ملخص
رجح محللون تدخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والقوى العظمى للضغط على انسحاب هذه القوات لتجنيب المنطقة نزاعاً إقليمياً مسلحاً.
أعلن وزير الدفاع الصومالي عبدالقادر محمد نور، أول من أمس الثلاثاء، رسمياً استبعاد القوات الإثيوبية بصورة نهائية من البعثة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام في الصومال.
ونقلت وكالة الأنباء الصومالية عن نور قوله "إن القرار أتى نتيجة الانتهاكات الإثيوبية التي استهدفت سيادة الصومال واستقلاله"، مشيراً إلى أن "إصرار أديس أبابا على تفعيل مذكرة التفاهم غير القانونية الموقعة مع إقليم صوماليلاند لا يزال يمثل انتهاكاً لسيادة الصومال وللمعاهدات الدولية التي تعد الأولى طرفاً فيها".
وأكد أن بلاده أبلغت مفوضية الاتحاد الأفريقي رسمياً بقرارها استبعاد القوات الإثيوبية، باعتبار أن الاتحاد هو المشرف على البعثة العسكرية المقرر انتشارها بحلول يناير (كانون الثاني) 2025 في الصومال.
وأضاف الوزير الصومالي أن بلاده ستعلن قريباً قائمة الدول المشاركة في عمليات البعثة الأفريقية الجديدة التي سيكون عملها محدوداً للغاية، إذ سيقتصر على تقديم الدعم الفني للجيش الصومالي في مكافحة الإرهاب وحفظ السلم الأهلي.
ولم ترد أديس أبابا رسمياً على القرار الصومالي الأخير، إلا أنها طالبت في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري بإشراكها في جهود حفظ السلام في الصومال، وذلك خلال اجتماع وزراء الدفاع الأفارقة في أديس أبابا، وذكرت بأن قواتها العاملة في الصومال ظلت تدفع أثماناً باهظة منذ أكثر من عقد ونصف، من أجل مهمات حفظ الأمن والسلم في الدولة الجارة.
كما قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أمام برلمان بلاده في الـ31 من أكتوبر (تشرين الأول) إن بلاده ترغب في استمرار جهود قواتها في الصومال، لافتاً إلى أن مئات الجنود الإثيوبيين فقدوا أرواحهم في الصومال خلال العقدين الماضيين.
وبإعلان وزارة الدفاع الصومالية استبعاد القوات الإثيوبية من مهمات البعثة الأفريقية تكون قد حسمت جدلاً ظل يشغل مراقبي شؤون منطقة القرن الأفريقي، إذ لا تزال إثيوبيا تحتفظ حالياً بنحو 3000 جندي في الصومال ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية، التي تنتهي مهماتها بنهاية ديسمبر (كانون الأول) المقبل، إضافة إلى وجود نحو 7000 جندي آخرين في مناطق صومالية أخرى، كانت قد نشرتهم عبر اتفاقات ثنائية مع مقديشو بغرض مكافحة الإرهاب.
من جهة أخرى، أجرى وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي ونظيره المصري بدر عبدالعاطي، الإثنين الماضي محادثات موسعة في الرياض، أكد فيها عبدالعاطي إسهام بلاده في بعثة حفظ السلام المقرر ابتعاثها إلى مقديشو بداية 2025.
وبحسب بيان الخارجية المصرية، أكد عبدالعاطي حرص بلاده على مواصلة التنسيق مع الطرف الصومالي لمتابعة مخرجات القمة الثلاثية التي عقدت بين مصر والصومال وإريتريا والقمة الثنائية بين مصر والصومال، اللتين عقدتا بأسمرة في الـ10 من أكتوبر 2024.
وأعاد الوزير المصري التأكيد على ضرورة احترام سيادة الصومال والحفاظ على وحدة وسلامة أراضيه ورفض أي تدخلات في شؤونه الداخلية، فضلاً عن مساندة جهود الحكومة الصومالية في مكافحة الإرهاب وفرض سيادة الدولة على كامل أراضيها.
حسم الجدل
بدوره رأى الباحث السياسي الصومالي محمد عيدي، أن بقاء القوات الإثيوبية داخل الأراضي الصومالية بعد يناير 2025، "يعد مخالفة صريحة لميثاق الاتحاد الأفريقي، وبخاصة أن التكليف القانوني للبعثة السابقة سينتهي في أواخر ديسمبر المقبل".
وأوضح أن اللوائح التي يحتكم إليها مجلس الأمن والسلم الأفريقي، تشترط ضرورة موافقة الدولة المضيفة على إشراك قوات أية دولة ضمن البعثات العسكرية المكلفة بحماية السلم، منوهاً إلى أن "إبلاغ الصومال لمفوضية الاتحاد الأفريقي رسمياً، بعدم رغبته في استمرار القوات الإثيوبية، قد وضع خاتمة للجدل، ومن ثم فإن الوجود العسكري الإثيوبي في الصومال بعد ديسمبر المقبل، سيعد بمثابة احتلال وخرق للسيادة الوطنية الصومالية".
ورأى الباحث الصومالي أن "التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإثيوبي، في شأن التضحيات التي قدمها الجيش الإثيوبي في الصومال، لا يعتد بها كحجة قانونية لاستمرار تلك القوات في حال اعتذار الصومال عن استضافتها، وبخاصة في ظل انتهاء المدة القانونية للبعثة السابقة، فضلاً عن الانتهاكات الإثيوبية الموثقة لدى المنظمات الدولية، في شأن توقيع أديس أبابا على اتفاقات مع إقليم غير معترف به دولياً".
ويرى عيدي أن "ميثاقي الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي يمنحان الصومال حقاً سيادياً لرفض استضافة أية قوات تنتهك سيادته واستقلاله ووحدة أراضيه، كما يمنحانه حق الدفاع عن أراضيه في حال بقاء تلك القوات من دون تكليف قانوني، إذ يُعرف القانون الدولي هذا الوجود باعتباره احتلالاً لأرض الغير".
ويستعبد الباحث الصومالي إمكانية توصل كل من مقديشو وأديس أبابا، إلى حلول وسط في هذا الشأن، "إلا في حال انسحاب إثيوبيا عن مذكرة التفاهم الموقعة مع إقليم صوماليلاند، واعترافها بوحدة الأراضي الصومالية تحت سيادة الحكومة المنتخبة في مقديشو".
ويرجح أن يتدخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والقوى العظمى للضغط على انسحاب هذه القوات في الوقت المنصوص عليه، وذلك لتجنيب المنطقة نزاعاً إقليمياً مسلحاً.
ويقرأ عيدي مواقف أديس أبابا وتصريحات رئيس وزرائها، بأنها "تفتقد للمصوغ القانوني واللياقة الدبلوماسية، إذ لا يمكن الادعاء بحماية الصومال في ظل انتهاك سيادته والسعي إلى احتلال سواحله من خلال عقد صفقات غير قانونية مع جهة لا يعترف بها المجتمع الدولي".
ويضيف أن "تعيين سفير إثيوبي لدى هرجيسا في حد ذاته يمثل اختراقاً للسيادة الصومالية، ويتناقض مع اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (عام 1961) وهي المعاهدة الدولية التي تحدد العلاقات والامتيازات الدبلوماسية بين الدول المعترف بها في منظمة الأمم المتحدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أجندات إقليمية
من جهته، يرى المتخصص في الشأن الإثيوبي، بيهون غيداون، أن "ثمة تناقضاً في الموقف الصومالي، الذي يزعم أن إدماج إثيوبيا في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة يمثل انتهاكاً لسيادته وتدخلاً في شؤونه الداخلية، في حين يوافق على إشراك قوات دول إقليمية بعيدة من المنطقة، ولديها أجندات معلنة في شأن استغلال ثروات المنطقة بصورة غير عادلة".
ويشير المحلل الإثيوبي إلى أن "موافقة الصومال على نشر مصر قواتها في الصومال، في ظل التوتر القائم بينها وبين دول حوض النيل، وبخاصة في ظل دخول اتفاقية ‘عنتيبي‘ حيز النفاذ في أكتوبر الماضي، يكشف البعد السياسي للموقف الصومالي".
ويرى غيداون أن "ستاً من دول حوض النيل قد صادقت على اتفاقية ‘عنتيبي‘، التي تحدد حصصاً عادلة من المياه لكل دولة، في حين ترفض القاهرة هذه الاتفاقية، لذا فإن الوجود المصري في دولة مجاورة لإثيوبيا، ونشر قواتها في الحدود المشتركة بين مقديشو وأديس أبابا، يمثل تهديداً للأمن القومي الإثيوبي".
ويلفت إلى أن بلاده لا تعترض على الوجود المصري، لكنها في الوقت ذاته تطالب بضرورة استمرار مشاركتها في البعثة الأفريقية، وبخاصة أنها ظلت موجودة في الصومال لأكثر من عقد ونصف من الزمن، وقدم جيشها تضحيات بمئات الأرواح.
ويرى المتخصص في الشأن الإثيوبي أن هناك ضرورة لفض الاشتباك بين المواقف السياسية المتعلقة بعلاقة إثيوبيا بصوماليلاند، ومهمة حماية الأمن والسلم في مقديشو، وينوه إلى أن حماية الأمن والسلم في الجنوب الصومالي تعد جزءاً من الأمن القومي الإثيوبي، وبخاصة أن الحدود المشتركة بين البلدين تتعدى الـ1600 كيلومتر، فضلاً عن نشاط "حركة الشباب" الصومالية المتطرفة الذي يستهدف المصالح الإثيوبية أكثر من الصومال، مما يحتم على أديس أبابا ضرورة حماية أمنها القومي بالوجود القانوني داخل الصومال، كما فعلت ذلك طوال العقدين الماضيين.
ويضيف أن "العلاقة مع صوماليلاند ينبغي مناقشتها بصورة منفصلة عن ملف حماية الأمن والسلم"، وأن إثيوبيا لم تكن الدولة الأولى التي تبرم اتفاقات مع هرجيسا إذ سبقتها أكثر من دولة بعقد اتفاقات تتعلق بمصالح أمنية وإستراتيجية وتجارية، من دون أن تثير غضب مقديشو، مما يؤكد، حسب رأيه، أن "تحركات مقديشو الأخيرة في هذا الشأن لا تتعلق بحماية سيادتها بقدر ما تتعلق بأجندات سياسية ذات بعد إقليمي".
احتمالات النزاع
ويرفض غيداون وصف قوات بلاده بـ"المحتلة في حال استمرارها في الصومال"، مؤكداً أن أديس أبابا ستعمل من دون كلل مع الاتحاد الأفريقي، من أجل ضمان استمرار قواتها، حماية لمصالح أمنها القومي بالدرجة الأولى، مضيفاً "إذا كانت دول مثل مصر تسعى إلى الوجود في الصومال خدمة لمصالحها القومية المتعلقة بالمياه، فمن حق إثيوبيا أيضاً الوجود حماية لأمنها واستقرارها اللذين يتعرضان لأخطار معلنة سواء من قبل الحركات المتطرفة أو من قوى إقليمية تسعى إلى نشر قواتها على الحدود الإثيوبية".
ويتساءل "كيف تحولت القوات الإثيوبية الناشطة في الصومال من عامل رئيس في استقرار الصومال، كما ظل يكرر المسؤولون الصوماليون، إلى عامل لتهديد الصومال واستقلاله؟".
ويستبعد غيداون أن يقود الوضع الحالي إلى نزاع مسلح بين إثيوبيا وأية قوات أجنبية داخل الصومال، مشيراً إلى أن "التلويح بحرب إقليمية محتملة في الصومال يعد جزءاً من حملة ضد إثيوبيا، وينبغي تجنب أي احتمال لوقوع نزاع مسلح من خلال ضمان المشاركة الإثيوبية"، مرجحاً أن يسعى الاتحاد الأفريقي خلال الشهرين المقبلين إلى ترجيح هذا الحل .
بدوره يرى عيدي أن "الصوماليين يحفظون لإثيوبيا دورها المهم في استقرار بلادهم في المراحل السابقة، إلا أن النظام الذي أتى محمولاً بشعارات التغيير في أديس أبابا، قد وعد الإثيوبيين بالحصول على سواحل الصومال السيادية، ليس في إطار اتفاقات تعاون مشتركة تحفظ سيادة واستقلال الصومال، بل من خلال تبادل منافع مع حكومة هرجيسا، على أن تعترف إثيوبيا بها كدولة مستقلة في مقابل حصولها على سواحل سيادية، مما يبطل معه أية ضرورة لوجود إثيوبي داخل الأراضي الصومالية".
ويُقدر عيدي أن مطالبة مقديشو باستبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الجديدة للاتحاد الأفريقي، يهدف إلى تجنيب المنطقة أي نزاع محتمل، وأن بقاء هذه القوات خارج التفويض الأفريقي وبموافقة صومالية هو ما سيقود إلى نزاع مسلح.
ورأى أن "الأمر لا يتعلق بالضرورة بنزاع إقليمي، إذ لدى الجيش الصومالي الآن القدرة على التصدي لأي وجود أجنبي غير مرحب به، كما أن مقديشو قد وقعت أخيراً عدداً من الاتفاقات للتعاون العسكري المشترك، مما يمنحها الحق في تفعيل تلك الاتفاقات في حال رأت ضرورة لذلك".