Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مجلس شورى الدولة يسقط "السرية" عن تقرير التدقيق الجنائي في لبنان

وزارة المالية كانت تتذرع بأن ما أعدته شركة "ألفاريز أند مارسال" غير نهائي

 التدقيق الجنائي كان أحد مطالب التحركات الشعبية التي انطلقت مع بداية الانهيار النقدي (أ ف ب)

ملخص

أسقط مجلس شورى الدولة في لبنان طابع السرية عن تقرير التدقيق الجنائي، وطالب باطلاع الرأي العام عليه بموجب قانون حق الوصول إلى المعلومات.

تزداد الضغوط على وزارة المال اللبنانية من أجل الكشف على "تقرير التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان"، وقد دخل القضاء الإداري معركة "العلنية"، داحضاً حجة "المساس بالأمن القومي المالي"، ومطالباً وزير المالية يوسف خليل بالإعلان عن مضمون التقرير الذي أنجزته "ألفاريز أند مارسال".

فبتاريخ 17 يوليو (تموز) الجاري أصدر القاضي رالف عيراني قراراً مستعجلاً، "أسقط صفة السرية عن التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، والذي تتولاه شركة "ألفاريز أند مارسال". بالتالي، ذهب القرار خلاف الاتجاه الذي تتمسك به وزارة المال لناحية الحفاظ على سرية التقرير، ومن ثم حجبه عن العامة تحت ذريعة عدم تعريض الأمن القومي المالي للخطر.

أكد القرار أن الحظر المنصوص عليه في المادة الخامسة من قانون حق الوصول إلى المعلومات، يجب أن يُفسر على نحوٍ ضيق، و"ألا يُترك للإدارة تحت ستار التفسير الواسع، الاستنساب في رفض طلبات الحق في الوصول إلى المعلومات".

كما رأى القرار أن "مفهوم الأمن القومي المالي" الذي تستند إليه الدولة لتبرير رفضها تسليم المعلومات أو المستندات هي عبارة جديدة أضافتها الدولة إلى القانون الذي خلا تماماً من أي ذكر لها. لا بل جاء القرار ليعتبر أنه "على العكس من ذلك تماماً أنّ رفض تسليم المعلومات المتعلقة بالمراحل التي وصل إليها التحقيق الجنائي، والنتائج التي توصل إليها هو الذي من شأنه أن يعرض الأمن القومي المالي للخطر، لما يمثله هذا التدقيق من أهمية لجميع اللبنانيين في ظل الوضع الاقتصادي والأزمة المالية التي أصابت البلاد برمّتها وأدّت إلى الانهيار المالي".

ذهب القرار أبعد من ذلك، إذ اعتبر من واجبات الدولة "إعلام المواطنين عن المراحل التي وصل إليها التحقيق الجنائي من تلقاء نفسها"، بما يتناسب مع الأسباب الموجبة لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات، والغاية المتوخاة منه. معتبراً أن حظر نشر وقائع التحقيقات القضائية لا ينطبق على وقائع التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مراجعة عاجلة

جاء هذا القرار نتيجة مراجعة تقدمت بها مؤسسة "المفكرة القانونية". كذلك كان رئيس حزب "الكتائب اللبنانية" النائب سامي الجميل تقدم بمراجعة، لإلزام وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل بتسليمه التقرير المبدئي للتدقيق الجنائي، الذي أنجزته شركة "ألفاريز أند مارسال" في حسابات وأنشطة مصرف لبنان. فألزم القاضي عيراني، في قرار صدر في 24 يوليو الجاري، وزارة المالية بتسليم الجميل التقرير المبدئي المتعلق بالتدقيق الجنائي لحسابات وأنشطة مصرف لبنان المعدّ من قبل شركة "ألفاريز أند مارسال"، وذلك بصورة فورية ومن دون إبطاء.

 وتشير المحامية غيدة فرنجية رئيسة قسم التقاضي في "المفكرة القانونية" إلى اعتماد قانون حق الوصول إلى المعلومات سنداً قانونياً للدعوى، مشددةً على أن "المحاسبة هي المدخل لأي إصلاح"، و"هذا يخالف ما يحاول البعض القيام به من خلال إعادة ترتيب الوضع القائم، وإقرار عفو عن كل الجرائم المالية التي أدت إلى الانهيار، والتي يكشفها التدقيق الجنائي".

تكشف فرنجية أنه "في فبراير (شباط) الماضي، تقدم الائتلاف (الائتلاف من أجل المحاسبة وعدم إفلات الجرائم المالية من العقاب) بطلب إلى وزارة المالية من أجل الكشف عن مصير التدقيق الجنائي، استناداً إلى حق الوصول للمعلومات"، وفي موازاة ذلك، تصاعدت أصوات بعض الأحزاب السياسية والنواب للمطالبة بالكشف عن التقرير الأولي لشركتي ألفاريز أند مارسال، فما كان من وزارة المال إلا أن رفضت الطلبات المختلفة تحت حجة السرية.

ترفض غيدة فرنجية "محاسبة نيات وزير المال"، ولكنها تضع سلوكه في دائرة الريبة، ومحاولة التكتم على نتائج أو أدلة على ارتكاب جرائم مالية. وتضيف "هذه المخاوف دفعتنا إلى الاتجاه نحو مجلس شورى الدولة، واعتماد نظام "الإجراءات المستعجلة"، موضحةً "وفق قانون حق الوصول إلى المعلومات عندما تتقدم بطلب، وتجابه بالرفض من الإدارة، لا بد من اللجوء إلى هيئة مكافحة الفساد. ولكن في ظل تعطيل الهيئة، وعدم مباشرتها العمل بسبب عدم المصادقة على نظامها، ولذلك يمكن اللجوء إلى إجراءات الأمور المستعجلة في القضاء الإداري".

تكشف فرنجية أن وزارة المال، لم تجب على مطالب الكشف عن التقرير بحجة السرية، ولكن ورد جواب من هيئة القضايا التي تذرعت بالأمن القومي المالي، وهو أمر لا ينص عليه القانون. وتلفت فرنجية إلى أن القرار الصادر بحق وزارة المالية، هو قرار نزاعي وليس رجائي، وبالتالي "ليس لوزارة المالية الحق في الاعتراض على قرار القاضي الإداري"، و"في حال التأخير في تطبيق القرار يمكن فرض غرامة مالية على الجهة المتنصلة، كما أن هناك إدانة للطرف أمام الرأي العام اللبناني".

من جهتها، ترفض أوساط وزارة المالية الإجابة عن سؤال حول "تبلغها القرار الذي يسقط السرية عن التدقيق الجنائي"، لأن "ملف التدقيق الجنائي يتعلق حصراً بوزير المالية الذي وقع بشخصه عقد التدقيق الجنائي"، لذلك هناك تحفظ للإدلاء بأي موقف بشأنه.

أهمية التدقيق الجنائي

يمتاز التدقيق الجنائي أنه أعمق بكثير من التدقيق المالي ويستمر لأشهر، أو لسنوات عدة، والهدف منه الوصول إلى اكتشاف العمليات غير الشرعية والغش والتزوير واختلاس الأموال العامة والتحويلات غير القانونية إلى خارج البلاد في حال حصولها. بحسب الخبير القانوني كريم ضاهر "يختلف التدقيق الجنائي عن التدقيق المحاسبي لأنه يربط بين أمرين: الخبرة في المحاسبة من ناحية، والخبرة في التحقيقات التي تتطلب معرفة بالقضايا التجارية والجرائم المالية"، مضيفاً "من يقوم بالتدقيق الجنائي يدخل إلى عمق الملفات ويفندها ويلاحقها، وصولاً إلى إدانة أشخاص من ناحية جزائية بسبب إظهار جرائم كالاختلاس والغش والرشوة والاعتداء على المال العام. فيما يدرس العمل المحاسبي مدى التوافق بين القيود والمعايير المفروضة في ظل القوانين المرعية الإجراء".

يوضح ضاهر القوة القانونية للتقرير الأولي للتدقيق الجنائي، فهو "لا يؤدي إلى إنزال عقاب مباشر بالجرائم، ولكنه يأتي في معرض ملفات قضائية، أو أن المعطيات تفتح الباب أمام مداعاة وملاحقة الأشخاص وصولاً إلى المحاكمة والإدانة والعقاب".   

يعد التدقيق الجنائي وسيلة هامة للكشف عن الفجوة المالية، وأسباب الانهيار، والخلل في تنظيم ميزانية في مصرف لبنان. وبدأ في أعقاب توقيع العقد بين وزير المالية يوسف خليل، وشركة ألفاريز أند مارسال، في 17 سبتمبر (أيلول) 2021، بعد تأخير طويل وسلسلة من العقبات التي اعترضت الاتفاق. حيث التزمت الشركة بحسب مندرجات العقد بالعمل كخبير استشاري مستقل، وأن تتميز تقاريرها بالموضوعية والحيادية، كذلك "تقديم تقرير التدقيق الجنائي المبدئي للحسابات" إلى وزارة المالية. كما يجب أن تكون الشركة متاحة لتقديم أي إيضاحات أو استفسارات، وبناء لطلب العميل.

تضمن العقد سلسلة من التعهدات لإنجاز المهمة المنصوص عليها في هذه الاتفاقية، بما فيها "الاطلاع على كافة البيانات المالية والوثائق والمعلومات ذات الصلة"، "الوصول إلى الموظفين الرئيسيين والإدارة، وأصحاب الشأن الإدارة العليا لدى مصرف لبنان"، "الحصول على الدعم من الجهات الراعية للمشروع للمساعدة في الاطلاع على المعلومات والحصول على الخدمات اللوجستية"، ناهيك إلى "توفير موارد مصرف لبنان المناسبة لفرق العمل في المشروع لتمكينهم من إتمام المهمة بنجاح".

حدد الاتفاق أتعاب إعداد التقرير المبدئي الخاصة بشركة ألفاريز أند مرسال بـ 2100000 دولار أميركي، تغطي فترة 10 أسابيع هي الفترة بين بدء العمل، وتقديم تقرير التدقيق الجنائي. كما ألزم الشركة بالحفاظ على سرية جميع المعلومات والوثائق غير العامة التي تُسلم من العميل أو مصرف لبنان، أو أي طرف آخر يتعلق بهذا التكليف.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي