ملخص
ما ألم بالقطاع من تغييرات على طول عام ونصف، كان معرض تناول تقرير حديث لوكالة "فيتش سوليشنز" يسلط بعض الضوء على واقع السوق اليوم
اعتلت سوق الأجهزة والمستلزمات الطبية في مصر، بتضخم ناجم عن أزمة الدولار في البلاد، بحكم الاعتماد الأكبر للقطاع الصحي المعالج على الاستيراد لتأمين الطلب المحلي المتنامي في بلد يفوق عدد سكانه 105 ملايين نسمة، فيما شكل اعتلال السوق أزمة سرعان ما مررت بشكل مباشر إلى المستهلك النهائي عبر "الفيزيتا" أو عبر خدمات التأمين الصحي الخاصة.
تتركز شركات بيع الأجهزة والمستلزمات الطبية اليوم في مصر، بشارع قصر العيني على مقربة من ميدان التحرير في قلب القاهرة ومبنى وزارة الصحة، وفي الشارع تنتشر مئات الشركات التي تتخذ من استيراد وبيع تلك المنتجات نشاطاً لها، في وقت تقدر شعبة المستلزمات الطبية بالغرف التجارية، عدد هذه الشركات بـ6400 شركة في القاهرة وحدها، ارتفاعاً من 1100 شركة عام 2011.
ما ألم بالقطاع من تغييرات على طول عام ونصف، كان معرض تناول تقرير حديث لوكالة "فيتش سوليشنز" يسلط بعض الضوء على واقع السوق اليوم، بعد ثلاث مرات من تعويم الجنيه المصري، كان آخرها في يناير (كانون الثاني) الماضي، بإجمالي تحركات أفضت إلى استقرار سعر الصرف رسمياً في البنوك عند مستوى 30.85 جنيه للدولار الواحد في سبتمبر (أيلول) الحالي، من 15.75 جنيه للدولار في نهاية الربع الأول من العام الماضي، فيما احتفظت السوق السوداء للعملة بأسعار أعلى للدولار عند مستوى 40 جنيهاً (1.29 دولار بالسعر الرسمي).
رياح معاكسة
ويلفت التقرير إلى أن سوق الأجهزة الطبية تواجه رياحاً معاكسة للاقتصاد الكلي، لاعتمادها على الاستيراد، ويؤشر إلى أن ارتفاع معدلات التضخم وضعف الجنيه يعرقلان من نمو هذه السوق، وسط توقعات ببلوغ التضخم ذروته في الربع الأخير من العام الحالي، مع التكهنات بانخفاض محتمل في قيمة الجنيه، من شأنه أن يشكل ضغوطاً على السوق، على المديين القصير والمتوسط.
أعاقت ضغوط الاقتصاد الكلي واردات الأجهزة الطبية، وجعلتها أكثر كلفة، وأصعب بلوغاً، في حين شهدت السوق انخفاضاً حاداً خلال العام المنتهي في فبراير (شباط) الماضي، في ست فئات من المستلزمات الطبية ضمت المواد الاستهلاكية، والتشخيص، وطب الأسنان، وجراحة العظام، وأدوات مساعدة المرضى، وغيرها من المنتجات الطبية والأجهزة.
الضغوط التي أشار إليها تقرير الوكالة، كانت معرض حديث متخصصين في مجال استيراد وبيع المستلزمات والأجهزة الطبية، إذ أشاروا إلى أزمة الدولار وضعف الرقابة باعتبارهما أسباباً رئيسة لارتفاع أسعار المنتجات، بالنظر إلى اعتماد القطاع بشقيه، المستورد والمصنع محلياً، على مدخلات إنتاج تستوردها البلاد من الخارج، ومن هؤلاء رئيس شعبة المستلزمات الطبية بغرفة القاهرة التجارية محمد إسماعيل عبده، إذ يقول إن الشعبة جددت طلباتها لرئيس الحكومة مصطفى مدبولي، لتذليل عقبات توريد المستلزمات والأجهزة الطبية، عبر عدم إدراج واردات القطاع في قوائم تدبير الدولار للإفراج الجمركي نظراً لما يحظى به من أهمية استراتيجية، وكونه لا يمثل سوى واحد في المئة من إجمالي فاتورة الاستيراد، مع إلغاء الرسوم المفروضة على مستوردي المستلزمات الطبية، تحت مسمى "الدمغة الطبية"، موضحاً أن الشعبة تدخلت لدى محافظ البنك المركزي المصري عبر مذكرة، في أبريل (نيسان) الماضي، لسرعة تدبير ما يلزم من النقد الأجنبي للإفراج عن الشحنات التي تكدست في الموانئ منذ يناير الماضي.
قطاع حيوي ومهم
ويشدد رئيس الشعبة، على أهمية القطاع ووارداته لحياة كثيرين من المرضى في مصر، في وقت شكلت النواقص أزمة في عديد من الأوقات، تتمثل في نقص أجهزة السونار وفلاتر الكلى وأجهزة رسم القلب والكلى الصناعية، مثنياً على جهود تدبير مجلس الوزراء المصري قبل أسابيع 150 مليون دولار لمواجهة الأزمة، وتوفير ما يلزم من نواقص المستلزمات الطبية.
وفي أغسطس (آب) الماضي، سجلت قراءة التضخم السنوي مستوى قياسياً غير مسبوق، عند 39.7 في المئة، مقابل 15.3 في المئة للشهر ذاته من العام الماضي، لأسباب من بينها ارتفاع أسعار قسم الرعاية الصحية 22.8 في المئة بسبب ارتفاع أسعار مجموعة المنتجات والأجهزة والمعدات الطبية بنسبة 20 في المئة، ومجموعة خدمات المستشفيات بنسبة 31 في المئة.
من جانبه، يرى عضو شعبة الصيدليات بالغرف التجارية، أحمد إدريس، أن أزمة الدولار التي اختبرتها البلاد لنحو عام ونصف أدت إلى ارتفاع أسعار عديد من الأجهزة والمستلزمات الطبية في السوق المصرية، سواء تلك المستوردة أو حتى المصنعة محلياً، لاعتماد الأخيرة على مدخلات إنتاج تستوردها البلاد بالكامل، بدءاً من التغليف وصولاً إلى المنتج في شكله النهائي، وإن لم تؤدِ تلك الأزمة إلى أزمة نواقص حادة، فالمنتج، كما يقول، متوافر لولا أن أسعاره ارتفعت بشكل كبير عما كانت عليه بداية العام الماضي.
يتحدث إدريس، عن بعض أشهر المنتجات التي طالتها الزيادة، وتشمل أجهزة قياس السكري في الدم، وأجهزة الضغط وشرائط تحليل السكري، إذ تراوحت نسبة الارتفاع بين 25 و35 في المئة، على أساس سنوي، وهي نسبة ترتفع عند المستلزمات الطبية مثل الشاش والقطن وخيوط الجراحة والسرنجات، إلى مستوى 50 في المئة. ويقول إن الدولار وحده ليس مسؤولاً عن هذه الضغوط التضخمية، إذ يأتي ضعف الرقابة على الموردين والموزعين سبباً مهماً آخر من أسباب ارتفاع الأسعار.
تآكل رؤوس أموال الصيدليات
وفي حديثه، يلفت عضو الشعبة التي تمثل مصالح أصحاب الصيدليات، إلى تآكل رؤوس أموال الصيدليات، بالنظر إلى ارتفاع أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية الموردة، في محاولة للبرهنة على الأضرار الواقعة على أصحاب الصيدليات جراء التضخم المرتفع، وأن المصلحة الخاصة للصيادلة لا تقتضي رفع سعر المنتج، لما له من آثار سلبية تتمثل في تقليص المبيعات، وارتفاع في أسعار التوريد من جهة أخرى.
أما المسؤول التنفيذي في إحدى شركات التأمين خالد سيد، فيتفق في شأن ارتفاع أسعار المستلزمات الطبية في البلاد لارتباطها بالعملة الصعبة. ويقول إن هذه الزيادات سرعان ما ترجمت عبر إعادة تسعير عديد من المنتجات التأمينية برفع كلفة وثائق التأمين، بنسب تراوحت بين 50 و60 في المئة، في مسعى للحد من الخسارة، والموازنة بين الكلفة وهوامش الربح.
لكن سيد، يذهب إلى تقدير أعلى لمستوى التضخم في القطاع الطبي، وبخاصة في أسعار المستلزمات الطبية، فيقدر نسبة زيادتها بـ90 إلى 100 في المئة، جنباً إلى جنب مع مصروفات معامل التحليل ومراكز الأشعة. ويقول إن ارتفاع أجور العاملين في القطاع شكلت ضغطاً آخر لمعاودة تسعير الخدمات التأمينية الطبية، بخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة من القطاع، تجنباً للخسارة، وضماناً للاستمرار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، يؤشر تقرير وكالة "فيتش سوليشنز" إلى جانب مضيء في سوق الأجهزة الطبية، فيرى أن تسارع النمو الاقتصادي المتوقع في البلاد خلال العام المالي 2023-2024، المدعوم بزيادة استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي، من شأنه دفع نمو السوق وصولاً إلى 9.7 في المئة بحلول 2027 بإجمال قيمة سوقية 571.6 مليون دولار، مع توقعات بانحسار التضخم في البلاد العام المقبل، وهي توقعات تماثل ما يعمل عليه البنك المركزي المصري، من خفض التضخم إلى مستوى سبعة في المئة في المتوسط بحلول الربع الرابع من العام المقبل.
نمو متوقع
ويتحدث التقرير عن محفزات أخرى لنمو سوق الأجهزة الطبية في مصر، ويعدد من بينها عدد السكان الكبير والمتزايد، الذي يعد حالياً الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إضافة إلى ارتفاع عدد كبار السن الأكثر طلباً لخدمات الرعاية الصحية، والأجهزة الطبية، مع الأولوية الحكومية المقدمة للرعاية الصحية بالنظر إلى كون الرعاية الصحية محوراً ذا أولوية في "رؤية مصر 2030".
واعتمدت الحكومة المصرية قانون التأمين الصحي الشامل في عام 2017 لتوسيع تغطية الرعاية الصحية بما يتماشى مع هذه الاستراتيجية، واعتباراً من أبريل (نيسان) الماضي، بلغ إجمالي من تمت تغطيتهم بخدمات التأمين الصحي من السكان، 69 في المئة، وفقاً لوزارة الصحة المصرية، مع إطلاق حملة صحية شاملة في يونيو (حزيران) الماضي، لتقديم الخدمات الصحية المجانية للسكان لمدة ثلاثة أشهر، وتشمل الخدمات المقدمة ضمن الحملة، الفحوصات الطبية للكشف المبكر عن السرطان والفشل الكلوي والأمراض المزمنة، وفحوصات العيون والأسنان والقلب، إضافة إلى فحص السمنة وفقر الدم لدى الأطفال وضعف السمع لدى الأطفال حديثي الولادة.
يتفق المتخصصون على أن هدوء سوق الأجهزة والمستلزمات الطبية مرتبطة بهدوء وتيرة التضخم وإعادته إلى المستويات التي تستهدفها لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، وسط مؤشرات على بدء انحسار مسبباته الخارجية، بالتالي هدوء محلي مصاحب، في بلد مستورد تتضاعف فيه فاتورة الواردات مقارنة مع حصيلة الصادرات، ويميل ميزانه التجاري إلى تحقيق العجز.