ملخص
ترمب يتحرك بدافع تحدي الديمقراطيين الذين يتهمهم بتحريك وزارة العدل وأنصارهم من المدعين العامين لملاحقته قضائياً
بينما ظل مجلس النواب الأميركي في حال شلل بعد الإطاحة برئيسه كيفن مكارثي، يحتدم الصراع في صفوف الجمهوريين حول دعم من يخلفه، مما يشير إلى أزمة قد تستمر حتى الثلاثاء المقبل، موعد انتخاب مرشح الحزب للمنصب، مما دفع الرئيس السابق دونالد ترمب إلى إلقاء ثقله لتوحيد الجمهوريين بإعلان توجهه إلى "الكابيتول هيل" لحسم المعركة، وأبدى استعداده لتولي المنصب لفترة موقته إذا لم يحسم الخلاف، فما دوافع ترمب من التدخل؟ وماذا يمتلك من الأدوات لحسم الصراع؟ وهل يحق للرئيس السابق تولي رئاسة مجلس النواب؟
صراع ملحمي
يواجه كل من المرشحين لخلافة مكارثي في منصب رئيس مجلس النواب وهما زعيم الأغلبية الجمهورية في المجلس ستيف سكاليس، ورئيس اللجنة القضائية جيم جوردان التحدي الصعب المتمثل في محاولة توحيد التكتل الجمهوري المنقسم عقب إقالة مكارثي من منصبه، بينما يسعى المرشحان الطموحان إلى نيل الدعم الأكبر من داخل صفوف حزبهما المنقسمة قبل الموعد المحدد لاختيار مرشح الحزب الثلاثاء المقبل، لانتخابه رئيساً للمجلس في اليوم التالي (الأربعاء) على رغم أن العملية قد تمتد لفترة أطول إذا لم يتوصل إلى توافق في الآراء.
لكن التنافس لجمع التأييد من النواب الجمهوريين عبر الاتصالات الهاتفية واللقاءات مع التجمعات الصغيرة، مثل "مين ستريت" أو "تجمع الحرية" المحافظ أو نواب ولاية تكساس لم يسفر عن شيء سوى تأكيد الانقسام، إذ عبر ما لا يزيد على 25 نائباً فقط عن دعمهم لسكاليس أو جوردان من بين 221 نائباً، بينما عرض كل منهما براعته في جمع أموال التبرعات اللازمة لخوض المعركة الانتخابية المقبلة التي تعد مسألة حيوية للأعضاء، فضلاً عن قدرتهما على القيادة والحكم وتوحيد الصفوف.
دوافع تدخل ترمب
ومع عدم وضوح الرؤية واحتمال تصاعد الانقسام بما يسيء إلى صورة الحزب الجمهوري باعتباره غير قادر على إدارة شؤونه الداخلية، فاجأ الرئيس السابق دونالد ترمب الجميع بإعلان توجهه إلى مجلس النواب في مبنى "الكابيتول هيل" لحسم الصراع الثلاثاء المقبل، وقال لموقع "فوكس نيوز ديجيتال" إنه سيقبل دوراً قصير المدى كرئيس لمجلس النواب ليكون بمثابة موحد للحزب الجمهوري حتى يتوصل المشرعون إلى قرار في شأن من يجب أن يتولى هذا المنصب خلال 30 أو 60 أو 90 يوماً.
وعلى رغم أن ترمب أوضح أنه لا يفعل ذلك لرغبته في قيادة المجلس وإنما استجابة لطلب عدد من النواب، إلا أن بعض المراقبين أشاروا إلى أن ترمب يريد تحقيق عديد من الأهداف من وراء ذلك، أولها أنه سيعزز بشكل قاطع لا يضاهيه شك زعامته المطلقة للحزب، ليس فقط لأنه المرشح الرئاسي الأوفر حظاً بين الجمهوريين، ولكن أيضاً لأنه يتمتع بنفوذ كبير بين النواب الجمهوريين في الكونغرس بسبب مكانته القوية مع قاعدة الحزب، بما في ذلك عديد من ناخبيهم، الأمر الذي يزيده قوة وصلابة، ويعزز من شعبيته كموحد للحزب ومنقذ له وقت الأزمات، مما يجعل محاولات الانتقاص من دوره وتأثيره بلا قيمة.
إحراج بايدن
وثانياً أن نجاح جهوده في توحيد الحزب حول قيادة جديدة في مجلس النواب، أو من خلال توليه هو نفسه قيادة المجلس، سيمنحه مزيداً من القوة لمواجهة الديمقراطيين وإحراج الرئيس جو بايدن الذي يسعى إلى تمرير الموازنة قبل الموعد النهائي المقرر في الـ17 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى يتجنب الإغلاق الحكومي، ومن ثم يمكن أن يفرض ترمب أو جوردان أو سكاليس شروطاً أكثر تشدداً من تلك التي كان يمكن أن يوافق عليها مكارثي، وهو أحد الأهداف الرئيسة لترمب الذي ربما يسعى إلى الانتقام من الديمقراطيين الذين أجبروا إدارته عام 2019 على تجاوز الرقم القياسي للإغلاق الحكومي الذي استمر نحو 45 يوماً وشل البلاد وأضر بشعبية ترمب آنذاك.
وثالثاً فإن ترمب يتحرك بدافع تحدي الديمقراطيين الذين يتهمهم بتحريك وزارة العدل وأنصارهم من المدعين العامين في نيويورك وجورجيا لملاحقته قضائياً بدوافع سياسية لتقليص فرص نجاحه، ولهذا فإن تصعيد ترمب بدخول "الكابيتول هيل" الذي لم تطأ قدماه أرض المبنى منذ أحداث اقتحامه من أنصاره يوم السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، من شأنه أن يثير حنق الديمقراطيين.
حنق الديمقراطيين
وليس أدل على ذلك من ردود أفعال القيادات الديمقراطية في مجلسي الشيوخ والنواب بعد انتشار خبر توجهه إلى "الكابيتول"، إذ انتقد الخطوة عديد من السياسيين في تعليقاتهم على وصف النائبة الجمهورية الموالية للرئيس السابق مارجوري غرين زيارته وتوليه المحتمل لرئاسة مجلس النواب بأنها ستكون تجمعاً حاشداً داعماً لترمب كل يوم.
وعلى سبيل المثال كتب تشاك شومر زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ على منصة "إكس"، "لا شكراً، نحن بخير، فقد شهدنا بالفعل تجمعاً لترمب في مبنى الكابيتول"، في إشارة إلى اقتحام أنصاره الكونغرس في السادس من يناير 2021، بينما كتب النائب الديمقراطي بريندان بويل "يميل المجرمون إلى العودة لمسرح الجريمة"، في حين طالبت النائبة الديمقراطية فيرونيكا إسكوبار، التي كانت من بين المحاصرين في قاعة مجلس النواب أثناء هجوم "الكابيتول"، بمزيد من الأمن، ليس لترمب، ولكن للأعضاء والموظفين والعاملين في مبنى "الكابيتول".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أكثر من ذلك أنه بعد ساعات قليلة من إعلان ترمب نيته بالذهاب إلى "الكابيتول"، كشفت شبكة "أي بي سي نيوز" عن معلومات استقتها من مصادر خاصة تفيد بأن ترمب مرر معلومات سرية من الوثائق التي كانت بحوزته إلى رجل أعمال أسترالي يدعى أنتوني برات الذي التقى به في منتجعه في مارالاغو بولاية فلوريدا، وأخبره عن عدد الرؤوس الحربية النووية التي تحملها الغواصات الأميركية المتقدمة، ووصف المسافة التي تمكنها من الاقتراب من غواصات العدو الروسية قبل أن تدمر، وأن هذا الملياردير الأسترالي قام بتمرير المعلومات السرية إلى آخرين، الذين أبلغوا ما كشف عنه إلى المدعي الفيدرالي الخاص جاك سميث الذي يحقق مع ترمب في قضية الوثائق السرية.
نيران صديقة
غير أن الاعتراض على تولي ترمب رئاسة مجلس النواب ولو بصفة موقتة لم يأت فقط من الديمقراطيين، بل من بعض الجمهوريين أيضاً في ما يمكن تسميته بالنيران الصديقة، إذ رفض نائب الرئيس السابق مايك بنس الفكرة قائلاً إن هناك مرشحين أفضل في مجلس النواب، وعبر عن اندهاشه من إقحام ترمب نفسه في مناقشات الكونغرس، وعلى رغم اعتراف جوردان لقناة "فوكس نيوز" أن ترمب سيكون عظيماً كرئيس لمجلس النواب، إلا أنه فضل رؤيته في المكتب البيضاوي بعد انتخابات 2024، إلا إذا كان راغباً في ذلك.
وعلى النقيض من ذلك رفض حاكم ولاية نيوجيرسي الجمهوري السابق كريس كريستي، وهو منتقد صريح لترمب وأحد منافسيه في الانتخابات التمهيدية الرئاسية لعام 2024 فكرة وجود ترمب في رئاسة مجلس النواب ووصفها بأنها مزحة، قائلاً "هل نريد حقاً مجرماً مداناً أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة أو يجعله بعض المازحين في الكابيتول هيل رئيساً لمجلس النواب؟".
هل يتأهل ترمب للمنصب؟
يعتبر ترمب، البالغ من العمر 77 سنة، الخيار الأفضل لعدد من الجمهوريين في مجلس النواب، وليس من الملزم من الناحية الفنية أن يكون رئيس مجلس النواب عضواً في الكونغرس على رغم أنه كان كذلك دائماً ولم يحدث في التاريخ أن تولى رئاسة المجلس شخصاً آخر من خارجه، ومع ذلك تنص القاعدة الـ26 للمؤتمر الجمهوري بمجلس النواب على أنه يجب على أي عضو في القيادة الجمهورية إخلاء منصبه إذا وجه الاتهام إليه بتهم جنائية يعاقب عليها بالسجن لمدة عامين أو أكثر، وهو يمنع ترمب من الترشح كونه يواجه 91 تهمة في أربع قضايا جنائية تصل عقوبتها الإجمالية في حال إدانته فيها جميعاً إلى 712 عاماً وستة أشهر خلف القضبان.
ولكن إذا اختير ترمب وتوافق النواب الجمهوريون على ذلك بعد فشل اختيار مرشحين آخرين بطريقة أو بأخرى، فقد يضطر الجمهوريون إلى تغيير القاعدة الـ26 التي تمنعه من التأهل للمنصب بحسب صحيفة "يو إس إيه توداي"، ومع ذلك فإن هناك عدداً من العوامل التي تجعل تولي الرئيس السابق مطرقة مجلس النواب أقل احتمالاً منها أنه لن يتوافر له الوقت الكافي لشغل هذا المنصب الحيوي بينما ينخرط في منافسة انتخابية شديدة السخونة ضد الرئيس جو بايدن باعتباره المرشح الأوفر حظاً للفوز بترشيح الحزب الجمهوري، كما أنه يواجه أربع محاكمات طويلة في نيويورك وجورجيا وفلوريدا وواشنطن، ومن المؤكد أنا سنستغرق كثيراً من الوقت والجهد والتركيز من الرئيس السابق وفقاً لصحيفة "نيويورك بوست".
وبصفته رئيساً محتملاً لمجلس النواب سيكون ترمب مسؤولاً عن مهمات عديدة مثل إدارة الإدلاء بالقسم لأعضاء مجلس النواب، ومنح الأعضاء الإذن بالتحدث على أرضية المجلس، وعد الأصوات وإعلانها، وتعيين الأعضاء في اللجان، وإرسال التشريعات إلى اللجان، وتوقيع مشاريع القوانين، والقرارات التي تمر في المجلس، ولهذا السبب قال رئيس مجلس النواب السابق كيفن مكارثي، الذي لم يؤيد علناً أي شخص ليحل محله "يجب أن تكون في المؤسسة التشريعية كي تفهم كيفية عملها".