ملخص
يدرك مراقبون أن التحدي كبير بالنسبة إلى القوى الناشئة، نظراً لما تمتلكه القوى المتنفذة ومنظومات الفساد المرتبطة بها من عناصر قوة مالية وسياسية وإعلامية وامتدادات مسلحة
يستعد العراقيون لخوض انتخابات مجالس المحافظات في الـ 18 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وسط صراع بين القوى التقليدية المتنفذة والمسيطرة على البلاد منذ تأسيس النظام السياسي الحالي بعد عام 2003، وبين القوى الناشئة التي تسعى إلى كسب جماهير أكبر وتغيير المعادلة السياسية على مستوى مجالس المحافظات، وإنتاج جيل سياسي جديد ينافس القوى التقليدية خلال الانتخابات المحلية.
ولمجالس المحافظات صلاحيات إدارية واسعة أبرزها اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، بينما سيشارك في الانتخابات المحلية التي ستجري للمرة الأولى منذ عام 2013 نحو 296 حزباً سياسياً تشكل 50 تحالفاً، فضلاً عن عدد كبير من المرشحين الذين سيشاركون في قوائم منفردة للمنافسة على 275 مقعداً، هي مجموع مقاعد مجالس المحافظات العراقية، جرى تخصيص 75 منها ضمن "كوتا" للنساء، و10 مقاعد للأقليات العرقية والدينية.
ويرى متخصصون في الشأن العراقي أن "التحدي كبير أمام القوى الناشئة في انتخابات مجالس المحافظات، نظراً إلى ما تمتلكه القوى المتنفذة من سيطرة ومال وسلاح وغيرها"، مشددين على أن "النظام الديمقراطي الذي أقره دستور العراق عام 2005 من هيكليته الديمقراطية مجالس المحافظات".
واستبعد المصدر ذاته ظهور جيل جديد سياسي ينافس القوى المتنفذة "بسبب عدم وجود تغييرات في الانتخابات المحلية، سواء على مستوى الدعاية الانتخابية أو الأحزاب التقليدية التي اشتركت في هذه الانتخابات وفرضت هيمنتها الباكرة".
آثار سلبية
من جهة أخرى قال سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي رافد فهمي إن "مجالس المحافظات منصوص عليها في الدستور وتشكل جزءاً من البناء الإداري اللامركزي، وكما هو الحال في الأنظمة اللامركزية في العالم فإن وجود هكذا مجالس أو ما يشابهها وإن اختلفت التسميات، هو ضرورة لتأمين الدور الرقابي على السلطة التنفيذية المحلية (المحافظ)، إضافة إلى القيام بدور تشريعي ضمن صلاحيات الإدارات المحلية المثبتة دستورياً".
وبحسب فهمي فإن "غياب الدور الرقابي عن السلطة التنفيذية له آثار سلبية على أكثر من صعيد، ويسهم في تشديد مركزية السلطة المحلية وغالباً ما يرافق ذلك فساد مركّز".
ولفت إلى أن "تجربة مجالس المحافظات السابقة عكست فشلاً في أداء مهماتها الرقابية والتشريعية، كما استغلت من ممثلي الأحزاب المتنفذة للاستحواذ على الموازنات المخصصة للمحافظات، وتحولت إلى ميدان للصراع على المغانم والنفوذ، واستخدم قسم كبير من أعضاء مجالس المحافظات نفوذه للابتزاز والتعطيل لأغراض الكسب الشخصي أو الحزبي غير المشروع، ويمكن ملاحظة ممارسات مماثلة على صعيد مجلس النواب وفي مؤسسات الدولة المختلفة، وهي إحدى نتاجات نهج المحاصصة الحاضن للفساد، فهل يعني ذلك أنه يجب إلغاء المؤسسات التمثيلية المنتخبة لمصلحة سلطة تنفيذية غير خاضعة للرقابة الديمقراطية؟".
إلا أن فهمي يعتقد أن "الفشل في أداء مجالس المحافظات هو جزء ومظهر من مظاهر أزمة نهج المحاصصة الذي ينخر بناء الدولة والعملية الديمقراطية في العراق، ولذلك نخوض انتخابات المجالس على أساس برنامج تغييري مناهض للمحاصصة ويتبنى نهج المواطنة، ويهدف إلى تفعيل دور المجالس في أداء مهماتها الرقابية والتشريعية في الحفاظ على المال العام وضمان توجيه إنفاق موازنات المحافظات نحو تلبية الحاجات الخدماتية الأساس لأبناء المحافظة، من صحة وتعليم وسكن وبنى تحتية وثقافة، وكذلك تقديم الدعم للنشاطات الاقتصادية الإنتاجية في المحافظة، والوقوف بحزم ضد الفساد والصراعات السياسية والحزبية الضيقة حول تقاسم المنافع والامتيازات".
وتابع، "نحن ندرك أن التحدي كبير نظراً إلى ما تمتلكه القوى المتنفذة ومنظومات الفساد المرتبطة بها من عناصر قوة مالية وسياسية وإعلامية وامتدادات مسلحة، ولكن الانتخابات بهذا المعنى هي أحد ميادين الصراع من أجل إحداث الإصلاح والتغيير المنشودين، والتاريخ يبين لنا أن بناء المؤسسات الديمقراطية الحقة هو عملية تستغرق زمناً وتتطور عبر صراع متعدد الأشكال، لتصويب واستكمال المقومات السليمة لبناء الدولة الديمقراطي".
صلاحيات إدارية واسعة
وفي هذا السياق استبعد المتحدث باسم "ائتلاف النصر" عقيل الرديني أن تكون انتخابات مجالس المحافظات "إنتاج ديكتاتوريات أو مرجعيات أو حلقة زائدة"، مؤكداً أن "النظام الديمقراطي الذي أقره دستور عام 2005 ومن هيكليّته الديمقراطية مجالس المحافظات ذات الصلاحيات الإدارية الواسعة، على اعتبار أنها هي من ترشح المحافظ وتشرف على عمله وتقيله وتحاسبه، وآخر انتخابات جرت في هذه المحافظات كانت عام 2013، أي منذ 10 أعوام، والمحافظون من دون رقابة، وهذه المحافظات لها ضمن الموازنة العراقية مخصصات عالية من الأموال لا تقل أهمية عن الوزارات".
ورأى الرديني أن المحافظات "تحتاج إلى إدارة سليمة لصرف هذه الأموال، وتخطيط سريع في اتجاه المشاريع الاستراتيجية والخدمية في القطاعات العامة، مثل الماء والكهرباء والمجاري وغيرها، وهذه كلها من صلاحيات المحافظ ومجلس المحافظة الذي يشرف على عمل المحافظ، وحلقات الفساد والترهل في هذه المؤسسات سلبية في هذا الاتجاه، لكن دستور عام 2005 أشار إلى أنه لإكمال بناء هيكل إدارة الدولة العراقية فيجب أن تكون هناك مجالس محافظات استناداً إلى القانون رقم (21) لعام 2008 وتعديلاته".
وزاد أنه "من الممكن ترشيق هذه المجالس مثل ما حصل خلال الفترة الأخيرة حين قرر مجلس النواب في قانون جديد أن يكون تمثيل الواحد من مجلس المحافظة لكل 250 ألف نسمة بعد ما كان 200 ألف، وبالتالي تم تقليل أعداد كبيرة من أعضاء مجالس المحافظات، وهذا يعتبر ترشيقاً جيداً حتى يكون العمل مركزاً وتكون الرقابة حقيقية".
ووفق الرديني فإن "كل هذه مخاضات بين السلطة والفساد، لكن يبقى النظام القانوني الذي يجب أن يطبق بكل تخطيط سليم ورقابة حقيقية حتى يمكن أن ينتج مؤسسات للدولة ومشاريع مهمة تسهم في رفع الحيف عن أبناء الشعب العراقي، من خلال رسم سياسة تخطيطية طويلة ومتوسطة الأمد، ورفع مستوى الخدمات عبر التخطيط والتنفيذ السليم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
السطوة والهيمنة
من جهته استذكر الباحث السياسي والأمني مخلد عادل أنه "لا يمكن أن نعتمد على مجالس المحافظات لتقدم خدمات إلى المواطن العراقي، إذ لدينا ذكريات معها في ملفات فساد ملأت أدراج هيئة النزاهة"، مبيناً أنه "لا يمكن الاعتماد على طبيعة النظام السياسي في العراق ولا يمكن التعويل على مجالس المحافظات، فالطبقة السياسية هي من تقسم مفاصل الدولة وحصص الهيئات والوزارات وحتى مجالس المحافظات، إذ بدأ التحضير اليوم لأن تكون مجالس المحافظات خاصة بالأحزاب والكتل السياسية التقليدية".
وتابع، "نشهد اليوم صراعاً على السطوة والهيمنة على مجالس المحافظات، إذ إنه خلال فترة ما فقدت هذه السطوة من أيديهم وأصبح الموضوع يتبع المحافظ، والأخير لا يتبع لكتلة سياسية معينة، وهذه الكتلة لديها ثقل في شارع هذه المحافظة"، مؤكداً أن "الصراع ما بين الكتل السياسية دخل مرحلة إثبات وجود لغرض الهيمنة على مجالس المحافظات".
ونوّه بأنه "لا يمكن أن نعول في العراق على أية خريطة جديدة قد تنتجها الانتخابات، سواء برلمانية أو محلية، لأن الأحزاب في نهاية المطاف تتقاسم المناصب والهيئات في ما بينها وخصوصاً في ظل غياب التيار الصدري، ومن الممكن أن تتصارع بعض الكتل مستغلة هذا الغياب لفرض هيمنتها وسطوتها على المحافظات".
ولفت الباحث السياسي إلى أنه لا يتوقع أن "تؤسس مجالس المحافظات بيئة جديدة خدمية، بل هي حلقة زائدة ستعاد ملفات الفساد والسرقة فيها، والهدف من الانتخابات المقبلة هو إعادة السطوة والهيمنة للأحزاب والتأسيس لانتخابات برلمانية".
الأحزاب التقليدية
إلى ذلك ذكر رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أنه "لا تغيير في انتخابات مجالس المحافظات سواء على مستوى الدعاية الانتخابية أو الأحزاب التي اشتركت في هذه الانتخابات وغالبيتها أحزاب تقليدية كانت سبباً في إخفاقات على مستوى السلطة التنفيذية والمحلية"، مشيراً إلى أن "هذه الانتخابات ستعزز وترسخ هيمنة الأحزاب التقليدية بغطاء ديمقراطي".
وشدد الشمري على أنه "لا يمكن النظر إلى هذه الانتخابات على أنها تفرز قوى جديدة يمكن أن تتحكم بقرار المحافظات، على اعتبار أن القوى التقليدية تملك المال السياسي وموارد الدولة ووظائفها، وهذه جميعها ستكون جزءاً من عملية الترسيخ، كما سيعطي قانون الانتخابات وفق صيغة ’سانت ليغو‘ هيمنة أكبر لهذه القوى التقليدية على حساب القوى السياسية الناشطة".