Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الطبيعية ومكانتها في عائلة الأديان القديمة والحديثة

بعضها يدمج بين الروحانية والإله الخالق الأول ولا تتعارض الفكرتان دعماً لعيش البشر بسلام

من منظور دين الطبيعة فإن الأخلاق الإنسانية هي مجموعة فرعية من الأخلاق البيئية التي تتطلب الإيمان والصبر (أ ف ب)

ملخص

في محاولة لعيش البشر بسلام لا يجد أتباع الأديان الطبيعية حرجاً في دمجها مع الإله الخالق الأول... فما الفرق بينها وبين الأديان السماوية؟

يجد كثير من الباحثين عن معتقدات وإيمانات حديثة ومعاصرة أن العلاقة الروحانية بالطبيعة تستحق الاعتراف بها كشكل أساسي من أشكال الإيمان الديني في مختلف الأديان والفلسفات والثقافات التقليدية المتوارثة، تحديداً أن الطبيعة باتت تحتل مكانة خاصة اليوم من الاهتمام من خارج الأديان سواء في العلوم المتعلقة بالمناخ وتغييراته وتأثيره في بقاء كوكب الأرض صالحاً للعيش أو حول إمكان انقراض الجنس البشري كغيره من المخلوقات التي انقرضت ولأسباب كثيرة ربما يكون الإنسان نفسه أحد أسبابها.

وفي سبيل إحياء دور الطبيعة في خلق التوازن كمحاولة لعيش جميع المخلوقات على الكوكب نفسه، دأبت مجموعات دينية معاصرة على إدخال الطبيعة كقضية جوهرية في صلب معتقداتها وصلواتها وترانيمها.

وتنتشر مثل هذه الأديان الجديدة في دول كثيرة ويزداد عدد معتنقيها يوماً بعد يوم، وتدور أفكارهم حول الاعتراف والاقتناع بأن الطبيعة بجميع أشكالها ومظاهرها هي محور متناسب وضروري للالتزام الديني، وتتبنى فكرة أن الإنسان جزء من الطبيعة كأي مخلوق فيها وأنه بعمله يمكنه أن يلحق بها الضرر أو أن يحميها، فيلقى منها مقابل ما يعطيها ويحصد مقابل ما يغرس.

الطبيعة مصدر وموضع إيماني

وهذا يعني بحسب الدكتور دونالد كروسبي أستاذ الفلسفة في جامعة ولاية كولورادو وصاحب ثلاثة كتب في شرح الطبيعة هي "دين الطبيعة" و"العيش مع الغموض: الطبيعية الدينية وخطر الشر" و"أنت الطبيعة: الطبيعية الدينية وتقديس الحياة الواعية"، أن المصدر والموضع المناسبين لمثل هذا الإيمان يمكن اعتبارهما بحق الطبيعة نفسها من دون الظواهر الخارقة للطبيعة وكائنات غريبة ووحي ومصائر وما شابه ذلك، بل إن كل شيء يدور في الطبيعة أساساً ولا يوجد بالنسبة إلى هؤلاء المؤمنين ما يتجاوز أو ما هو تحت الطبيعة أو فوقها.

فمن الطبيعة يولد كل واحد منا، بحيث تحيط بنا هذه الطبيعة بجمال متجدد وسمو رائع لتمنحنا الفرح والإعجاب بما يمكنها منحنا إياه، وعلى رغم أن التأمل والصلاة لهما مكانة مهمة في نظرة وممارسات أديان الطبيعة إلا أنهما يركزان على الطبيعة كفضاء موجود لا ككائن شخصي نقدم له فروض العبادة.

قد تتضمن الصلوات امتناناً لروعة الطبيعة ومكاننا كبشر داخلها وشكرها على ما تمنحنا إياه من عطاء سخي على رغم كل السوء الذي نبادلها به ويمكن أن تكون هناك اعترافات أمام الطبيعة بالفشل في الارتقاء إلى مستوى المثل العليا لدين الطبيعة، ويتم التعبير عن هذا الفشل والاعتذار منه بواسطة الأدعية أو الترنيمات التي تتوجه للطبيعة كي تسامحنا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هناك فروع للأديان الطبيعية تستقي معظم معتقداتها من خليط الاستنتاج والتأكد وإثبات النتائج بالتجربة على طريقة العلوم، وتستقي بعض هذه الديانات أفكارها مما توصلت إليه آخر الأبحاث العلمية، فلدى هذا النوع من المؤمنين ليس هناك خلاف بين العلم وما يتوصل إليه والعاطفة الإيمانية تجاه الطبيعة.

بحسب البرفيسور كروسبي المدافع عن الإيمانات الجديدة والمعاصرة فإن الروحانيات ترتبط بكل ما يتعلق بجوهر الحياة لتفسير الجدوى من الوجود في الحياة، إذ ليس من الطبيعي أن نعتقد بأن وجودنا هو مجرد صدفة بيئية جيولوجية وبيولوجية، لذا يعتبر بحسب "دين الطبيعة" الشخص الذي لا يمتلك شعوراً روحانياً وكأنه يعيش على السطح، ويتعامل مع الأمور البسيطة أو مع ظواهر الحياة، وهذا ما قد يجعله شخصاً مادياً بحسب التعريف المتبع، وليس بالضرورة مادياً بمعنى البحث عن متع العيش بالمال والثراء والقدرة على امتلاك ما يشتهي، بل الاعتقاد بأن جدوى الحياة هي الامتلاك المادي والسعادة المادية كما شاع في العقود الأخيرة.

المؤمنون الطبيعانيون والمؤمنون بالخالق

الفرق بين "الطبيعانيين" والروحانيين المؤمنين بالخالق في الديانات السماوية مثل المسيحية واليهودية والإسلام يكمن في البراهين الحسية والمنطق والعقل والملاحظة لتحديد ما هو صحيح في شأن الوجود المحيط بنا والذي نتعرف إليه رويداً رويداً، فأتباع الديانات السماوية التوحيدية يؤمنون بالوحي والتواصل عبر مجموعة من العبادات المحددة وعلى رأسها الصلاة والصيام والدعاء، ولهؤلاء المؤمنين مراجع في كتب يعودون لها وهي كتبهم المقدسة والمنزلة من الإله الخالق، لذا فإن إيمانات وعقائد الأديان التوحيدية محددة ومنظمة وفقاً لإرادة قوة عظمى خلقت كل شيء.

وأصحاب الدين الطبيعي ينظرون في نتائج الخلق، بينما ينظر التوحيديون في أصل الخلق وجدواه، ولهذا قد يجد المسيحيون والمسلمون الأديان الطبيعانية الروحانية غير متوافقة مع معتقداتهم لولا الاشتراك في الدعوة إلى تكريس فضائل الخير والمحبة والأخلاق والقيم، وفي الواقع يمكن اعتبار كثير من الموحدين، روحانيين طبيعيين، والعكس صحيح.

وفي الديانات الوثنية أو الأرضية مثل البوذية والهندوسية وديانات الإغريق والمصريين القدماء، هناك خليط من الآلهة والأرواح تحمل أسماء ومصطلحات خارقة للطبيعة كأنها تجسيدات مجازية لقوى طبيعية بالكامل أو جوانب منها، عبر القوى المتصارعة بواسطة آلهة تحمل صفات الطبيعة، مثل آلهة المطر والرعد والفيضانات والكرم والحب والثمار.

من هذا المنطلق، يمكن اعتبار الديانات الوثنية متصلة بالطبيعة بشكل جذري، والطبيعة فيها ملخصة مجازياً في مجموعة من الآلهة، وهناك عدد من المعتقدات الإنسانية والأديان الوضعية مثل البوذية أو السماوية التوحيدية أو معتقدات أصحاب الفكر الحر والشك أو الملحدين واللاأدريين يمكن إدراجها في إطار الفكر الذي يدور حول الطبيعة والروحانية.

ومن منظور دين الطبيعة فإن الأخلاق الإنسانية هي مجموعة فرعية من الأخلاق البيئية التي يتم تصورها في سياق النظرة والالتزام الديني الذي يتطلب الإيمان والصبر.

وبرأي البرفيسور كروسبي فإنه لا يوجد إيمان ديني واحد مهما بدا مقنعاً أو قاطعاً، ويكفي لالتقاط النطاق الكامل لأسرار الحياة أو معاني وآفاق ومتطلبات الوجود البشري، كي نشكل ديناً واحداً لجميع البشر يقوم على أساس العلاقة بالطبيعة التي نحن جزء منها.

ويقول الباحث لويد غيرينغ في كتابه الأخير "من الانفجار العظيم إلى الله: رحلتنا المذهلة للتطور" إنه في تاريخ الأديان والثقافات لم يتم توثيق عبادة الطبيعة كنظام محدد للاعتقاد.

ويضيف "ربما يكون المثال لما يمكن تسميته عبادة الطبيعة الأكثر وضوحاً في الثقافات القديمة في تمثيل إله يقيم في السماء العليا وقد انسحب من إدارة التفاصيل المباشرة لحكم العالم والبشر، وفوض العمل على الأرض إلى ’أرواح الطبيعة‘ وهي قوى أو تجسيدات لقوى الطبيعة، وهي آلهة تتعامل في ما بينها كما البشر في ما بينهم وهناك القتال والصراع على النفوذ في ما بينها وكل إله منها يمثل ظاهرة من مظاهر الطبيعة".

وتوجد الآلهة العليا أيضاً في ديانات السكان الأصليين على الساحل الغربي لأفريقيا مثل ديولا غينيا، ولدى قبائل بدائية تعيش في الغابات الاستوائية الأفريقية والأميركية الجنوبية.

وبرأي البرفيسور كروسبي فإنه منذ العصور الأولى ساد الاعتقاد بأن السماء مقر إقامة قوة عليا مطلقة يمثلها إله بارز وحاكم على سائر الآلهة، وآلهة السماء هي في النهاية كائنات روحية ووجدت أيضاً في مجتمعات الصيد والزراعة والبداوة والتنقل والجمع، أي في المجتمعات المبكرة من التطور البشري، وباتت فكرة الإله الأول الذي خلق كل شيء والموجود في السماء العالية موجودة ومقبولة في جميع الثقافات والأديان والمعتقدات القديمة والحديثة أيضاً.

ومن بين الأديان الحديثة ما يدمج بين الروحانية الطبيعية والإله الخالق الأول، ولا تتعارض الفكرتان طالما أنه في النهاية تعملان على تكريس مجموعة من الأفكار والقواعد تسهم في عيش البشر بسلام في ما بينهم وفي ما يربطهم بالطبيعة والمخلوقات الأخرى الموجودة فيها، كما يردد مجددون دينيون في جميع الأديان القديمة والعصرية.

المزيد من منوعات