ملخص
كان من الوهم في أرمينيا الرهان على دور عسكري روسي لحمايتها وهي تغازل أميركا وتفكر في الانضمام إلى "الناتو" وتتمسك برئيس الوزراء نيكول باشينيان الموالي للغرب
كما في أوكرانيا كذلك في القوقاز مضاعفات ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي الذي سماه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "أكبر كارثة جيوسياسية في القرن الـ20"، المرحلة الأولى بعد السقوط كانت استقلال كل عضو في الدولة السوفياتية داخل الحدود الداخلية التي رسمها لينين وستالين وحلفاؤهما، أما المرحلة الثانية فهي تغيير الخرائط، وتعد لعبة جيوسياسية ومأساة إنسانية خطرة.
رئيس أذربيجان إلهام علييف الذي خلف والده حيدر علييف مشى على خطى بوتين، وعمل على الطريقة الإسرائيلية، إذ اجتاح "جمهورية أرتساخ" في ناغورنو قره باغ بعدما دخل الرئيس الروسي أوكرانيا، حيث اقتلع سكانها الأرمن منذ قرون، كما فعلت إسرائيل بالفلسطينيين أصحاب الأرض، لكن بوتين غلف أهدافه المتعددة بالقول إنه "يحرر" الأرض لحماية الروس الذين يعيشون عليها، أما علييف فإنه أراد الأرض بلا شعب.
تحويل مسار
عملية "ترانسفير" من قره باغ إلى أرمينيا لم تحدث أيام الإمبراطوريات، ولا يمكن أن تحدث لو كان النظام في أذربيجان ديمقراطياً يراعي التعدد الديني والعرقي والسياسي، وهي فصل آخر في التراجيديا الأرمينية في آخر أيام السلطنة العثمانية، ودور آخر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في دعم حليفه علييف، وتسجيل أنقرة بين الرابحين فيما الخاسر الأكبر هو شعب قره باغ وجمهورية أرمينيا، وبقية الخاسرين هم روسيا وإيران والغرب.
كانت روسيا تفاخر دائماً، ضمن الاتحاد السوفياتي وخارجه، بأنها ثابتة في تحالفاتها وقادرة على الوفاء بالتزاماتها، لكنها خذلت أرمينيا مع أن لديها قوات حفظ سلام روسية في ناغورنو قره باغ بعد حرب 2020، ويريفان عضو في منظمة الدفاع المشترك بقيادة موسكو لماذا؟ لأنها رأت الولايات المتحدة والمناورات العسكرية الأميركية - الأرمينية المشتركة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان من الوهم في أرمينيا الرهان على دور عسكري روسي لحمايتها وهي تغازل أميركا وتفكر في الانضمام إلى "الناتو" وتتمسك برئيس الوزراء نيكول باشينيان الموالي للغرب الذي أعلن صراحة "أن الأنظمة الأمنية الخارجية التي تنخرط أرمينيا في إطارها غير قابلة لحماية أمنها ومصلحتها"، غير أن النفوذ الروسي في القوقاز أصيب بضربة، وإن لم تكن قوية، بعدما وضعت موسكو نفسها في موقع دولي صعب بالحرب مع أوكرانيا.
توازن الكبار
وإذا نجح علييف المدعوم من أردوغان وإسرائيل في إنجاز مشروع "ممر زنغنيزور" الذي يربط ناخيتشفيان الآذرية مع أذربيجان عبر أرمينيا بدلاً من إيران، فإنه يقدم لتركيا ممراً مباشراً إلى باكو وبقية القوقاز، ثم أوراسيا ويستغني عن طهران ويفصلها عن أرمينيا.
ولا شيء ثابت في الأرباح والخسائر، باستثناء خسارة أرض الأجداد والتاريخ بالنسبة إلى أرمن أرتساخ، فلا تغيير الخرائط في القوقاز كما في أوكرانيا هو نهاية لعبة من دون ذيول وأثمان وحسابات مؤجلة، ولا لعبة التغيير سوى بداية لعنة اسمها طموح القوى الإقليمية إلى نفوذ وأدوار خارج حدودها، والاندفاع في تكريس أقاليم لممارسة الأدوار والنفوذ.
في البدء كان الخلل في توازن القوى على قمة العالم، فالصراع الجيوسياسي بين الكبار، وسط الخلل في الموازين، قاد من بين أمور عدة إلى أمرين بارزين أولهما استغلال القوى الإقليمية للتراخي على المستوى الدولي والبحث عن مناطق نفوذ ضمن "الأقلمة" التي تقدمت على "العولمة" بعدما تجاوزت "البلقنة"، وثانيهما لجوء كل قوة كبرى إلى رعاية تكتل إقليمي يخدم مصالحها ويعطيها ميزة على القوى الأخرى.
ترتيبات إقليمية
فما سماه ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية النافذ في أميركا "انحدار النظام العالمي وانبعاث أسوأ مظاهر الصراعات الجيوسياسية والطموحات الإمبراطورية" سمح باندفاع قوى إقليمية في حنين إمبراطوري إلى الهيمنة في الأقليم الذي تعيش فيه، وما وصفه البروفيسور مايكل بكلي بأنه "حجر الأساس لكل نظام، وهو الخوف من العدو" قاد إلى ترتيبات إقليمية قائمة على الخوف المتبادل.
اللعبة مفتوحة، وشيء من العودة إلى القرن الـ19 بين الكبار، وشيء من اختراع قوى إقليمية لنفسها بحثاً عن أدوار في الإقليم، وهو ما رأيناه في الشرق الأوسط عبر صراعات وصفقات بين ثلاث قوى إقليمية على حساب العرب، والأرمن لا ينسون، كما أكدوا عبر التاريخ.