ملخص
توارى بختيار عن الأنظار وبعد ستة أشهر من الاختفاء نجا بأعجوبة
أتى شابور بختيار من صفوف معارضة نظام الشاه ليكون همزة وصل بين النظامين بعدما رأى الشاه محمد رضا بهلوي حظوظ بقائه تتهاوى أمام ثورة شاركت فيها أطياف مختلفة قبل أن ينقلب الخميني على الجميع ليؤسس تحالفاً قمعياً بين رجال الدين والحرس الثوري.
لجأ الشاه إلى بختيار ليكون رئيس الوزراء الـ 40 في النظام البهلوي، وبينما كان يلقي بختيار اليمين الدستورية في المجلس الوطني انتظره الشاه محمد رضا بهلوي في مطار مهرآباد لتوديعه قبل الخروج الأخير من البلاد.
لكن بختيار بقبوله عرض الشاه فقد دعم رفاقه في الجبهة الوطنية المتمسكة بإرث محمد مصدق وطردوه منها ليجد نفسه أمام شعب ثائر ورجل دين يلقي من باريس خطاباً معسولاً بوعود ديمقراطية وجيش أعلن الحياد بعد خروج الشاه.
أصر بختيار على الإشراف على الانتقال الديمقراطي حتى يستقر البلد على أسس نظام لا يشبه نظام الشاه ولا "ولاية الفقيه"، متمسكاً بمنع رجال الدين من التدخل في الشأن السياسي، إذ كان أقصى ما وعدهم به بناء مجمع لهم في مدينة قم يشبه الفاتيكان وإحاطته بجدار عازل يفعلون داخله ما يشتهون.
ترضية "فاتيكان قم"
لكن طموح رجال الدين كان أكبر من مشروع "فاتيكان قم"، فبعدما رحب بختيار بعودة الخميني من باريس لطهران وفتح الأجواء لاستقباله تلقى أول ضربة منه، إذ أعلن الخميني في أول خطاب له بعد هبوط طائرته أنه سيوجه "لكمة إلى فم هذه الحكومة (حكومة بختيار) وسأشكل حكومة"، فصفّق له الحاضرون وسط هياج التكبير والصراخ، تأييداً له وتنديداً بكل إرث الشاه الذي رأوا من بينه حكومة بختيار الذي دفع ثمن مسك العصا من المنتصف.
توارى بختيار عن الأنظار وبعد ستة أشهر من الاختفاء نجا بنفسه بأعجوبة، هارباً إلى باريس التي ربطته بها علاقات وطيدة منذ وقت مبكر قبل أن يزاحم الخميني الصوت الليبرالي فيها، وهناك شكل بختيار حركة "النهضة الوطنية الإيرانية" التي سرعان ما تحولت إلى أبرز وجوه المعارضة وتلقت دعماً سخياً من خصوم نظام الخميني.
بعدها تحول بختيار إلى هدف مشروع لعملاء النظام فحاولوا اغتياله عام 1980 بواسطة "كارلوس" الثعلب واللبناني أنيس نقاش، لكن المحاولة فشلت وأخطأ العملاء الهدف فقتلوا جاراً له وأصابوا شرطياً فرنسياً، وتلك قصة أخرى سنعود لها لاحقاً.
في أغسطس (آب) 1991، عاد عملاء النظام الإيراني من جديد وقطعوا المعارض الأبرز للنظام في منفاه الفرنسي إرباً إرباً بسكين، تقول بعض الروايات إنه كان مخصصاً لقطع الخبز، على إثر مخادعته في منزله، وأكملوا على جاره الذي خشوا من وشايته بهم، قبل أن يلوذوا بالفرار.
الحادثة التي هزت فرنسا والعالم في حينه، تحيط بها ظروف وملابسات عدة لم تكن متاحة للجمهور، إلا أن بريطانيا قررت أخيراً بالتزامن مع ذكرى اغتيال بختيار أن تفرج عن وثائق تتعلق بمتابعة خارجيتها الحادثة، عبر مراسلات ومداولات متشعبة، تنشر "اندبندنت عربية" مضامينها.
الحلقة الضيقة تصيب الهدف
تشير الوثائق التي أصبحت بين أيدينا إلى أن عملية اغتيال بختيار شارك فيها كل من فريدون بوير أحمدي ومحمد آزادي وعلي وكيلي راد، إذ تنكر القتلة بانتمائهم لـ"النهضة الوطنية الإيرانية" التي أسسها بختيار، وكان أحدهم (فريدون بوير أحمدي) عضواً فيها، وعلى رغم وجود 13 شرطياً مسلحاً لحماية بختيار تمكن العملاء من قتله ورئيس مكتبه سروش كتيبه ببرودة أعصاب وخرجوا من المنزل بهدوء.
اعتقل وكيلي راد في سويسرا وطالبت فرنسا بإعادته ودبلوماسي آخر يدعى سرحدي زاده للمحاكمة في باريس، وتصدرت قضية تسليم العملاء المتنكرين بالزي الدبلوماسي الصحف العالمية، وفي إحدى الوثائق المفرج عنها أكدت وثيقة بريطانية صادرة من السفارة البريطانية في العاصمة السويسرية برن إلى مرجعيتها في لندن، استعداد سويسرا تسليم وكيلي راد وسرحدي زاده، وذكرت السفارة البريطانية أن العميل سرحدي زاده أمامه شهر للطعن في قرار المحكمة الاتحادية ومن المتوقع أن يستغرق القرار شهراً على أقل تقدير.
"البلطجة الإيرانية"
تتحدث البرقية التي تحمل رقم 143 الصادرة عن السفارة البريطانية في طهران بتاريخ 12 مارس (آذار) 1992 عن افتتاحية صحيفة "طهران تايمز" الناطقة باللغة الإنجليزية التي تعتبر واجهة وزارة الخارجية الإيرانية في عددها الصادر في ذلك اليوم، بما تضمنته من قائمة تهديدات إيرانية تستهدف سويسرا في حال تم تسليم سرحدي زاده إلى الفرنسيين، وتشمل القائمة تهديداً للمواطنين السويسريين في إيران، وعلى رغم أن وزارة الخارجية الإيرانية نفت صلتها بتلك الافتتاحية إلا أنها تشكل مثالاً على نهج "البلطجة الإيرانية التقليدية"، مثلما وصفتها الوثيقة البريطانية.
تضيف الوثيقة أن "مصادر مطلعة في طهران ترفض ادعاء الحكومة السويسرية أن سرحدي زاده كان متورطاً في عملية اغتيال بختيار"، وقالت هذه المصادر إن "الإيرانيين قدموا وثائق سويسرية تثبت براءة سرحدي زاده وإنه لم يكن حتى في سويسرا في منتصف أغسطس، بل كان مجرد موظف في السفارة من دون صلاحيات سياسية".
وتشير الافتتاحية، بحسب ما أفاد البريطانيون، إلى أنها توقعت، وفقاً للمراقبين، بأنه "إذا سلّم السويسريون سرحدي زاده إلى الفرنسيين من دون تقديم أدلة مقنعة للحكومة الإيرانية، فسيكون من حق إيران اتخاذ الإجراء نفسه تجاه المواطنين السويسريين المقيمين هنا"، وأشار المراقبون السياسيون أنفسهم إلى أن المسؤولين الإيرانيين يدرسون حالياً الاتفاقات التجارية التي أبرمتها الشركات السويسرية مع إيران، كما يراجعون أيضاً وضع الحكومة السويسرية كممثل للمصالح الأميركية، نظراً إلى أن الدولة ذات العلاقات العدائية مع إيران لا يمكن أن تمثل مصالح حكومة ثالثة، إذ إن العمل كوسيط يتطلب أن تحظى سويسرا بثقة كل من إيران وأميركا، على حد سواء.
تهديد فرنسا وسويسرا
لم تكتفِ طهران بتهديد الحكومة السويسرية باتخاذ إجراءات مماثلة ضد مواطنيها في إيران ومراجعة الاتفاقات والعقود الاقتصادية المبرمة بين طهران وبرن، بل أصبحت فرنسا هي الأخرى في دائرة الضغوط الإيرانية، بحسب ما تكشف عنه الوثائق التي طالعتها "اندبندنت عربية"، ومن بينها البرقية رقم 172134 الصادرة عن السفارة البريطانية في باريس بتاريخ 13 مارس 1992 موجهة إلى لندن كي تحيطها علماً بأن الإيرانيين يمارسون الضغط على الفرنسيين في شأن قضية سرحدي زاده على وجه التحديد، وهو ما يعتقد بأنه يعود لكون المتهم تربطه صلة قرابة بالرئيس الإيراني في ذلك الحين هاشمي رفسنجاني.
ونصت الوثيقة على أن "السفارة الإيرانية أصدرت في الخامس من مارس بياناً قالت فيه إن الإيرانيين سيقبلون باستجواب سرحدي زاده في سويسرا من قبل السلطات القانونية الفرنسية، لكنهم رفضوا تسليمه إلى فرنسا، وقال البيان الذي صدر بعد اجتماع بين السفير الإيراني ومنظمة "إس أو إس" غير الحكومية (SOS) التي تمثل ضحايا الإرهاب إن السفير أخبر مدير المنظمة أن الإيرانيين واثقون من براءة وعدم تورط سرحدي زاده في قضية اغتيال بختيار، ولم يرَ الإيرانيون أي مشكلة في استجوابه في سويسرا، إنما عارضوا تسليمه إلى فرنسا بسبب العواقب السلبية التي ربما تترتب جراء ذلك على العلاقات الفرنسية- الإيرانية".
وفي الفقرة الثالثة من الوثيقة انتقدت المنظمة ازدواجية المعايير في السياسة الخارجية الإيرانية، مشيرة إلى أن منظمة "إس أو إس" (SOS) لفتت في بيان متزامن إلى أنها "أكدت من جديد أن الأمر يعود للنظام القانوني الفرنسي في القضية، وقالوا إنهم مقتنعون بالمسؤولية الإيرانية عن الأعمال الإرهابية في ضوء المعلومات التي حصل عليها قاضي التحقيق، كما انتقدوا الازدواجية الإيرانية فمن جانب تطلب (إيران) الدعم التكنولوجي والطبي والإنساني من الغرب وفي الوقت نفسه تدعو إلى قتل الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين كما فعل الرئيس رفسنجاني".
بريطانيا تحمل معلومة إلى فرنسا
وتستعرض إحدى الوثائق المتوافرة تقريراً عن محادثات السفير البريطاني لدى باريس مع الجانب الفرنسي في ما يتعلق بقضية اغتيال بختيار، إذ حمل السفير معلومات تلقتها بريطانيا من طهران في شأن إفادة وزراء إيرانيين بتعليق عقود مبرمة مع فرنسا منها عقد بين مجموعة "رينو" الفرنسية و"سايبا" الإيرانية.
وقال السفير البريطاني في تقريره إلى مرجعه في لندن "تحدثت إلى مدير الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية حول هذه التقارير، وقال إن الإيرانيين، على حد علمه، لم يتخذوا أي نهج مباشر مع السلطات الفرنسية في شأن استجواب سرحدي زاده في سويسرا، أما بالنسبة إلى القصة التي فقدت فيها عقود "رينو" فقال إنها ليست عقوداً، بل مفاوضات تم تعليقها، ربما كان هذا لأسباب تجارية ولكن من الواضح أن بعض العناصر في طهران كانت تختار تفسيره على أنه بادرة سياسية".
إغاظة باريس بروما
وتتحدث البرقية رقم 014112 الصادرة بتاريخ 20 مارس 1992 من السفارة البريطانية في باريس والمرسلة إلى لندن عن استمرار الضغوط الإيرانية على فرنسا من خلال التلويح بإلغاء العقود الاقتصادية المبرمة بين طهران وباريس ومنحها للشركات الإيطالية التي كانت تنافس الفرنسية في الحصول على هذه العقود.
وأشارت الوثيقة المفرج عنها إلى ما يتردد عن تعميم أصدرته السلطات الإيرانية الى القطاعات الحكومية، وذكرت أن وزارتي النفط والطاقة تلقتا توجيهات لمراجعة العقود أخيراً مع فرنسا، موضحة أن صحيفة "سلام" الإيرانية ادعت في ذلك الحين أنه "قد لا يتم التوقيع على ذلك على رغم المرحلة المتقدمة التي وصلت إليها المفاوضات في مسعى لتحويل المسار إلى أبعد من ذلك"، وأكدت الوثيقة أن "الإيطاليين الذين كانوا يتنافسون مع الفرنسيين على المشروع، يحاولون أن يستغلوا الموقف ويفكرون في تقديم مقترحات جديدة".
لم تنتهِ بعد حكاية قتلة رئيس الوزراء الـ 40 للملكية في إيران التي أطاحتها حركة احتجاجية استحوذ عليها رجال الدين في نهاية المطاف بقيادة روح الله الخميني، ولكن قبل المضي قدماً في تقليب صفحات الوثائق عن خيوط المساومات بين عواصم الغرب وإيران في شأن تسليم أولئك المتورطين أو الاحتفاظ بهم في أقبية السجون، دعونا نعرف ماذا جرى في محاولة الاغتيال الأولى على لسان الأطراف المتورطة فيها، أمثال صديق كارلوس، أنيس نقاش، وصديق الإثنين هاشمي رفسنجاني.
المهمة الأولى لقتل بختيار
في الـ18 من يوليو (تموز) 1980، توجه اللبناني أنيس نقاش من طهران إلى فرنسا لقتل شابور بختيار طبقاً لمخطط الحرس الثوري وتنفيذاً لحكم صادق خلخالي الحاكم الشرعي لـ"الثورة الإسلامية"، فقتَلَ شخصاً في أطراف منزل بختيار وجرحَ نفسَه، كما تسبب في شلل شرطي فرنسي، قبل أن يتم القبض عليه ويسجن ثم يخرج في تبادل سجناء لاحقاً، وفقاً لما وثق هو نفسه في رواياته عن تلك اللحظة التي ظل يفاخر بها بوصفه أحد جنود الثورة الإيرانية حتى وفاته في دمشق قبل بضعة أعوام، متأثراً بكورونا.
حتى الآن ليس واضحاً للرأي العام في إيران وفرنسا سبب الإفراج غير المتوقع عن نقاش، لكن رفسنجاني يكشف في مذكراته العائدة لعام 1988عن بعض تفاصيله، من ذلك ما حدث، في الخامس من فبراير (شباط) 1989، إذ بعد مضيّ ثماني سنوات على مكوث نقاش في السجن، كان وزير الخارجية الفرنسي رولان دوما في زيارة إلى طهران حيث التقى رفسنجاني، وكان "حزب الله" اللبناني احتجز عدداً من المواطنين الفرنسيين والأميركيين كرهائن في لبنان، وكانت فرنسا تعلم علم اليقين مدى النفوذ الإيراني على "حزب الله".
يقول رفسنجاني، بحسب ما ترجم عنه أحد مواقع المعارضة الإيرانية "جرى الحديث في الاجتماع الرسمي عن المفاوضات العادية والمجاملات المعروفة، طلب دوما لقاء خاصاً فوافقت، والتقينا في مكتبي بحضور وزير الخارجية الإيراني وقتها علي أكبر ولايتي، جاء الحديث عن حقوق الإنسان، فغالينا عليهم قائلين إن ’الغربيين والفرنسيين أنفسهم يدعمون الإرهاب المعارض لإيران ولبنان وفلسطين، وفي الوقت نفسه يتشدقون بالكلام عن حقوق الإنسان‘، وسأل دوما عن أنيس نقاش، وهل قدم جاك شيراك ضمانات لنا في شأن إطلاق سراحه؟ فأجبناه بأنه فعل، يبدو أنه كان يريد الحصول على ورقة ضغط ضد حزب شيراك ولمصلحة إجراء قد يتخذه ميتران في الإفراج عن أنيس مستقبلاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في اللقاء آنف الذكرِ، هدد رفسنجاني فرنسا إذا امتنعت عن الإفراج عن نقاش قائلاً "إذا لم يتم إطلاق سراح نقاش فمن الممكن أن ينتقم اللبنانيون لأنهم هددوا بذلك"، ثم قام رفسنجاني بتحميل دوما رسالة إلى أميركا فحواها أن الأخيرة إذا أفرجت عن الأموال الإيرانية المحتجزة فإن إيران أيضاً ستبذل كل ما بوسعها في سبيل الإفراج عن الرهائن الأميركيين في لبنان، وهكذا بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى طهران بفترة قصيرة تم إطلاق سراح نقاش.
بعد لقاء رولان دوما مع رفسنجاني، وكان حينها رئيساً للبرلمان الإيراني، عاد لاحقاً لإيران حين كان رفسنجاني رئيساً للجمهورية، وقدم دعوة إلى الأخير لزيارة رسمية لفرنسا، فقبل رفسنجاني، لكن تقرر أن يسافر فرانسوا ميتران أولاً إلى طهران، وبينما كان يتم الإعداد لزيارة ميتران عام 1991 أقدمت مجموعة أخرى تابعة للنظام الإيراني على إنهاء مهمة نقاش من خلال اغتيال شابور بختيار بعد 11 سنة.
بعد خروج أنيس من السجن لم يَعُد لوطنه لبنان، بل أقام في إيران، حيث أمسى محللاً سياسياً في شؤون الشرق الأوسط، وصار يعمل في التجارة والعقارات، ويشارك كرئيس لمركز فكري إيراني في الفعاليات الحكومية الرسمية مثل مؤتمرات وزارة الخارجية، وفي مؤتمر سياسي عقد في طهران لمناسبة إبرام الاتفاق النووي بحضور محمد جواد ظريف ويوسف بن علوي، كان نقاش يجلس في الصفوف الأولى الخاصة بالضيوف، وطوال تلك السنوات لطالما عبّر عن أسفه من عدم تمكنه من اغتيال شابور بختيار في صيف 1980، ويقول إن أمر قتله "أصدره الخميني"، لكنه كان يعتب على صادق خلخالي الذي سرّب إلى العلن خبر توجهه إلى باريس، بحسب ما وثق موقع "إيران واير" المستقل.
الباب المصفح يعوق
خلال الأعوام التي كان يلوم فيها أنيس نقاش النظام الإيراني بأنه لا يقوم باللازم دفاعاً عن اغتياله لبختيار، كشف عن تفاصيل لوكالة "فارس" للأنباء التابعة للحرس الثوري، قائلاً "في أحد الاجتماعات، وكان يحضره محمد منتظري دار الحديث عن معلومات تفيد بقرب وقوع انقلاب ضد النظام الإيراني، فقلت لا بد من مراقبة أفعال بختيار وإجهاض محاولاته، فأكد منتظري ضرورة التشاور مع أجهزة أخرى، وبعد يومين جاء خبر الموافقة على اغتيال بختيار، لكن يؤسفني أن أقول إن خلخالي ارتكب خطأً حين أعلن في أحد خطاباته عن إرسال كوماندوس إلى باريس لتنفيذ حكم الاغتيال".
وبالطبع كانت تصريحات خلخالي وراء تشديد الحراسة على بختيار، فيقول نقاش في هذا الشأن "لم يكن شابور بختيار يردّ على الاتصالات الهاتفية، ولم يكن يعطي مواعيد للقاء به، كما زاد عدد حراسه الشخصيين. وعليه، تم إلغاء الموعد الذي بيننا، وكان من المقرر أن أنهي عملية الاغتيال خلاله، وبالتزامن مع ذلك اتصلوا بي من طهران، وأخبروني أن هناك مخاوف كبيرة في شأن حدوث انقلاب، ولا بد من تصفية بختيار بأسرع وقت ممكن".
كان المخطَط الأول لاغتيال بختيار على يد نقاش يقوم على حضور الأخير الودي في منزل بختيار، ثم فتح النار عليه، لكن الحراسة المشددة على منزله أجبرت نقاش على دخوله بالقوة، ويقول "كان معي مسدس كاتم للصوت حين توجهت إلى بختيار، لكن الحراس شكوا بالأمر فأغلقوا باب المبنى بوجهي، فقررت فوراً كسر القفل بإطلاق النار والدخول، ولأن باب مكتب بختيار كان مصفحاً لم أستطع فعل شيء، والطلقات التي أصابتني كانت من سلاحي لأنها أصابت الباب وارتدت عليّ، وحين دخلت في مناوشة مع الشرطة الفرنسية أصابتني طلقة أخرى ثم ألقوا القبض عليّ".
في الحلقة التالية، ستروي لنا الوثائق البريطانية تفاصيل أخرى حول مصير قتلة رئيس الوزراء شابور بختيار، كما تصور مراسلات السفراء البريطانيين وجواسيس لندن بين العواصم.