تعويض الكربون ليس ترخيصا بالسفر من دون ذنب

هل يُعقل أن تكون مواقف الأمير هاري وميغان ماركيل من القضايا البيئية مجرّد كلامٍ في الهواء؟ كيف لا وقد سافر الثنائي الملكيّ على متن طائرةٍ نفاثة خاصة أربع مرات في غضون 11 يوماً، مع أنّهما أعلنا في أكثر من مناسبة عن عزمهما حماية البيئة، وقررا إنجاب طفلين فقط "لدواعٍ بيئية" أيضاً. ولا ننسى طبعاً ما نُقل عن هاري ذات مرة، ومفاده أن "كلّ خيار تتّخذونه وكلّ خطوة تقومون بها وكلّ فعل تنوون عليه، يصنع فارقاً (بالنسبة للبيئة)".

ولمّا تعرّضت لهما وسائل الإعلام بالنّقد اللاذع، تأهّب محبّوهما من المشاهير والشخصيات المرموقة للدفاع عنهما بشراسة. لكن،ّ بحسب ساره أرنولد في مقالٍ لها في صحيفة "الإندبدنت"، لو حذونا جميعاً حذو رؤوسائنا الملكيين، واستهترنا بالتغير المناخي كما يفعلون، فسيكون مصير العالم الهلاك والدّمار والاندثار.

وفي سياقٍ مماثل، صرّح إلتون جون أنه يدفع المال للتعويض عن انبعاثات الكربون الناتجة عن رحلاته الجوية من وإلى منزله الكائن في فرنسا. يتوجّب التنبّه إلى أنّ تلك الممارسة لا تعني بالضّرورة أنه يمكن لكل منا أن يُسافر قدر ما يشاء ومن دون شعور بالذنب.

وبكلمات صريحة، ثمة واقع مرير وغير مستساغ يفرض نفسه علينا اليوم ويُطالبنا بخفض أعداد الرّحلات الجوية من دون تأخير. ويظهر أنّ جيل الرحلات الجويّة الرخيصة (ما يطلق عليه أيضاً مصطلح "إيزي جيت")، على أهبّة الاستعداد للتخفيف من معدل استهلاكه لللحوم واستخدامه المنتجات البلاستيكية، لكنّه غير مستعدّ بعد للتخلّي عن أسفاره وإجازاته في الخارج. وعلى هذا الأساس، تسعى المطارات البريطانية حالياً إلى زيادة إجمالي قدرتها الاستيعابية بنسبة 59% بحلول العام 2050. وتفوق تلك النّسبة بأكثر من الضّعف الارتفاع الذي عوّلت عليه "لجنة تغيّر المناخ" الاستشارية الرّسمية في بريطانيا، كمؤشر يساعد في الضغط من أجل خفض انبعاثات الكربون إلى مستوى الصّفر بحلول العام 2050.

من وجهة نظر الدّكتور فيل ويليامسون من "جامعة إيست أنجليا"، يعتبر "تعويض الكربون بالمال، أحد الوسائل المعتمدة للحدّ من أضرار الاحتباس الحراري. ولو أمكن للشخصيات الملكيّة أن تُخفّف من وطأة تنقلاتها الجويّة، لكان ذلك أمراً يستحقّ دعمنا وتشجيعنا. لكنّه لا يكفي وحده، ولا بدّ أن يكون مصحوباً بجهودٍ مباشرة لخفض انبعاثات غازات التلوث (= "غازات الدفيئة") من كافة المصادر، وليس الطيران وحسب".

وتذكيراً، تستند مخططات تعويض الكربون على احتساب ما يصدره كلّ فرد من الكربون أثناء انخراطه في نشاط معين، ثم يدفع مالاً مقابل ذلك إلى مشاريع  امتصاص الكربون على غرار إعادة التحريج وخطط الطاقة النظيفة.

وفي المقابل، تواجه ذلك النوع من المخططات مشكلة وحيدة تتمثّل في عدم قدرتها على امتصاص الكربون كما تدّعي. ومثلاً، يرتكز التشجير على مبدأ حماية الشتلات الصغيرة ورعايتها لعقود طويلة من الزمن، لكنّ هذه الحماية غير مكفولة لأنه يُمكن للسياسيين أو المطوّرين المستقبليين إرسال جرافاتهم لتدميرها.

وصحيح أنّ "آلية التنمية النّظيفة" للأمم المتحدة تعتبر واحدة من أكبر مخططات تعويض الكربون في العالم. وفي المقابل، يلفت "معهد الإيكولوجيا التطبيقية" إلى أن 85% من مشاريعها "غير قادرة نسبياً" على امتصاص الكميات الموعودة من الكربون.

واستطراداً، ثمة ضرورة لتحسين مشاريع تعويض الكربون كي تصبح أكثر فاعلية، إذا ما أردنا لأنفسنا الاستمرار في السفر وزراعة الأرض والتعويل على الصناعات الثقيلة، بحسب البروفسور بيرس فورستر من "جامعة ليدز". وأضاف، "على الرغم من أنّ عدداً من مخططات التعويض تؤدّي أعمالاً قيّمة كتطوير مصادر نظيفة للطاقة، إلا أنها لا تُسهم بالضّرورة في خفض الانبعاثات الغازية. لذا، وبدل أن نتخلّى عنها بالكامل، أقترح إرساء مخطط مدروس قادر على توفير الاستثمارات اللازمة لتطوير أنظمة تكنولوجية متينة تتعلق باحتجاز الكربون وتخزينه على نطاقٍ واسع".

في الوقت الحاضر، لا يلتزم سوى 1% من المسافرين بدفع أموال للتعويض عن انبعاثات الكربون الناتجة عن رحلاتهم، وفقاً لـ"اتحاد النّقل الجويّ الدّولي" ("إياتا"  IATA). وسوف يلزمنا أن نزيد تلك التّعويضات. والشيء الأكثر الأهم من ذلك يتمثّل في أن نُخفّض مصادر انبعاثات الكربون. ولتحقيق تلك الغاية، فإنّ جيل الرحلات الجوية الرخيصة مطالب بالتّخفيف من أسفاره، وعلى هاري وميغان الاستفادة من مكانتهما المتميّزة  كي يقودا الطريق.