ملخص
نفور من الخدمة العسكرية في تونس يجر الآلاف إلى ملاحقات قضائية
أجبر نفور الشباب من أداء الخدمة العسكرية في تونس السلطات على تحريك دعاوى قضائية لدى الدوائر العسكرية ضد الفارين من هذه المهمة في خطوة تعيد إلى الأضواء الجدل حول أدائها وأسباب امتناع الشباب عنها، على رغم أن الجيش كسب ود التونسيين خلال الفترة الأخيرة لاعتبارات عدة أهمها إحجامه عن التدخل في السياسة.
وعلى رغم الأزمات السياسية التي كادت تعصف باستقرار تونس بعد ثورة 14 يناير (كانون الثاني) 2011 لم ينخرط الجيش في ذلك، لا سيما مع وجود دعوات من هنا وهناك إلى ضرورة تدخله، لكن تحركاته اقتصرت على مكافحة الإرهابيين الذين شنوا عمليات دامية.
وحسب مؤشر "غلوبال فاير باور" المتخصص في الشئون العسكرية الذي نشر في مارس (آذار) الماضي فإن الجيش التونسي احتل المرتبة التاسعة أفريقياً، وحافظ على المرتبة 73 عالمياً.
300 ألف قضية
ويعد أداء الخدمة العسكرية إلزامياً على كل شاب تونسي يبلغ من العمر 20 سنة، وتبلغ مدتها عاماً كاملاً يقوم خلاله الشاب بتعلم أساسيات الدفاع عن النفس والوطن ثم يصبح جندياً احتياطياً في الجيش حتى سن الـ 35.
وعلى رغم الإعلانات المتكررة لوزارة الدفاع في السنوات الأخيرة عن فتح باب التجنيد، غير أن قطاعات واسعة من الشباب تمتنع عن أدائها، ما قاد إلى تسجيل أرقام ضئيلة من المتطوعين لأداء هذا "الواجب الوطني".
وفي عام 2017، كشف وزير الدفاع آنذاك عبدالكريم الزبيدي أن 506 فقط من الشباب تقدموا لأداء الخدمة العسكرية من أصل أكثر من 31 ألف معني بها.
وقال العقيد في الجيش التونسي، محمد غويلة، إن "النسبة المنخفضة في التجنيد يقابلها عدد مرتفع في التتبعات القضائية ضد كل من يتخلف عن الواجب، إذ بلغ عدد القضايا أمام المحاكم العسكرية في هذا الشأن نحو 300 ألف قضية".
عوائق جوهرية
وتابع غويلة "تبعات مثل هذه القضايا من شأنها أن تمثل عائقاً أمام سفر الشاب أو حصوله على وظيفة أو ممارسة حياته بصفة طبيعية، وهو ما لا يرغب فيه أي من الأطراف المتداخلة"، مشيراً إلى أن "نسبة إقبال الشباب على التجنيد أصبحت ضعيفة على رغم ما تبذله الوزارة من جهود لاستقطاب المجندين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي السابق، كان هناك ما يشبه الدوريات التي يتم تسييرها من أجل إجبار الشباب المدعوين لأداء الخدمة العسكرية في تونس على ذلك، وهو إجراء يطلق عليه محلياً "الرافل"، لكن تراجع هذه الإجراء في السنوات الماضية دفع المعنيين إلى العزوف عن أداء "الواجب الوطني"، بحسب المسؤول العسكري.
وسلطت التحديات التي واجهتها البلاد على غرار الإرهاب وتأمين الحدود ومكافحة الهجرة غير النظامية في السنوات التي تلت الثورة الضوء على أهمية أن تكون القوات المسلحة جاهزة، لا سيما أن غياب ذلك أفضى إلى سقوط مساحات شاسعة من دول مجاورة مثل ليبيا بقبضة الإرهابيين مثل مدن سرت ودرنة وغيرهما قبل أن يتم تحريرهما.
سياسة غائبة
وكرست تونس منذ بزوغ فجر استقلالها في عام 1956، قوانين تنظم عمليات التجنيد، إلا أن نسب إقبال الشباب على أداء الخدمة العسكرية في تضاؤل مستمر.
ويرى مراقبون أن غياب سياسة واضحة في ظل ضعف الإمكانات المتاحة للقوات المسلحة التونسية يقود إلى مزيد من تقليص تحمس الشباب لأداء الخدمة العسكرية.
وقال الضابط المتقاعد، مصطفى صاحب الطابع، إن "غياب سياسة واضحة يقود إلى هذا النفور، فالواجب الوطني في البلدان الأخرى مقدس، ويجب أن تكون هناك بنية تحتية تسمح باستقطاب الشباب إلى الثكنات العسكرية، لأن هناك إشكالات في طاقة الاستيعاب، ولا يمكن تلخيص الأمر في إرادة الشاب من عدمها".
وأوضح الطابع أن "الشباب التونسي حلمه الهجرة غير النظامية، وهناك حسابات تجعله ينفر من أداء الخدمة العسكرية، منها أن من سيذهب لأدائها سيخسر وظيفته، ويتم إجبار الفئات المتوسطة والفقيرة والجهات المهمشة فقط "، منوهاً بأهمية عدم استثناء أحد من الخدمة العسكرية بما في ذلك المناطق المزدهرة والراقية".
عقود وانتدابات
ولفت الضابط المقتاعد إلى أن "المناطق الداخلية تقريباً هي التي تدفع بشبابها إلى التجنيد، لكن المشكلة تكمن في غياب سياسة واضحة لا تستثني أحداً من أداء الخدمة العسكرية"، معرباً عن استغرابه "من رؤية مسئولين لم يقوموا بأداء واجبهم الوطني".
وغرقت تونس في أتون الأزمات السياسية بعد الثورة، ما جعل القادة السياسيين ينصرفون إليها متجاهلين بذلك الانهيار الذي يشهده عديد من القطاعات، وفي ظل التحديات الأمنية لجأت وزارة الدفاع إلى إبرام عقود وانتداب جنود لمواجهة تصاعد الهجمات الإرهابية.
وأشار الطابع إلى أن "غياب سياسة التجنيد يعود إلى الإرادة السياسية ونقص الإمكانات، لأنه عندما نقوم بتجنيد الشباب يجب توفير موازنات قادرة على ضمان توفير الظروف المناسبة لهم مثل الأكل والنقل واللباس وغيرها".
وفي ظل العجز عن استقطاب الشباب للتجنيد من غير الواضح ما إذا كانت ستنجح الإجراءات القضائية في جعل هؤلاء يرضخون لأداء "الواجب الوطني" لا سيما في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها تونس.