Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل الرسوم الكاريكاتيرية السياسية قاسية إلى حد يتعذر تحملها؟

يطرح كاريكاتير بنيامين نتنياهو الذي أنهى المسيرة المهنية لرسام الكاريكاتير ستيف بيل الذي كان يعمل معنا في ما مضى عديداً من الأسئلة، هل كان معادياً للسامية؟ هل كان مجرد كاريكاتير ساخراً؟ هل كان جارحاً؟

"هل في وسعي تقديم العون؟" ديلي ميرور، 3 يناير 1942 بواسطة فيليب زيك (ميرور بكس/غيتي)

ملخص

 يطرح كاريكاتير بنيامين نتنياهو الذي أنهى المسيرة المهنية لرسام الكاريكاتير ستيف بيل الذي كان يعمل معنا في ما مضى عديداً من الأسئلة، هل كان معادياً للسامية؟ هل كان مجرد كاريكاتير ساخراً؟ هل كان جارحاً؟ والسؤال الأهم: هل أصبح الحق في عدم التعرض للاستفزاز يتفوق على الحق في الاستفزاز؟: السخرية في عصر الحساسية: هل الرسوم الكاريكاتيرية السياسية قاسية جداً إلى درجة لا يمكن تحملها؟

تخيل أن يكون لديك وظيفة تقتضي التسبب المتعمد في الاستفزاز، تخيل أن عملك يقتضي السخرية من الآخرين والتقليل من شأنهم ونقدهم بعنف وإهانتهم بشكل عام. جميعنا يتحاشى مثل هؤلاء الأشخاص الحانقين وغير الأسوياء، أليس كذلك؟

لكن ليس إذا كانوا رسامي كاريكاتير، فقد نضحك معهم، اللهم إلا إذا كنا غير محظوظين بما يكفي لنكون في مرمى نيرانهم. قد نستمتع بما يسببونه من إقلاق لراحة أحدهم، حتى إنهم قد ينجحون في إعادة صياغة رؤيتنا لشخص أو مشكلة ما.

من ناحية أخرى، قد نشعر بالانزعاج، وقد نعتقد أن الطرفة كانت ركيكة أو أنهم بالغوا فيها، وقد نعتبر رسماً معيناً بلا ذوق إلى أقصى حد، وربما تدفعنا السخرية إلى رد فعل متطرف – بل قاتل.

وبعبارة أخرى، فإن رسام الكاريكاتير يمشي على حبل مشدود.

أحد رسامي الكاريكاتير العظماء في عصرنا، ستيف بيل، سقط للتو من على الحبل المشدود، وقد أنهي عقده مع صحيفة الغارديان –صحيفته وصحيفتي القديمة- فجأة بعد أن نشر على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) رسماً كاريكاتيرياً لبنيامين نتنياهو رفضه محررو الصحيفة.

يقول بيل، إنه لم يبلغ بصورة مباشرة بأن رسمه الكاريكاتيري اعتبر معادياً للسامية (كان الرسم إشارة إلى تصوير ديفيد ليفين عام 1966 لليندون جونسون في مجلة نيويورك ريفيو أوف بوكس)، ولكن كان هناك كثر على تويتر/إكس ممن اعتقدوا أنه كان كذلك – وبنفس القدر، كان هناك عديد ممن كانت لهم وجهة نظر مغايرة.

سيكون من غير اللائق مني، بصفتي محرراً سابقاً، أن أقدم رأياً في الواقعة. كذلك كان زميله القديم، مارتن روزون، قد هوى عن الحبل المشدود في وقت سابق من هذا العام بسبب رسم كاريكاتيري تضمن تصويراً لرئيس هيئة الإذاعة البريطانية آنذاك، ريتشارد شارب، صدم كثيرين اعتبروا أنه وظف استعارات معادية للسامية. كان من السهل أن نرى لماذا تسبب الرسم في مثل هذا الانزعاج، غير أن رواية روزون -الشخصية التي بيّن فيها عدم وجود إساءة مقصودة، قابلة للتصديق أيضاً.

 "إن ما على المحك هنا هو تقليدنا البريطاني في السخرية"، كتب محرر ذي سبكتاتور Spectator، فريزر نيلسون، الذي وعلى رغم تمايزه عن ميول بيل السياسية، فقد دافع عنه. أتساءل عما إذا كان على حق في كون هذا التقليد مهدداً اليوم. 

ليس من الجديد أن تسبب الرسوم الكاريكاتيرية كثيراً من الإساءة، دعكم من الفظاظة المتعمدة لوليام هوغارث أو جيمس غيلراي في القرنين 18 و19. سبق وأن توسل شخص بأهمية وزير الخارجية اللورد هاليفاكس، ديفيد لو، الذي يجوز القول إنه كان أعظم رسامي الكاريكاتير في القرن 20، أن يقلل من حدة انتقاده لأدولف هتلر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد استذكر لو لاحقاً غداء في عام 1937 أخبره فيه هاليفاكس بالإزعاج الذي تسببت فيه رسومه: "في كل أسبوع كان هتلر يخرج رسومي الكاريكاتيرية ويضعها على مكتبه أمامه لينتهي دوماً إلى نوبة غضب"، قال له هاليفاكس.

"كان [هتلر] حانقاً بشدة، لقد جرحت كبرياؤه بشدة. لذلك طلب مني وزير الخارجية تخفيف انتقادي... حتى تتاح فرصة أفضل لإقامة علاقات ودية. أوضح لي وزير الخارجية أنني كنت عاملاً يتعارض مع السلام".

أو لنأخذ فيليب زيك، الذي أغضبت رسومه الكاريكاتيرية في زمن الحرب ونستون تشرشل لدرجة أن حكومته فكرت في إطلاق ملاحقة جنائية على خلفية ما اعتبرته شكلاً من أشكال إثارة الفتنة.

أصر زيك على أن أحد رسومه الكاريكاتيرية الذي كان بعنوان  -سعر البنزين قد ارتفع– قد أسيء فهمه تماماً، وهو نفس الادعاء الذي سيقدمه راوسون وبيل بعد 80 عاما تقريباً. ومع ذلك، أمر تشرشل جهاز الاستخبارات البريطاني MI5 بالتحقيق في خلفية زيك (كان في الواقع يهودياً يسارياً من ثم معادياً للفاشية بإخلاص) وفكرت الحكومة بجدية في إغلاق ذا ميرور بموجب سلطات وقت الحرب.

في زمن أحدث، التقيت قبل بضع سنوات في كينيا أعظم رسام كاريكاتير في أفريقيا، غادو الذي أغضب تقريباً كل سياسي رسم كاريكاتيراً له. كان الرئيس أوهورو كينياتا، نجل الرئيس المؤسس، جومو حديث السن وعديم الخبرة عندما تولى منصبه لدرجة أن غادو دأب على رسمه وهو يرتدي حفاضة ويمسك بقنينة حليب. عندما وجهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات ضد كينياتا (سحبت لاحقاً)، أضاف غادو سلسلة قيد مربوطة بكرة معدنية يقيد بها السجناء. كان كينياتا –مثل هتلر وتشرشل– غاضباً على الدوام.

وقد أدرك غادو أنه يمشي على حبل مشدود. وبالتأكيد، لم يمض وقت طويل قبل أن يكلفه رسم كاريكاتيري آخر –ظهر فيه الرئيس التنزاني آنذاك جاكايا كيكويتي– وظيفته.

في السنوات الأخيرة، فقد رسامو الكاريكاتير أكثر من وظائفهم –تذكروا الهجوم القاتل عام 2015 على فريق التحرير في المجلة الفرنسية الساخرة شارلي إبدو، الذي أسفر عن مقتل عشرات الموظفين رداً على الرسوم الكاريكاتيرية التي تسخر من الإسلام وتصور النبي.

إذا لم يقتلك البشر أو يلغوك، فالخوارزمية لك بالمرصاد. أمر مجلس الرقابة المستقل الذي أنشأته شركة ميتا، وأنا عضو فيه، الشركة بإعادة منشور كانت قد أزالته. كان المنشور مزحة عن الإبادة الجماعية للأرمن. 

قد تظنون أنه لا توجد نكات يمكن سردها عن الإبادة الجماعية، لكنهم قالوا الشيء نفسه عندما ابتكر جوناثان سويفت عدداً من الوصفات للطهي وأكل الأطفال للمساعدة في حل المشكلات الاقتصادية للإيرلنديين في عام 1729. ليست السخرية محط ترحيب الجميع، ولكن يبدو من العار إلغاؤها بالنسبة لبضعة مليارات من الناس لأنها قد تتعارض (وقد لا تتعارض) مع "معايير المجتمع في شأن المحتوى الفظ وغير الحساس" لإحدى شركات وسائل التواصل الاجتماعي.

هل كان غلاف مجلة برايفت أي لهذا الأسبوع (الذي سخر مما رأت المجلة أنه نفاق لإسرائيل) تجرؤ على السخرية أو معاداة السامية بلا ذوق؟ ستجد كلا الرأيين مدعوماً بقوة على تويتر/إكس. ولحسن الحظ فإن الشخص الوحيد الذي يمكنه إقالة محررها، إيان هيسلوب، هو إيان هيسلوب – لذلك تخميني الجامح هو أنه سيبقى في منصبه.

"هيسلوب" و"بيل" و"غادو" و"راوسون"، سامحوني على قول ذلك، كلهم متقدمون في السن إلى حد ما. هل سيولد جيل أصغر سناً ألطف وأكثر رفقاً من الموظفين المتلهفين للتسلق على حبل السخرية الزلق، بكل ما فيه من خطر وانعدام للأمان؟

هل نحيا اليوم في عصر يتفوق فيه الحق في عدم التعرض للإهانة على الحق في الإساءة؟ هل تبدو السخرية من شخوص الحياة العامة فظاظة لا داعي لها؟

أنا أيضاً أتقدم في العمر، لكنني سعيد لأنني كنت عشت في عصر ازدهرت فيه السخرية وكانت محط احترام أيضاً، وكذلك موضع تنديد أحياناً.

أحب فكرة رسام كاريكاتير صحيفة إيفننغ ستاندر المتواضع الذي يغيظ هتلر. يمكن أن تضل النكات طريقها بالفعل –ولكن عندما تبلغ مرادها، يمكنها أن تسدد لكمة حدها أمضى من حدود ألف كلمة أو يزيد.

استقال الفنان الساخر الأميركي توم ليرر عندما منح أحد أهدافه المعتادة هنري كيسنجر (الذي قصف فيتنام وكمبوديا)، جائزة نوبل للسلام لعام 1973. وقد علق بعد 30 عاماً قائلاً: "الأشياء التي اعتقدت يوماً أنها مضحكة، صارت مخيفة الآن. غالباً ما يساورني شعور وكأنني أحد سكان بومبيا وطلب مني بعض التعليقات الفكاهية على الحمم البركانية ".

يبلغ ليرر من العمر الآن 95 عاماً، وكم أتمنى لو أنه خرج من التقاعد.

ألان رسبريدجر، المحرر السابق لصحيفة الغارديان ومحرر مجلة بروسبكت

© The Independent

المزيد من تحلیل