ملخص
هل يفلت المتهمون بجرائم الحرب في إثيوبيا من العقاب؟
أصدرت اللجنة الدولية لخبراء حقوق الإنسان في شأن إثيوبيا (ICHREE) تقريرها النهائي، أمس السبت، الذي تضمن تفاصيل لصنوف الانتهاكات المرتكبة خلال الحرب التي استمرت عامين في إقليم تيغراي الإثيوبي، فضلاً عن إقليمي أمهرة وعفار في الفترة من 2020 إلى 2023 والصراع المستمر الآن في إقليم أوروميا.
وقالت اللجنة التي انتهت ولايتها بتقديم هذا التقرير، إن ثمة "حجماً مذهلاً من الانتهاكات والتجاوزات ارتكب من قبل جميع الأطراف".
وكشف التقرير الذي قدم للدورة 54 لمجلس حقوق الإنسان، تورط القوات الفيدرالية الإثيوبية والقوات الإريترية والميليشيات القومية المتحالفة معهما في "عمليات القتل الجماعي والاغتصاب المنهجي والعنف الجنسي على نطاق واسع"، إضافة إلى الاعتقالات التعسفية، ومزاعم وقوع انتهاكات أخرى، قالت اللجنة إنها "قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية".
وفي كلمته أمام المجلس، قال رئيس اللجنة محمد شاندي عثمان إن "حجم واستمرار العنف في إثيوبيا منذ 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 بلغ درجة عالية، بشكل لا يستوعبه التقرير"، مؤكداً أنه لا يعكس بشكل كامل الأضرار التي تعرض لها المدنيون في المناطق قيد التحقيق.
وأضاف عثمان أن اللجنة لم تكن تملك الوقت أو الموارد الكافية لاتخاذ قرار في شأن الإبادة الجماعية المحتملة أو جرائم الإبادة"، مشدداً على "الحاجة الماسة لإجراء تحقيقات أوسع لإثبات الحقائق والمحاسبة القانونية".
وأصدرت اللجنة تحذيراً شديد اللهجة بأن الطريق إلى العدالة يجب ألا ينتهي هنا، معبرة عن قلقها البالغ إزاء استمرار وجود القوات الإريترية في تيغراي، مؤكدة أن "انتهاكاتها قبل وبعد اتفاقات وقف إطلاق النار الأخير، تكشف عن أن الإفلات من العقاب يولد مزيداً من الفظائع".
وحث رئيس اللجنة، المجتمع الدولي على عدم نسيان ضحايا الصراع، داعياً إلى تعزيز مراقبة الظروف على الأرض والولاية القضائية العالمية للمحاكمات في الخارج، ومع وجود أخطار مثيرة للقلق بحدوث مزيد من الجرائم إذا تركت من دون رادع، مؤكداً "أن تقرير اللجنة النهائي يجب ألا يكون الكلمة الأخيرة، وأن العدالة والمساءلة أمران حيويان لتحقيق السلام المستدام.
البيروقراطية والعدل
وعلى رغم الحجج التي صاغتها اللجنة في التقرير، فإنها لم تنجح في تجديد ولايتها، إذ لم يحصل مشروع الاقتراح الخاص بتمديد ولاية اللجنة الدولية لخبراء حقوق الإنسان المعنية بإثيوبيا، على الدعم الكافي من أعضاء المجلس، رغم النداءات المتكررة من المنظمات الحقوقية التي طالبت بتمديد المدة لدورة أخرى.
وقبل الدورة الحالية لمجلس حقوق الإنسان أطلق أعضاء اللجنة نداءات في شأن ارتفاع الانتهاكات في غياب تحقيقات مستقلة، وأعربوا عن قلقهم العميق إزاء احتمال وقوع مزيد من الجرائم ضد المدنيين في ظل المناخ المضطرب في إثيوبيا.
وحظيت الدعوات بتأييد عدد من جماعات حقوق الإنسان الدولية، مؤكدين ثمة ضرورة لاتخاذ المجلس التابع للأمم المتحدة صلاحياته من أجل المساعدة في منع انتهاكات الحقوق والاستجابة لحالات الطوارئ، من خلال إعطاء فرصة للجنة الأممية استكمال أعمالها لدورة أخرى.
من جهتها قالت خبيرة اللجنة راديكا كوماراسوامي، إن الآمال في المساءلة المحلية "بعيدة للغاية"، مما يترك الضحايا في حاجة ماسة إلى تحرك إقليمي ودولي، واصفة توقف عمل اللجنة بأنه "ضربة كبيرة للضحايا". أضافت "كان من الضروري أن يستمر هذا العمل".
وانتقدت كوماراسوامي امتناع أعضاء المجلس عن التجديد للجنة، معتبرة أن "غلبة الإجراءات البيروقراطية على المبادئ الأساسية للعدل وضمان حق الضحايا، سيمنح فرصة للمتورطين في الانتهاكات للإفلات عن العقاب".
رفض إثيوبي
في المقابل، رفضت الحكومة الإثيوبية، تقرير لجنة حقوق الإنسان، واصفة إياه بأنه "غير مسؤول ومتهور"، وقالت أديس أبابا، في بيان وزعته بعثتها الدائمة لدى المجلس في جنيف إن التقرير "معيب ومبالغ فيه، ويعتمد على إفادات لا أساس لها من الصحة" مؤكدة أنها "ملتزمة تنفيذ اتفاق بريتوريا للسلام في ظل وساطة يقودها الاتحاد الأفريقي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال البيان الإثيوبي إن "الحكومة في المراحل النهائية من صياغة سياسة العدالة الانتقالية، لضمان المساءلة والعدالة، وكذلك الشروع في حوار وطني، من خلال لجان متخصصة في الشأن، إذ شرعت الدولة في تدابير جدية لمعالجة المظالم الماضية والحالية، وصياغة مستقبل سلمي لجميع الإثيوبيين".
وأضاف البيان أن أديس أبابا في حاجة إلى دعم المجتمع الدولي لإنجاح جهودها الساعية لتنفيذ اتفاق السلام، بما في ذلك دعم مشاريع إعادة تأهيل وإعمار المناطق المتضررة من الصراع.
رسائل خطأ
من جهته رأى المتخصص في الشأن التيغراوي، سلمون محاري "أن إنهاء عمل اللجنة الدولية لخبراء حقوق الإنسان في شأن إثيوبيا قد يبعث برسالة خطأ تجاه الجهات الرسمية، كما قد يطلق يدها في الحرب الدائرة الآن في إقليمي أمهرة وأوروميا".
وأضاف محاري أن اللجنة وثقت عدداً من الانتهاكات التي تحتاج إلى توسيع نطاق التحقيقات حولها، مؤكداً "أن عدم تجديد ولايتها يسهم في إضاعة حقوق الضحايا، وإفلات المتهمين من العقاب"، مشيراً إلى أن عمل اللجنة لم يكن قاصراً على الانتهاكات المتعلقة بحرب تيغراي، بل يمتد إلى المزاعم المتكررة حول الأوضاع الراهنة في إقليمي أمهرة وأروميا، بالتالي فإن المطالب الخاصة بالتمديد كانت منطقية.
ويرى المتخصص الإثيوبي أن إنهاء عمل اللجنة يخدم التوجه الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لمنح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وإدارته المتحالفة مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، فرصة لإعادة بناء الثقة"، منوهاً إلى أنه "ثمة حيلة يروج لها الطرفان المتهمان بالضلوع في الانتهاكات"، تتعلق بإمكانية تفكك إثيوبيا، في حال بقاء الصراع قائماً، حتى في مستواه القانوني، وأن ثمة ضرورة لطي الصفحة لضمان وحدة البلاد.
وأشار محاري إلى أن هذه الخطة تضمن مروراً آمناً لطرفي السلطة، فضلاً عن النظام الإريتري الذي طالما روج لسيناريو التفكك، مؤكداً أن "التقرير الأخير، الذي تزامن مع التدابير التي اتخذتها حكومة تيغراي الموقتة، لإعلان أسماء ضحايا الحرب، سيترك جروحاً غائرة لدى أهالي الضحايا".
على خطى التقرير
بدوره، قال مفوض المفوضية العليا لحقوق الإنسان الإثيوبية دانييل بيكيلي، إن إنهاء مهمة عمل اللجنة الدولية مرتبط بالمدة القانونية الممنوحة لها من قبل المجلس، نافياً أن يكون هناك أي سبب سياسي خلف الأمر.
وجدد بيكيلي تعهد المفوضية الإثيوبية لحقوق الإنسان، بالعمل جدياً في التحقيقات، لا سيما تلك التي تضمنها التقرير الدولي، والتوسع بشكل أكبر حول الإفادات الواردة فيه ومقاربتها بالوقائع.
وكشف دانييل في إفادته للصحافة المحلية "أن هناك عدداً من القضايا المثيرة للقلق" بخاصة في تداعيات الحملة العسكرية في إقليم أمهرة، إذ من المتوقع أن يكون له عواقب على حقوق الإنسان، مشيراً إلى أن مفوضيته تتابع الأمر من كثب.
وأكد المفوض الحقوقي أن "الخطوات الأمنية المتخذة في منطقة أمهرة، تسببت في مقتل مدنيين وتدمير ممتلكات وتشريد الناس"، مضيفاً "استناداً إلى المعلومات المتاحة حتى الآن، ومن منظور حقوق الإنسان، فإن الوضع مزعج للغاية"، مشدداً أنه "يجب على البرلمان أن يحث الحكومة على الفور، للاهتمام بأهمية المناقشة والحل السلمي قبل أن تسوء الأوضاع أكثر من ذلك".