأبيض، وكانت السبب في إنهاء تردده الذي استمر أسابيع.

ومن بين أبرز الأسباب أن أوكرانيا تعهدت خطياً عدم استخدام الذخائر العنقودية على الأراضي الروسية، وستستخدمها فقط على أراضيها وليس في المناطق المأهولة بالسكان، مما يقلل، إلى حد بعيد، الإصابات المدنية المحتملة حتى بعد انتهاء الحرب.

إصابات أقل

وعلى رغم أن قادة أميركيين سابقين تحركوا لوقف انتشار تلك الأسلحة المثيرة للجدل حينما أقروا قانون المخصصات الموحد، في عامي 2010 و2019، للحد من قدرة واشنطن على استخدام ونقل الذخائر العنقودية إذا لم يكن معدل عدم تفجيرها أقل من واحد في المئة، إلا أن كولين كال وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية أوضح أن بايدن له الحق في التنازل عن هذا المطلب لأسباب تتعلق بالأمن القومي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما لم يكشف كال عن أي من أنواع الذخائر الأحدث المخصصة لأوكرانيا، فقد أشار إلى أن معدل عدم انفجار هذه الذخائر يبلغ 2.35 في المئة أو أقل بحسب موقع "بريكينغ ديفنس" الأميركي، استناداً إلى خمسة اختبارات أجريت بين عامي 1998 و2020، وعلى رغم أن هذه النسبة يراها البعض لا تزال كبيرة، فإنها تقارن بشكل إيجابي مع معدل 30 في المئة من الذخائر العنقودية لحلف "الناتو" التي لم تنفجر في الحرب اليوغوسلافية في التسعينيات أو حتى بالمقارنة مع معدل القنابل العنقودية التي تستخدمها روسيا الآن على أهداف مدنية في أوكرانيا.

أسباب عسكرية

وجاء قرار بايدن، الذي يعد جزءاً من حزمة أسلحة جديدة بقيمة 800 مليون دولار، في وقت تطلق فيه أوكرانيا ما يقرب من 1000 طلقة مدفعية يومياً، ولا تزال الولايات المتحدة تحاول زيادة إنتاج تلك الطلقات التي ستستغرق وقتاً بينما تحتاج أوكرانيا إلى جسر من الإمدادات حتى لا تترك من دون حماية في أي وقت من الصراع، وفقاً لما أعلنه سوليفان في البيت الأبيض، ولهذا، فإن الذخائر العنقودية التي ستطلق من مدفعية من عيار 155 مليمتراً يمكن أن تساعد في تخفيف النقص في المدفعية، مع توفير طريقة فعالة للهجوم على التشكيلات الروسية الأكبر، ويعتقد الأميركيون أنه سيكون لها تأثير مادي جيد، إذ عندما استخدمها الأميركيون على القوات العراقية، عام 1991، وصف القادة العراقيون هذه القنابل بأنها مطر فولاذي.

ووفقاً للعميد بات رايدر المتحدث الصحافي لـ"البنتاغون"، فإن الذخائر العنقودية تجلب إلى ساحة المعركة قدرات مضادة للدروع والأفراد معاً، إذ يمكن أن تحمل الذخائر إما شحنات تخترق الدروع أو ذخائر مجزأة مضادة للأفراد.

أسباب قانونية

ولا تعد القنابل العنقودية في حد ذاتها غير قانونية، ولكن استخدامها يمكن أن يكون كذلك وفقاً لما يقوله روبرت غولدمان أستاذ قانون الحرب في "الجامعة الأميركية" في واشنطن، وعلى رغم أن اتفاقية "أوسلو" أصبحت اعتباراً من عام 2023، ملزمة قانوناً للدول الموقعة البالغ عددها 123 دولة، فإن أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة ليست من بينها، ولهذا لا يمكن إرغامها أو أي من البلدان الأخرى التي لم توقع بعد على الاتفاقية، على الانضمام إلى الحظر.

وعلى هذا النحو، لا يوجد سبب قانوني يمنع أوكرانيا أو روسيا من نشر قنابل عنقودية في الصراع الحالي كما فعل كلاهما منذ فبراير (شباط) 2022، ولا يوجد أي سبب قانوني لعدم تمكن إدارة بايدن من بيع الذخائر لأوكرانيا.

اتفاقية "جنيف"

ومع ذلك، هناك قوانين تحدد متى يمكن استخدام القنابل العنقودية، ومتى ينبغي عدم استخدامها، ففي البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 لاتفاقيات "جنيف" ذات الصلة بالقانون الإنساني الدولي الذي صدقت عليه كل من أوكرانيا وروسيا، يحدد البروتوكول الإضافي القواعد التي يجب على الأطراف المتحاربة مراعاتها للحد من الضرر الذي يلحق بالمدنيين، إذ تحظر المادة 51 من البروتوكول الهجمات العشوائية التي تستخدم سلاحاً لا يمكن توجيهه إلى هدف عسكري محدد أو لضرب أهداف عسكرية ومدنية من دون تمييز.

وفي الوقت نفسه تشدد المادة 57 من البروتوكول الإضافي على أن من واجب الجيوش المهاجمة الحرص على تجنب السكان المدنيين، وهذا يشمل اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة في اختيار وسائل وطريقة الهجوم، ولا تحدد أي من المادتين السابقتين أي أسلحة تعتبر محظورة، ومن ثم فإن كيفية استخدام الأسلحة هي التي تحدد ما إذا كان الهجوم يشكل هجوماً عشوائياً، بالتالي جريمة بموجب القانون الدولي.

الالتزام والمسؤولية

وكانت الذخائر العنقودية جزءاً من ترسانات الدول منذ الحرب العالمية الثانية، حيث استخدمت من خلال المدفعية أو الطائرات، واستخدمتها الولايات المتحدة في لاوس وفيتنام خلال حرب فيتنام، وإسرائيل في جنوب لبنان، والولايات المتحدة والمملكة المتحدة في العراق، وروسيا في الحرب الأهلية السورية المستمرة، والآن يتم نشرها في أوكرانيا، وفي كل مرة تظل دائماً الأسئلة مثارة حول كيفية استخدامها، فإذا تم نشرها بمسؤولية، يمكن أن تكون أداة عسكرية فعالة، لأنها يمكن أن تنشر مئات من القنابل الصغيرة عبر منطقة واسعة، ويمكن أن تصبح سلاحاً قوياً ضد تجمعات قوات العدو وأسلحتها في ساحة المعركة.

وعلى سبيل المثال، قالت مذكرة لوزارة الدفاع الأميركية، عام 2017، إن الذخائر العنقودية توفر القدرة اللازمة عند مواجهة تشكيل حاشد لقوات العدو، أو أهداف فردية منتشرة على منطقة محددة، أو أهداف غير معروف موقعها الدقيق، وفي 22 يونيو (حزيران) 2023، خلصت وزارة إلى أن القنابل العنقودية ستكون مفيدة إذا تم نشرها ضد المواقع الروسية المتمركزة داخل الخنادق في أوكرانيا، وجادل خبراء في "البنتاغون" بأنه، في بعض الظروف المحدودة، يمكن أن تكون القنابل العنقودية أقل تدميراً للمدنيين، وأشاروا إلى أن الولايات المتحدة استخدمت القنابل العنقودية كبديل عن القنابل الأكثر قوة، لتعطيل خطوط النقل ومواقع العدو مع تقليل أخطار تدمير السدود القريبة، والتي كانت ستغرق حقول الرز وتسبب معاناة واسعة النطاق للقرويين.

أخطار مستقبلية

ومن المؤكد، بحسب الخبراء القانونيين، أنه سيكون هناك خطر قانوني ضئيل جداً بموجب القانون الدولي يتمثل في تزويد أوكرانيا أو أي دولة أخرى بالقنابل العنقودية، حتى لو استخدمت أوكرانيا الذخيرة العنقودية بطريقة غير مشروعة، إذ لا توجد حالة تشير إلى العثور على دولة مسؤولة قانوناً عن توفير أسلحة لدولة أخرى تسيء استخدامها بشكل صارخ.

ومع ذلك، تحذر صحيفة "نيويورك تايمز" من أن قرار الولايات المتحدة تزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية يمكن أن يضعف الحجة ضد قيام دول أخرى بالمثل، وهذا بدوره يمكن أن يزيد من فرص نشر القنابل العنقودية بشكل غير قانوني.

المزيد من تحلیل