ملخص
كثيراً ما عايش لبنان منذ استقلاله خلال عام 1943 سلسلة خضات أمنية وحروباً عصفت باستقراره وأمن مواطنيه، وبخاصة في المنطقة الجنوبية منه التي عانى أهلها من الاحتلال الإسرائيلي وتجاوزات الميليشيات الفلسطينية واللبنانية.
منذ ستينيات القرن الماضي يعيش جنوب لبنان معاناة مستمرة لكثرة ما تعاقبت عليه القوى العسكرية التي أنهكته واستفردت به خدمة لمشاريع سياسية خارجية وخارجة عن إرادة الدولة المركزية. لناحية التعدد الطائفي، كأن لبنان كله هو "الجنوب الكبير" وأسوة بالتعثر المستمر لوطن "الرسالة" تحول ومنذ أكثر من نصف قرن الجنوب إلى صندوق بريد لرسائل خارجية ممهورة بدماء أبنائه على تعدد طوائفهم. ومنذ عام 1967 لم ينزل الجنوب عن الصليب فبعد "حرب النكسة" صادرت المقاومة الفلسطينية المسلحة أرضه وحولته إلى ما عرف بـ"فتح لاند". ولاحقاً تعاظمت النقمة الشعبية على هذا الوجود المسلح وما سببه من تدخلات سافرة بحق أبناء القرى والبلدات إضافة إلى الخسائر في الأرواح والممتلكات جراء "الكفاح المسلح". وحملت النقمة في طياتها صراعاً مستتراً بين الأهالي "الشيعة" والفصائل الفلسطينية "السنية". وصور رش الرز من قبل سكان بعض القرى الجنوبية على أرتال المصفحات في الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 لا تزال ماثلة في الذاكرة. حتى "الجيش الجنوبي" الذي رعته إسرائيل في "الشريط الحدودي" تحت ستار الدفاع عن القرى المسيحية المتاخمة للحدود، ضم المئات من أبناء القرى الشيعية إضافة إلى مسيحيين. وبعد اجتياح عام 1982 قاد "منسق الأنشطة الإسرائيلية في لبنان" أوري لوبراني التوجه الإسرائيلي بضرورة التعاون مع الشيعة لأن "الورقة المسيحية" خاسرة. ورهان لوبراني هذا بدا ضرباً من الأوهام إذ من المتعارف عليه أن "حزب الله" نشأ فعلياً مع "اجتياح 82". وصورة الجنوب المشتعل هذه الأيام هي في مرآة التعدد الطائفي على الصورة الآتية..
مزارع شبعا التي يستعملها "حزب الله" الشيعي ذريعة للإبقاء على سلاحه تعود ملكيتها للبنانيين من الطائفة السنية.
أهالي بلدة الغجر والذين يفضل معظمهم البقاء تحت "السيادة الإسرائيلية" هم من الطائفة العلوية.
ما يعرف بـ"القرى السبع" وراء الخط الأزرق والتي لا تزال ورقة المطالبة باستردادها مطوية، معظم أبنائها من الشيعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أبناء القرى المسيحية المتاخمة للحدود إذا ما خيروا بين "حزب الله" والجيش اللبناني لا يوجد أدنى شك بتعلقهم بالمؤسسة العسكرية الشرعية، وهم الذين اكتووا ومنذ الستينيات بنار إسرائيل من جهة ونار الميليشيات المسلحة على اختلاف ارتباطاتها الخارجية من جهة أخرى.
بالنسبة إلى الدروز الحادثة التي وقعت قبل ثلاثة أعوام تظهر المكنون، ففي صيف عام 2021 اعترض أهالي بلدة شويا في منطقة حاصبيا شاحنة تحمل منصة إطلاق صواريخ تابعة لـ"حزب الله" لدى مرورها ببلدتهم، وكادت الأمور تتفاقم لولا تدخل الجيش اللبناني. ومن أسباب اعتراض أبناء شويا الدروز رفضهم أن يستخدم "حزب الله" منازلهم "دروعاً" لتنفيذ ضربات ضد إسرائيل، مما يعرض حياتهم وممتلكاتهم للخطر.
ويتضح من هذه الوقائع أن كل "المقاومات" المسلحة لم تكن موضع إجماع وطني، لأنها ارتبطت بمشاريع خارجية والمحاولة الوحيدة لإضفاء مسحة وطنية على مقاومة متعددة الألوان السياسية أجهضها وبعنف مفرط "حزب الله". ففي الثمانينيات، حاولت "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" البقاء مسلحة في الجنوب فكان جزاؤها سلسلة اغتيالات نفذها الحزب خصوصاً ضد قيادات فكرية وميدانية في الحزب الشيوعي اللبناني. وبحكم التجربة وتوالي الأحداث من الواضح أن إيران لا تريد لأدواتها أي شريك في "المقاومة"، وهذا الاستئثار تمتد مخالبه إلى القرار الوطني الداخلي في غزة واليمن والعراق ولبنان.