ملخص
صدمة في الشارع السوري من انهيار الليرة وخبراء يردون الأمر إلى مضاربي العملة وضعف الإنتاج.
يحبس الشارع السوري أنفاسه إثر تراجع غير مسبوق في سعر صرف عملة بلاده أمام العملة الأجنبية، في وقت تخطت الليرة السورية عتبة الـ 10 آلاف في مقابل الدولار الواحد ومواصلة انخفاضها إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، تاركة للناس العيش بمخاوف انهيار اقتصادي ومعيشي وهواجس مشهد ما ستؤول إليه الأسواق.
وسجلت الليرة تدهوراً في السوق الموازية أو ما يطلق عليها السوداء، بينما صعق الشارع السوري أثناء مراقبته تطبيقات إلكترونية مهمتها رصد حركة الليرة والعملة الأجنبية من هول تراجعها المتسارع، وهذه البرامج الإلكترونية يعتمد عليها كمقياس لدى الأوساط التجارية بهدف تسعير المنتجات والبضائع.
مآل مجهولة
ومنذ الإثنين الماضي أخذت حركة العملة السورية في التراجع على نحو غير مسبوق، إذ سجلت 9750 ليرة بحسب سعر الصرف غير الرسمي، متخطية عتبة الـ 10 آلاف للدولار الواحد.
وإزاء ذلك بدأت معظم المحال التجارية إغلاق أبوابها، وكذلك نسبة عالية من منافذ ومستودعات بيع البضائع بصنفيها المفرق والجملة تمهلت في البيع خشية عدم استقرار وانخفاض الصرف المفاجئ مع تراجع مستمر للعملة، مما خلق خلال اليومين الماضيين حال إرباك في عمليات التسعير الآخذة بمزيد من الهبوط بالتوازي مع ارتفاع سعر الذهب، إذ بلغ 534 ألف ليرة سورية (500 دولار أميركي).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويروي تاجر للمواد الإلكترونية عن مغبة ما يحدث وتأثيره في التعاملات بين التجار والموردين وحتى المستهلكين قائلاً، "نشرة الأسعار يطرأ عليها التعديل بشكل يومي أكثر من مرتين أو ثلاث مرات، وهذا أضفى كثيراً من الإرباك، فنحن نعيش حالاً من التخبط والأمل في أن يستقر سعر الصرف، وفي حال استمرار الوضع فسأكون مضطراً إلى وقف مشروعي والاتجاه إلى أعمال أسرع ربحاً".
ولعل التسعير المتكرر للمنتجات والمواد لم يكن يتبدل باليوم عدة مرات وحسب، بل أخذ كبار التجار بالتسعير على أساس 12 ألف ليرة للدولار الواحد، بينما قيمته في السوق 10 آلاف وفق ما شرحه لنا تاجر مواد غذائية قائلاً "هذا الأمر بات تقليداً بأن يرفع المورد والتجار فوق السعر الحقيقي تجنباً للتخبط الحاصل الذي يؤدي إلى انهيار إضافي مستقبلاً".
تراجع الأجور
وأفضت دراسة محلية إلى انخفاض قيمة الأجر الشهري في سوريا خلال ستة أشهر الماضية بنسبة 36 في المئة، وفق صحيفة محلية تصدر عن الحزب الشيوعي السوري "قاسيون"، وهي نسبة تقارب ما خسره راتب الموظف السوري بين عامي 2021 وبداية 2023، وهذا يعني أن الحد الأدنى للأجور تضاعف بنحو ست مرات منذ عام 2019، وفي بداية العام الحالي هبط إلى حدود 15.8 دولار، وانخفض مجدداً ليتأرجح عند حدود 9.8 دولار.
وفي المقابل يحدث هذا التراجع الشاسع والمفاجئ في سعر الصرف في السوق الموازية (غير الرسمية) ليتبعه تراجع في سعر الصرف الرسمي عبر نشرة أسعار البنك المركزي المسؤول عن رسم السياسة النقدية للبلاد، من دون أي تعليق أو توضيح لأي مسؤول اقتصادي لما يحدث، أو تفسير عبر بيانات قياسية تفسر عوامل أو أسباب هذا التدهور وسط انتقادات لانجرار سعر الصرف الرسمي وراء السوق السوداء في عمليات التسعير.
أسباب مجهولة
ويعزو الأكاديمي في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق علي محمد في حديثه إلى "اندبندنت عربية" التراجع الحاصل لأسباب عدة يرجح منها الاكتناز، مروراً بالتهريب وهو عنصر لا يمكن التغاضي عنه، أو تجارة العملات للمضاربين سواء كانوا من طبقة معينة أو يمتهنون المهنة أو تجاراً.
وقال علي، "قد يكون هناك طلب وهمي وغير حقيقي بغرض جمع أكبر قدر ممكن من القطع الأجنبية، لا سيما وأن المنطقة تعاني جفافاً في سوريا ولبنان والعراق وبعض الدول العربية الأخرى من العملة الأجنبية، في وقت يحاول البنك الفيدرالي التدخل في شأن سعر الفائدة وتحسين الدولار بنسبة اثنين في المئة".
وانتقد الأكاديمي الاقتصادي انجرار المصرف المركزي وراء السوق السوداء، نافياً وجود أية سلطة نقدية تحدد سعر الصرف بشكل يومي، ووفق رأيه فإن ما يحدث يتنافى والنظريات الاقتصادية، لا سيما أن البلاد مرت بأعياد دينية أخيراً، وخلالها زاد من تدفق الحوالات القادمة من المغتربين، ومن الطبيعي في هكذا حال حدوث استقرار بصرف العملة وتحسنها.
وبات هذا التراجع محط استغراب المراقبين الاقتصاديين، فأوضاع البلاد الاقتصادية حافظت على واقعها، إذ إن الصادرات على وضعها والمستوردات كما هي، بحسب تصريحات حكومية، في حدها الأدنى بقرابة 4 ملايين يورو، فيما التصدير 800 مليون دولار، علاوة على كون الإنتاج على حاله، وكل ذلك ليس بمبرر لما يحدث من انهيار.
علاقة متوقفة
وإزاء ذلك أثار الانخفاض الحاد لليرة موجة من الانتقادات حول تراجع الأحوال الاقتصادية على رغم التقارب الحاصل والمعلن بين دمشق والدول العربية وعودتها للجامعة.
وفي حين يستبعد مراقبون حدوث انفراج اقتصادي بالتوازي مع الانفراج السياسي الحاصل، أفادت بعض الآراء الاقتصادية أن من المتوقع أن تشهد مزيداً من الانهيار، وليس من الضروري ترافق الانفتاح مع تحسن اقتصادي ما لم يعقبه حركة تصدير ناتجة من الانتاج، أو الاعتماد على الدعم العربي لتجديد خطوط العمل أو جلب معامل ومصانع حديثة تغطي الحاجات المحلية وتلبي متطلبات الأسواق، ومطالبة الفريق الاقتصادي بالتحرك عربياً لمد جسور من التعاون التجاري، لا سيما في الجانب الصناعي وإعادة الإعمار.
وعلى نحو مألوف اعتاد السوريون هذا الانخفاض بخوف يصيب قدرتهم الشرائية، لا سيما انخفاض الأجور إلى مستوى لا تجاري مع التضخم الحاصل، ولعل مرد ذلك كله يتعلق ببقاء الأوضاع الاقتصادية على حالها منذ اندلاع الحرب، عدا عن خروج أجزاء من سوريا وبخاصة مناطق الشرق المليئة بغلال الغذاء والثروات الباطنية من نفط وغاز، والاعتماد على حلفاء دمشق باستيراد المشتقات النفطية والطاقة التي تحرك العملية الإنتاجية المتعثرة.