ملخص
من فوائد التنويع تجنيب الاقتصاد العالمي أي صدمات في سلاسل الإمدادات في حال تصاعد المنافسة الأميركية مع الصين
للمرة الأولى، طرحت شركة "أبل" هاتف (آيفون 15) الجديد في 12 سبتمبر (أيلول) الجاري، من الأجهزة المصنعة في الهند في الوقت نفسه مع الأجهزة المصنعة في الصين حيث المصنع الرئيس للشركة.
وبحسب وكالة "بلومبيرغ" طرحت الشركة الأجهزة المصنعة في الهند للبيع في السوق الهندية و"بعض المناطق الأخرى" في الوقت نفسه على رغم أن شركة "أبل" تنتج موديلات سابقة على الموديل الجديد في الهند منذ عام 2020، وتنتج الشركة الأميركية العملاقة ما يصل إلى نسبة سبعة في المئة من أجهزة "آيفون" في الهند، أولاً لتفادي الرسوم على مبيعاتها في السوق الهندية الواعدة بعد قانون "صنع في الهند" وثانياً لتفادي الضغوط الأميركية في شأن عدم تركيز إنتاجها في الصين.
هذا مثال واضح على توجه أميركي، وإلى حد ما أوروبي وغربي، لتنويع مصادر سلاسل الإمدادات بعيداً من تركزها في الصين بخاصة منذ أزمة وباء كورونا وتعطل سلاسل الإمدادات العالمية. صحيح أن القدر الأكبر من أجهزة شركة "أبل" ما زال يصنع في الصين، لكن شركة "فوكسكون" التي تصنع الأجهزة لـ"أبل" بدأت خططاً للإنتاج في دول أخرى مثل فيتنام والهند، وتأمل الشركة في أن يصل إنتاجها في الهند إلى 25 في المئة من إجمالي الأجهزة التي تصنعها بحلول عام 2025.
ذلك مجرد مثال على تصاعد اهتمام العالم بتنويع سلاسل الإمدادات العالمية بعيداً من تركزها في الصين، كجزء من ضمان تأمين الإمدادات وأيضاً في إطار الاستراتيجية الأميركية لوقف صعود الصين، بخاصة في مجالات المنافسة الأساس كالابتكارات التكنولوجية.
إمدادات متكاملة
على رغم تفاصيل مبادرة الممر الاقتصادي الجديد التي أعلنها الرئيس الأميركي جو بايدن على هامش قمة "مجموعة الـ20" في نيودلهي لم تتضح بعد، فإن أحد أهم أهدافها هو تنويع سلاسل الإمدادات من المناطق التي يربطها الممر من الهند إلى أوروبا مروراً بالخليج.
لن يقتصر الأمر، في حال تنفيذ المبادرة، على سلاسل الإمدادات في التصنيع فقط، بل سيشمل ربط مصادر سلاسل إمدادات صناعية وتكنولوجية في الهند وسلاسل إمدادات الطاقة في الخليج وأيضاً سلاسل إمداد التمويل والاستثمار، وحتى في مجال الطاقة، ستكون مصادر سلاسل الإمدادات للطاقة المتجددة من الخليج مع توجه دول مثل السعودية للتوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر.
بغض النظر عن تفسيرات كثير من المحللين والمعلقين، بخاصة الأميركيون، بأن مبادرة الممر الاقتصادي تستهدف منافسة الصين ومشروعها الذي طرحته منذ عقد من الزمن "مبادرة الحزام والطريق" فإن كثيراً من الشركات والأعمال بدأ بالفعل في تنويع مصادر سلاسل التوريد لاعتبارات تتعلق أيضاً بجعلها أقرب لأسواقها.
على سبيل المثال، مع زيادة الشعور القومي والوطني في الصين أصبح المستهلكون الصينيون يتجهون نحو شراء المنتج الصيني، ولا يقتصر الأمر على المنتجات التكنولوجية، بل إن إنتاج الصين من السيارات الكهربائية أصبح المنافس الأكبر لشركات صناعة السيارات الكهربائية الغربية بما فيها شركة "تيسلا" التي يوجد أكبر مصنع لها في الصين، وهو ما يفسر قيام شركة "مرسيدس بنز" بنقل مصنع إنتاج موديلاتها الفارهة إلى الهند.
وفضلاً عن منافسة الإنتاج الصيني لتلك الشركات في أسواقها الأصلية، تراجع نصيب المنتجات الأجنبية التي ينتج معظمها في الصين من السوق المحلية الصينية، ولتفادي كلفة النقل للتصدير واحتمالات تعطل سلاسل الإمدادات تتجه تلك الشركات والأعمال لتنويع سلاسل الإمدادات إما في دول آسيوية أخرى أو غيرها.
وتوفر مبادرة الممر الاقتصادي بديلاً مناسباً لتنويع مصادر سلاسل الإمدادات، بل وتكاملها أيضاً بتنوع نقاط القوة في أطرافها من الهند إلى أوروبا مروراً بالشرق الأوسط.
وبحسب تقرير حديث لمؤسسة "ستاندرد أند بورز" توفر آفاق التوسع في الاقتصاد الهندي فرصاً هائلة لأن تكون مركزاً لسلاسل الإمدادات العالمية، بخاصة إذا استفادت من الاستثمارات الخليجية وتحول الاستثمارات الأميركية التي قيدت واشنطن، أخيراً، توجهها إلى الصين، وهذا التكامل، يتعزز أيضاً بالعمالة الرخيصة في الهند مع إمدادات الطاقة من الخليج وعلاقات إسرائيل التي تمكنها من الوصول الأفضل للأسواق الغربية.
فوائد عالمية
يحذر بعض المحللين والاقتصاديين، حتى بمن فيهم البعض في مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي، من أن هذا التوجه يؤدي إلى تفتيت سلاسل التوريد العالمية ولا يعزز توجه "العولمة" السائد والمتصاعد منذ ثمانينيات القرن الماضي، لكن تلك الحجة مردود عليها بما يمكن أن يوفره مشروع الممر الاقتصادي الجديد من تعزيز للتجارة العالمية وتأمين سلاسل الإمدادات نتيجة تنويع مصادرها لضمان عدم تعطلها وتأثير ذلك السلبي على الاقتصاد العالمي مثلما حدث في أزمة وباء كورونا، ومن فوائد ذلك التنويع تجنيب الاقتصاد العالمي أي صدمات في سلاسل الإمدادات في حال تصاعد المنافسة الأميركية الغربية مع الصين وتحولها إلى صراع أقوى، ففي تلك الحالة ستكون مراكز سلاسل الإمدادات الجديدة كما في مشروع الممر الاقتصادي كافية لتأمين انسياب مدخلات الإنتاج والسلع الوسيطة عالمياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بحسب بيانات أرقام منظمة التجارة العالمية، فإن تركز سلاسل الإمدادات في الصين وهونغ كونغ، بخاصة في مجالات التكنولوجيا والتمويل لم يكن تأثيره جيداً على التجارة العالمية، ويشكل ذلك المركز، الصين وهونغ كونغ، نسبة 20 في المئة من الصادرات العالمية للسلع الوسيطة اللازمة لتشغيل قطاعات التصنيع حول العالم.
وفي الربع الأخير من العام الماضي 2022 تراجعت صادرات الصين من تلك السلع بنسبة 15 في المئة وانخفضت صادرات هونغ كونغ منها بنسبة 27 في المئة.
صحيح أن تلك الفترة شهدت تراجعاً في التجارة في تلك السلع الوسيطة عالمياً، إلا أن نصيب الصين كان منها الأكبر، فعلى سبيل المثال، يشكل نصيب الولايات المتحدة من تجارة السلع الوسيطة نسبة 8.1 في المئة من الإجمالي العالمي، لكن معدل التراجع في الربع الأخير من العام الماضي كان بنسبة ثلاثة في المئة لصادرات أميركا من السلع الوسيطة، وهذا التراجع يعني أن تركز سلاسل الإمدادات في مركز واحد عالمياً له تأثير سلبي على نمو التجارة العالمية، بالتالي على العولمة عموماً، أما مسألة أن التفتيت في سلاسل التوريد يمكن أن يزيد من التوجهات الحمائية والانعزالية، فإن مبادرات مثل الممر الاقتصادي بشركاء مختلفين من أكثر من قارة وتباين طبيعة اقتصادات بلدانهم يمثل وقاية من تلك النزعات الحمائية ويزيد الاعتماد المتبادل.