Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أي تغيير مرتقب في سياسة فرنسا الخارجية بعد الانتخابات النيابية؟

تصدر اليمين ينذر بتغيرات في المشهد ورهان وصوله إلى السلطة محكوم بالجولة الثانية... ومستشار لحزب التجمع الوطني: سنعيد التوازن إلى سياستنا ونحيي إرث ديغول

تؤشر احتمالات وصول اليمين المتطرف إلى السلطة إلى حدوث تغييرات في سياسة فرنسا الخارجية (أ ف ب)

ملخص

على رغم أن السياسة الخارجية في فرنسا تبقى أحد أبرز اختصاصات الرئيس وفقاً لنصوص دستور الجمهورية الخامسة، فإن احتمال تشكيل اليمين المتطرف حكومة بقيادة حزب التجمع الوطني يبقى من شأنه أن يثير كثيراً من القلق حول سيناريوهات التصادم مع الرئيس، وذلك في ضوء ما يمنحه الدستور من اختصاصات لرئيس الوزراء لا سيما أنه سيكون مسؤولاً عن الدفاع الوطني، و"إدارة سياسة الأمة"، ويكون "تحت تصرفه الخدمة المدنية والقوات المسلحة".

بات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام "مفترق طرق"، بعد أن خسر رهانه على تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة لـ"تصحيح المسار" إبان نتائج الانتخابات الأوروبية، إذ عُد تحقيق حزب التجمع الوطني المنتمي إلى اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبن مكاسب تاريخية، واقترابه للمرة الأولى من الحكم في ظل الجمهورية الخامسة، انتكاسة كبيرة لماكرون قد تجبره على إعادة بناء صورته ومصيره السياسي لما تبقى من ولايته الرئاسية.

وأمام صورة سياسية مغايرة في المشهد الفرنسي يترقب كثير من المراقبين والمتابعين حجم التغيير الذي قد تعكسه نتائج الانتخابات الحالية واحتمالات حسم اليمين المتطرف المناهض للهجرة والمشكك في جدوى عضوية الاتحاد الأوروبي صدارتها، على سياسة باريس الخارجية، وذلك على رغم أن النتيجة النهائية ستعتمد على تحالفات الأيام التي تسبق الجولة الثانية من الانتخابات المرتقبة الأسبوع المقبل، لكن تؤشر احتمالات وصول اليمين المتطرف إلى السلطة إلى حدوث تغييرات في سياسة فرنسا الخارجية، لا سيما في ملفات الحرب الروسية - الأوكرانية، والحرب في قطاع غزة، فضلاً عن علاقتها مع دول جنوب المتوسط ولا سيما الجزائر.

ووفقاً للنتائج الرسمية التي أعلنتها السلطات الفرنسية للجولة الأولى من الانتخابات التشريعية فقد حصل حزب التجمع الوطني وحلفاؤه على 33 في المئة من الأصوات، وجاء تحالف اليسار (الجبهة الشعبية الجديدة) في المركز الثاني بحصوله على 28 في المئة، فيما حل معسكر الرئيس ماكرون وتحالفه الوسطي "معاً من أجل الجمهورية"، ثالثاً بحصوله على 20 في المئة، في هذا الاقتراع الذي شهد مشاركة كثيفة من الفرنسيين.

رفض ثنائي لـ"أوروبا" ومعاداة الروس

بحسب تتبع "اندبندنت عربية" تصريحات ومواقف قيادات حزب التجمع الوطني، ترتكز رؤيتهم بصورة رئيسة على أن فرنسا دولة ذات سيادة "ترفض طغيان الهيمنة الأميركية والقوة فوق الوطنية للاتحاد الأوروبي، وانطلاقاً من هذا يجب أن تستعيد باريس حقها الوطني في اتخاذ خيارات مستقلة في ما يتعلق بالحلفاء والشركاء، بما في ذلك روسيا".

فعلى الصعيد الأوروبي يعارض اليمين المتطرف الفرنسي أفكار تعزيز التكامل مع الاتحاد، وحتى احتمالات توسيع التكتل وجهود الرئيس الفرنسي لتنظيم الدفاع الأوروبي ودعم باريس كمزود أمني للأوروبيين في حال انسحاب الولايات المتحدة من أوروبا، تبقى نقاط اختلاف متوقعة بين ماكرون وأي رئيس وزراء يميني، وفق ما يقول مراقبون.

وخلال الأسابيع الأخيرة عكست تصريحات بعض من قيادات اليمين المتطرف ذلك التوجه، فعلى سبيل المثال أظهر جوردان بارديلا (28 سنة) وهو المرشح المرجح لمنصب رئيس الوزراء، حال وصول اليمين المتطرف إلى السلطة، في مناسبات متعددة عدم اهتمامه بالحياة البرلمانية الأوروبية وبالعمل الداخلي للاتحاد الأوروبي. على رغم النتائج الجيدة التي حققها حزب التجمع الوطني في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، فإن نجاحه في الداخل لم يترجم إلى الصعيد الأوروبي، ليصبح قوة سياسية مهمة في البرلمان الأوروبي.

 

ومن أوروبا إلى روسيا تبقى الحرب الروسية - الأوكرانية والدعم الفرنسي لكييف من بين القضايا الأكثر خلافاً بين معسكر الرئيس ماكرون واليمين المتطرف، إذ تبقى مارين لوبن، زعيمة حزب التجمع الوطني أحد الأصوات المؤيدة للكرملين والمعادية لحلف شمال الأطلسي على رغم محاولات اليمين في الفترة الأخيرة التخلي بهدوء عن عديد من مواقفه المتطرفة في شأن ترك القيادة المتكاملة لحلف شمال الأطلسي وتعزيز العلاقات مع روسيا.

وبحسب صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية فإن الحرب في أوكرانيا ستكون الموضوع الأكثر حساسية في أي تعايش محتمل بين الرئيس ماكرون ورئيس وزراء يميني متطرف، مشيرة إلى أن مع احتمالات وصول جوردان بارديلا، الذي لا يملك أي خبرة في الحكم، قد يستخدم صلاحيات رئيس الوزراء لمنع ماكرون من الاستمرار في تزويد أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى للحرب مع روسيا، ولدى حزبه علاقات تاريخية مع روسيا.

وكان لافتاً أخيراً حذف حزب التجمع الوطني المتطرف من الموقع الإلكتروني للحزب بياناً سابقاً يتضمن فقرات تدعو إلى علاقات دبلوماسية أقوى مع روسيا، وإنهاء التعاون العسكري مع ألمانيا، والانسحاب من هيكل القيادة المتكاملة لحلف شمال الأطلسي. فضلاً عن تخفيف بارديلا حدة مواقف حزبه قبل أيام فقط من انطلاق الانتخابات التشريعية، إذ أعلن، خلال مناظرة تلفزيونية قبل أيام قليلة مع رئيس الوزراء الحالي غابريال أتال ومرشح اليسار أوليفييه فور، أنه سيؤيد الدعم العسكري لأوكرانيا، وهو تطور عن موقف الحزب السابق، ولكن على النقيض من ماكرون، فإنه سيعارض توريد الصواريخ البعيدة المدى وإرسال قوات إلى أوكرانيا. الذي قدمه على أنه "خط أحمر". وأوضح بارديلا قائلاً "موقفي من هذا النزاع بسيط جداً لم يتغير أبداً. إنه موقف دعم أوكرانيا وتجنب تصعيد مع روسيا"، معتبراً ذلك خطوة تعرض البلاد لأخطار تصعيد ضد قوة نووية كما هي الحال في روسيا.

"حرب غزة" وشمال أفريقيا

على مدى الحملات الانتخابية لمرشحي الكتل السياسية الرئيسة الثلاث في المشهد الانتخابي لم تغب حرب غزة عن الصورة، وباتت مسار تجاوب بين كل من كتلة اليمين المتطرف وتحالف اليسار ومعسكر الوسط التابع لماكرون.

وعلى عكس مواقفه القديمة، انتهج اليمين المتطرف موقفاً مؤيداً بقوة لإسرائيل، واتهم اليسار المتطرف بكراهية اليهود بسبب دعمه القضية الفلسطينية، في مؤشر فسره مراقبون "محاولة لتخليص نفسه من وصمة معاداة السامية المتجذرة في تاريخ الحزب".

وكانت أبرز تصريحات قادة اليمين المتطرف في هذا الاتجاه ما أعلنته في أكثر من مناسبة مارين لوبن أن لإسرائيل الحق الكامل في الدفاع عن نفسها، منددة بما تصفه "التطرف الإسلامي" الذي أصبح ظاهرة عالمية، على حد وصفها. كذلك أكد جوردان بارديلا، خلال دعايته الانتخابية ضرورة طرد "جميع المجرمين والمشتبه فيهم" من فرنسا، ويأتي من ضمن هؤلاء "الإسلاميون" الذين يشكلون خطورة على المواطنين الفرنسيين، كما عد حل الدولتين حسب وجهة النظر الفرنسية أمراً ضرورياً، رافضاً في الوقت نفسه أن تعترف فرنسا بالدولة الفلسطينية في الوقت الحالي لأن هذا "سيعد اعترافاً ومنحاً للشرعية لـ’حماس‘"، وفق ما نقلت قناة "بي أف أم" الفرنسية.

 

وتختلف رؤية اليمين المتطرف قليلاً عن رؤية الرئيس ماكرون وحزبه "النهضة" الذي بات يؤمن بأهمية "الحاجة الملحة إلى وقف إطلاق النار في غزة"، إلا أنهما يشتركان في توقيت الاعتراف بالدولة الفلسطينية، التي قال عنها الرئيس الفرنسي، في مقابلة على قناتي "تي أف 1" و"فرانس 2" في السادس من يونيو (حزيران) الماضي، إنها خطوة "ليست منطقية في الوقت الحالي".

ومن غزة إلى شمال أفريقيا تنتظر العلاقات الفرنسية - الجزائرية المتوترة أصلاً في عهد الرئيس ماكرون مزيداً من التعقيدات، على وقع احتمالات وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في باريس. وتقول مجلة "جون أفريك"، المتخصصة في الشؤون الأفريقية، في تحليل لها قبل أيام، إن فوز حزب التجمع الوطني، واحتمالات تعيين بارديلا رئيساً للوزراء، لن يؤديا إلا إلى "تبعات ثقيلة" على العلاقات الثنائية بين باريس والجزائر، مشيرة إلى احتمالات أن يعيد اليمين المتطرف اتفاق 1968 على الطاولة من جديد، وهو اتفاق ينظم شؤون الهجرة والعمل والتنقل بين البلدين.

وغداة فوزه في الانتخابات الأوروبية أوائل الشهر الماضي، أعلن المتحدث باسم حزب التجمع الوطني سيباستيان تشينو، عزم حزبه على إلغاء الاتفاقية الفرنسية - الجزائرية التي أبرمت في ديسمبر (كانون الأول) عام 1968 في شأن الهجرة، والتي صممت لتسهيل الهجرة الاقتصادية ومعالجة نقص العمالة في فرنسا في الستينيات، ونصت على حرية تنقل المواطنين الجزائريين بين البلدين.

معضلة الوصول إلى السلطة أولاً

مع عدم إنكار "النجاح غير المسبوق" الذي حققه اليمين المتطرف في الجولة الأولى وتأثيراته في المشهد في البلاد، يجادل المراقبون ممن تحدثوا من باريس لـ"اندبندنت عربية"، في فكرة استباق المخاوف لوصول اليمين المتطرف إلى السلطة، على ضوء عدم حسم المعركة الانتخابية "المعقدة" في فرنسا إلى الآن، والتي تنتظر نتائجها النهائية تحالفات الأيام التي تسبق الجولة الثانية من الانتخابات المرتقبة الأسبوع المقبل، وهي مناورة كثيراً ما أبعدت اليمين من الوصول إلى السلطة.

يقول الكاتب والمحلل السياسي نزار الجليدي في حديثه معنا "لم يحسم الفرنسيون بعد أمرهم في من سيحكم، ولا يمكن القول إن اليمين المتطرف قد ضمن الغالبية النيابية المطلقة بعد، إذ تؤشر النتائج الأولية إلى دخول البلاد على عملية معقدة منتظرة من التحالفات الحزبية قد تمكن اليمين المتطرف من القدرة على البقاء ضمنها". موضحاً "على رغم تقدم اليمين المتطرف في الجولة الأولى من الانتخابات وتشتت الأصوات بين الأحزاب الوسطية واليسارية، فإن رد فعل الناخبين في الدورة الثانية قد يكون حاسماً في كسر شوكة اليمين، إذ إن غالب الفرنسيين وسطيون وإن منحوا اليمين مركزاً متقدماً في الانتخابات".

وبحسب الجليدي فإن "نتائج انتخابات الدورة الأولى يمكن قراءتها بصورة رئيسة على أنها كانت عقاباً للماكرونية (نسبة إلى الرئيس ماكرون) وسياساتها الداخلية والخارجية، وبخاصة في الملف الأوكراني، إذ تماهى ماكرون مع السياسة الأميركية وأثقل المواطن الفرنسي بالأعباء المعيشية جراء دعم كييف"، معرباً عن اعتقاده أن "فرنسا لن تكون محكومة بكتلة حزبية قوية، بل ستكون محكومة بما يسمى التوازن المشلول، أي لن تكون هناك حكومة حزبية قوية بقدر ما ستكون حكومة تكنوقراط".

في الاتجاه ذاته يقول مستشار حزب التجمع الوطني الفرنسي إيلي حاتم إن "الحديث عن تغيير في السياسة الخارجية لفرنسا على وقع الانتخابات التشريعية الراهنة وتقدم اليمين المتطرف يتطلب أولاً وصول هذا اليمين إلى السلطة وقدرته على تشكيل الحكومة"، مضيفاً أن فرنسا "بصدد الدخول في مشكلة سياسية ودستورية معقدة على وقع الانتخابات الراهنة".

ويوضح حاتم خلال حديثه مع "اندبندنت عربية"، "أظهرت نتائج الدورة الأولى من الانتخابات تقارب نسب التصويت للكتل الثلاث الكبرى، إذ لم يحصل أي منها على غالبية مطلقة، وهو ما يعني انتظار نتائج الجولة الثانية وحساب سيناريوهات الحكم في ظل تركيبة نيابية متقاربة تصعب من مهام أي حزب لفرض أجندته السياسية"، مشدداً بالقول "على أساس النتائج المرجحة فلن يستطيع اليمين المتطرف وحزب التجمع الوطني أن يحكم".

وعلى ضوء نتائج الجولة الأولى من الانتخابات وانتظار الحسم في الجولة الثانية، رسمت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، سيناريوهين محتملين بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية الفرنسية، هما "الجمود أو التعايش"، موضحة أنه في حال وجود برلمان معلق من دون غالبية واضحة فسينقسم المجلس التشريعي بين الكتل الرئيسة الثلاث الحالية في السياسة الفرنسية (تجمع قوى اليمين، تحالف قوى اليسار، تيار الوسط الرئاسي)، ومثل هذا السيناريو من شأنه أن يؤدي إلى حال من الجمود المؤسسي، في ظل جمعية وطنية منقسمة ومتصارعة، إذ تتعزز كتل متعارضة".

أما السيناريو الثاني وفق "فورين بوليسي" فيتمثل في فوز حزب التجمع الوطني وحلفائه، إما بالغالبية المطلقة (نصف مقاعد البرلمان + 1) أو بغالبية قريبة منها، وفي تلك الحال لن يكون أمام ماكرون خيار سوى تعيين رئيس وزراء من الغالبية الجديدة المتطرفة. وبعد ذلك سيتم اقتراح تشكيل الحكومة رسمياً من قبل رئيس الوزراء للحصول على موافقة الرئيس، مما يؤدي إلى إجراء مفاوضات بين الاثنين، وعليه ستجد فرنسا نفسها في مواجهة "التعايش" الرابع للجمهورية الخامسة، وهو وضع يتم فيه تقاسم السلطة بين رئيس ورئيس وزراء من حزبين مختلفين.

 

وكان زعماء الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية وتحالف الوسط الذي ينتمي إليه ماكرون قد أوضحا رداً على نتائج الجولة الأولى أنهم سيسحبون مرشحيهم في المناطق التي يحظى فيها مرشح آخر بفرصة أفضل للتغلب على حزب التجمع الوطني في الجولة الثانية، مما يؤشر إلى مناورات سياسية ستشهدها الساحة الفرنسية في الأيام المقبلة.

تتألف الجمعية الوطنية (البرلمان) من 577 مقعداً، بما في ذلك 13 مقاطعة خارجية و11 دائرة انتخابية تمثل المغتربين الفرنسيين في الخارج، وللحصول على الغالبية المطلقة في البرلمان يحتاج الحزب إلى 289 صوتاً. ولم يشغل ائتلاف ماكرون سوى 250 مقعداً في البرلمان المنتهية ولايته وكان عليه حشد الدعم من الأحزاب الأخرى في كل مرة للتصديق على قانون.

وتستبعد الجولة الأولى في الانتخابات جميع المرشحين الذين فشلوا في الحصول على 12.5 في المئة من الأصوات، كما أن أي شخص يحصل على 50 في المئة من الأصوات بنسبة مشاركة لا تقل عن ربع الناخبين المحليين يفوز تلقائياً، ويحدث ذلك في عدد قليل من الدوائر الانتخابية.

أما الجولة الثانية فهي عبارة عن سلسلة من جولات الإعادة يخوضها اثنان أو ثلاثة أو أربعة مرشحين في بعض الأحيان، وقد ينسحب بعض المرشحين قبل السابع من يوليو (تموز) لإعطاء حليف فرصة أفضل تهدف إلى منع منافس من الفوز، على سبيل المثال اليمين المتطرف.

تغيير سريع أم تحول هادئ؟

على رغم أن السياسة الخارجية في فرنسا تبقى أحد أبرز اختصاصات الرئيس وفقاً لنصوص دستور الجمهورية الخامسة، فإن احتمال تشكيل اليمين المتطرف حكومة بقيادة حزب التجمع الوطني يبقى من شأنه أن يثير كثيراً من القلق حول سيناريوهات التصادم مع الرئيس، وذلك في ضوء ما يمنحه الدستور من اختصاصات لرئيس الوزراء لا سيما أنه سيكون مسؤولاً عن الدفاع الوطني، و"إدارة سياسة الأمة"، ويكون "تحت تصرفه الخدمة المدنية والقوات المسلحة".

وأمام هذا السيناريو تثار الأسئلة حول مدى سرعة التغيير الذي قد تشهده السياسة الخارجية الفرنسية مع احتمالات وصوله إلى السلطة، مما قلل منه إيلي حاتم، مستشار حزب التجمع الوطني في حديثه معنا، قائلاً إن "ملف السياسة الخارجية لن يكون من أولويات الحزب على المدى القصير"، إلا أنه عاد وأكد أن ما سيركز عليه الحزب سريعاً حال وصوله إلى السلطة هو استعادة "التوازن للسياسة الخارجية الفرنسية التقليدية التي كانت منتهجة في عهد الجنرال شارل ديغول (مؤسس الجمهورية الخامسة في البلاد عام 1958)".

ويوضح حاتم "خلال السنوات الأخيرة خسرت فرنسا دورها الخارجي إثر التماهي مع السياسة الأميركية التي مارست ضغوطاً على وجودها الخارجي، وأن الأمر يتطلب إعادة التوازن للسياسة الخارجية مرة أخرى وتأكيد عدم الانخراط في الصراعات سواء في أوكرانيا أو غزة أو غيرها، فضلاً عن إعادة أهمية الفرانكوفونية، التي يجب على الخارجية الفرنسية أن تعيد الاهتمام بها كما كان في عهد ديغول".

ويتابع حاتم "تغيير السياسة الخارجية لفرنسا سيكون بصورة رئيسة نحو إعادة التوازن لها من دون إحداث تحولات حادة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جانبه يرى الباحث والكاتب السياسي الفرنسي كارزان حميد في حديثه معنا "ما يمكن للتجمع الوطني بخاصة واليمين المتطرف تقديمه في السياسة الخارجية، هو ما تعكسه مواقف التحالف اليميني منذ سنوات تجاه القضايا الدولية"، موضحاً "على صعيد الحرب الروسية - الأوكرانية مثلاً فإن مارين لوبن، زعيمة اليمين معروفة سياسياً بميولها تجاه موسكو، وعدم توافقها مع الوضع الأوكراني، لكنها ركبت الموجة الدفاعية لتقديم مساعدات إنسانية وعسكرية لكييف، من دون أن تتجاوز حدود المسموح، وهي تأمل بأن يتم إعادة النظر في تلك المساعدات وبرمجتها وفق مصالحها السياسية والعسكرية حال وصولها إلى السلطة". مضيفاً "لا أعتقد أن يقبل التجمع الوطني بتقديم مساعدات عسكرية لكييف مجاناً، بل ستكون مشروطة مما قد يعزز الموقف الروسي في الحرب".

ويتابع حميد "على الصعيد الأوروبي أعتقد أن تتصاعد حدة الصدامات والتجاذبات السياسية بين فرنسا اليمينية ودول الاتحاد، مما قد يتكرر على صعيد حلف شمال الأطلسي"، ويضيف "على مستوى الشرق الأوسط تبقى هناك مخاوف من احتمالات تصاعد الخلافات السياسية والدبلوماسية مع عدد من الدول العربية لا سيما المغرب والجزائر على خلفية ملف ترحيل اللاجئين والمهاجرين، فضلاً عن تصاعد نبرة الإسلاموفوبيا في فرنسا".

وتاريخياً عرفت فرنسا في عهدها الحديث ثلاث فترات من التعايش بين رئيس وحكومة من توجهين مختلفين، ففي الفترة ما بين 2002-1997)) كان الاشتراكي ليونيل جوسبان رئيساً للوزراء في عهد الرئيس جاك شيراك، الذي ينتمي إلى يمين الوسط، وقبلها في الفترة ما بين (1995-1993) عمل رئيس وزراء يمين الوسط إدوارد بالادور مع الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران، خلال فترة ولايته الثانية، وكذلك في الفترة ما بين (1988-1986) كان جاك شيراك رئيساً للوزراء في عهد الرئيس فرانسوا ميتران.

وعلى رغم أن التعايش السابق بين الرئيس ورئيس الحكومة أدى إلى اختيار وزراء مقبولين من قبل كل من الرئيس ورئيس الوزراء، وبخاصة في مجال الدفاع والشؤون الخارجية، فإن حال حزب التجمع الوطني الراهنة واحتمالية تكرار التعايش أو "تقاسم السلطة" على مدى السنوات الثلاث المقبلة المتبقية من ولاية الرئيس ماكرون، تبدو مختلفة هذه المرة، وفق كثير من المراقبين.

المزيد من تحلیل