ملخص
عشرات الصحافيين الإثيوبيين سجنوا لفترات مختلفة وتعرض بعضهم إلى الاعتقال خارج الرقابة القضائية مما دفع بعضهم إلى مغادرة البلاد
أصدرت "لجنة حماية الصحافيين" الدولية تقريراً عن حرية التعبير والحياة الصحافية في إثيوبيا، أعربت فيه عن قلقها العميق إزاء الاعتقالات المتكررة للصحافيين، بخاصة بعد إعلان حالة الطوارئ في إقليم الأمهرة الذي يشهد صراعاً مسلحاً بين الجيش النظامي وميليشيا "الفانو".
وقالت اللجنة إن عدداً من الصحافيين اقتيدوا إلى مناطق اعتقال لا تخضع للمراقبة القضائية، مشيرة إلى عدد من الانتهاكات المتعلقة بحرية التعبير وتعريض حياة الصحافيين للخطر.
وذكرت أن "أباي زيودو، رئيس تحرير مركز إعلامي، وييدنكاتشو كيبيدي، مؤسس ورئيس تحرير إحدى القنوات، وفيكادو مهتيمورك، رئيس تحرير إحدى المجلات، تم اعتقالهم بين أواخر أغسطس (آب) وأوائل سبتمبر (أيلول) الماضي".
واعتمد تقرير اللجنة على تقارير محلية من بينها، إعلان "مجلس الإعلام الإثيوبي" الصادر الأسبوع الماضي، الذي أشار بوضوح إلى أن "إعلان حالة الطوارئ لا ينبغي أن يطلق يد الحكومة لاعتقال الصحافيين الذين يؤدون مهماتهم، إلا وفق ما ينص عليه قانون المطبوعات وبنود الدستور الفيدرالي"، وأشار إلى أن "الفشل في تطبيق القانون يشوه صورة البلاد الدولية".
ويؤكد بيان اللجنة الدولية أن "الصحافيين المعتقلين غالباً ما يقبعون في السجن لأشهر عدة من دون توجيه اتهامات رسمية لهم، بينما تحاول السلطات قمع التغطية الناقدة". ويؤكد المدافعون عن حرية الصحافة أن "هذه الانتهاكات تشير إلى أن دافع الحكومة وراء هذه الاعتقالات قد ينبع من عدم الرضا عن وجهات نظر صحافية معينة، وليس لأنها ذات صلة بتحريك الأحداث السياسية أو التورط في أية أنشطة ذات شبهة إجرامية".
وبحسب تقرير لجنة حماية الصحافيين، فإن "هذه البيئة القمعية أدت إلى اتجاه مثير للقلق، إذ يشعر الصحافيون وخبراء الإعلام بأنهم مجبرون على طلب اللجوء في الخارج، ليس فقط من أجل سلامتهم ولكن أيضاً لحماية أسرهم".
إرهاب الأقلام
بدوره يرى الناشط الإثيوبي في شأن حرية الصحافة بنيام كاسا "أن ثمة إسرافاً كبيراً في استخدام قانون الطوارئ بغرض قمع حرية التعبير"، ويضيف "أن هذا الإسراف قد يبلغ إلى حد اتهام الصحافيين بالإرهاب، إذ إن عدم إبداء الحد الأقصى من التأييد لحملات الحكومة العسكرية والدعائية، يفسر باعتباره دعماً للجهات المعارضة التي تحارب النظام، التي تصنف كمنظمات إرهابية في عرف النظام القائم".
ويؤكد كاسا "على رغم الوعود الكبرى التي أطلقها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في بداية عهده بالانفتاح على المعارضة وحماية الحريات، بما فيها حرية التعبير والصحافة، ثمة نكوص سجلت منذ اندلاع حرب تيغراي الأخيرة".
لافتاً إلى "عشرات الصحافيين الذين سجنوا لفترات مختلفة، وتعرض بعضهم للاعتقال خارج الرقابة القضائية، مما دفع بعضهم لمغادرة البلاد".
ومن بين الصحافيين الذين اتهموا بالإرهاب، يذكر كاسا الصحافي ومؤسس أحد المواقع، تيودروس أسفاو، الذي اختار المنفى، وذلك بعد اتهامه بالإرهاب وسجنه ثم إطلاق سراحه.
وكشف تيدروس في حوار لأحد المواقع الإخبارية الإثيوبية أن "المضايقات الحكومية" هي السبب الرئيس لقراره، وأن "الاعتقالات المتكررة والمضايقات التي لاحقته بسبب مهنته دفعته للفرار".
وأعرب في الوقت ذاته عن رغبته القوية في العودة وممارسة مهنته في بلاده، في ظل ظروف سياسية وقانونية تتيح تطبيق الدستور الفيدرالي الذي ينص على حرية التعبير والاعتقاد.
وأشار أن "التهديدات والإجراءات التي تتخذها الحكومة ضد الصحافيين لا تقتصر عليهم، بل تشمل أيضاً عائلاتهم، مما يدفعهم للبحث عن الأمان في الخارج"، كاشفاً عما تعرضت له زوجته عنات المياهو خلال العامين الماضيين، إذ "دهمت قوات الأمن منزلها مراراً، كما أن المراقبة الأمنية المستمرة لمحيط المنزل أثر على حالها النفسية، لا سيما في فترات حملها"، عازياً ذلك إلى عمله الصحافي.
وأكد تيدروس "مع إقراري بأن المنفى ليس الحل الأمثل، إلا أن غياب الضمانات لبقائي حراً وحياً في بلادي اضطرني إلى الخروج، في حين لا تزال عائلتي تعاني الأمرين".
ويرفض تيدروس الاتهامات المتعلقة بالإرهاب، مؤكداً أنه لا يملك أي سلاح سوى القلم، وأن التهم الموجهة إليه كافة تعد "كيدية وتعسفية"، تتعلق بمواقفه الناقدة لتوجهات النظام القائم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اتهامات موازية
من جهتها تؤكد الصحافية ملكام سو أن "الأجهزة الأمنية الإثيوبية أضحت تلجأ إلى حيل جديدة من أجل إسكات الصحافيين، لعل أهمها سجنهم بعد توجيه اتهامات لا علاقة لها بعملهم الصحافي، من قبيل الجنح الجنائية، وذلك لتجنب الحملات الإعلامية المطالبة بإطلاق سراحهم، سواء من نقابات المهن الصحافية المحلية أو الجمعيات الدولية المدافعة عن حرية التعبير، مما يحد من قدرة هذه المؤسسات على المساهمة في إطلاق سراحهم"، إذ "يتم تبرير الاعتقال بأنه عائد إلى متابعات قضائية لا علاقة لها بمهنتهم بها، في حين أن أغلب تلك التهم ملفقة"، بحسب ملكام سو.
وتؤكد ملكام أن "أغلب المتابعات القضائية تمعن في كيل تهم ثقيلة كالإرهاب والاحتيال والدعوة للعنف، والانقلاب على النظام السياسي".
وتنوه إلى أن الناشطين في المؤسسات المدافعة عن حقوق الصحافيين أيضاً أضحوا عرضة لهذه الملاحقات، مشيرة إلى حال الناشط داويت بيغاشو، أحد مؤسسي جمعية حقوق الصحافيين الإثيوبيين ورئيس العلاقات العامة فيها الذي لا يزال في السجن، وأعلنت أن عديداً من الموسسات الإعلامية اضطرت إلى الإغلاق، مما ترك شعوراً بالخوف بين أولئك الذين ما زالوا يمارسون مهنة الصحافة، إذ إن الرقابة الذاتية أضحت أكثر قسوة من الرقابة الحكومية، وذلك نتيجة لمناخ التضييق.
الاستقطاب السياسي
بدوره يرى الأستاذ المحاضر في كلية الصحافة والاتصال بجامعة أديس أبابا مايكل أندنقاتشو أن الوضع السياسي المأزوم والتضييق المستمر على الصحافيين، قلص الحريات الصحافية بشكل مقلق، معتبراً أن البلاد تراجعت كثيراً في التصنيف العالمي لحرية الصحافة.
وأضاف "لقد أصبح الحصول على المعلومات الموثوقة مهمة شاقة"، مؤكداً أن ثمة وسائل عدة تتخذها الحكومة تتراوح بين "الترهيب والترغيب"، مما أوقع المهنة في فخاخ الاستقطابات السياسية، إذ "دفعت بعض وسائل الإعلام إلى خدمة أجندات سياسية، مما أدى إلى شكوك عامة وتقلصت الثقة الشعبية تجاه عديد من وسائل الإعلام الخاصة"، منوهاً إلى أن "الضغوط المتزايدة أضحت تؤثر حتى في بعض الصحافيين المنفيين، سواء في تأييدهم أو معارضتهم للنظام، إذ تحولوا نحو النشاط السياسي بدلاً من تقديم خدمة إعلامية تتصف بالموضوعية. وبات هذا التحول يخلق مخاوف كبيرة داخل مجتمع الصحافة، مما يشير إلى أزمة مركبة للمهنة".
ويرى مايكل أن الضغوط السياسية والتأثيرات الأيديولوجية وأجندات الشخصيات الرسمية والداعمين الماليين، قد تحد من نطاق الصحافة وتحولها عن دورها المدني الأساسي.
ويشير إلى وجود عديد من المؤسسات الإعلامية التي تعمل تحت رعاية جهات سياسية محددة أو شخصيات أعمال مؤثرة، سواء بشكل صريح أو ضمني، ما قد يؤثر في جودة التعليم، وخصوصاً الخريجين الذين غالباً ما ينحرفون عن تدريبهم الأكاديمي وينتجون محتوى متأثراً بأجندات سياسية.
وأضاف "هذا يشير إلى عوامل خارجية وليس إلى نقص في المعرفة أو المهارات"، مؤكداً أنه خلال فترات الاضطرابات السياسية بشكل خاص، يفضل عديد من وسائل الإعلام الانخراط في ترديد السرديات الحكومية بدلاً من تقديم سردية مستقلة وغير منحازة. وأشار إلى أن واقع التضييق ربما يجبر وسائل الإعلام على التعامل بحذر، وتجنب المواضيع السياسية الحساسة.
وأكد أنه "في ظل تصاعد التطرف السياسي فسيواجه الصحافيون المهنيون الذين يسعون إلى الحفاظ على التوازن التحليلي والاستقلال تهميشاً متزايداً".
ويسجل خبير الإعلام الإثيوبي توجهاً مثيراً للاهتمام لوحظ في قطاع الإعلام في الآونة الأخيرة، وهو إعطاء الأولوية للمحتوى الترفيهي من عديد من وسائل الإعلام المحلية، على حساب التغطية الاجتماعية والسياسية المتعمقة، وتلجأ بعض القنوات والصحف إلى هذا الإجراء الآمن عوض تعريض نفسها للمساءلة والمتابعات الأمنية.
"استقطاب سياسي"
بدورها، تنفي الحكومة الإثيوبية، تعمدها اتخاذ أي إجراءات لقمع حرية الصحافة، معتبرة أن الصحافيين الذين أوقفوا متهمون بتجاوزات من بينها ممارسة العمل السياسي عبر المنابر الإعلامية، والمشاركة في حملات "تأليب الرأي العام والتحريض على العنف".
وبرأي جيتشاو بقلي، عضو المجلس الأعلى للإعلام المرئي، "في ظل حالة الطوارئ المعلنة، يتيح القانون للجهات الحكومية توقيف كل صحافي يشارك في حملات الاستقطاب السياسي والدعوة للعنف أو الترويج له".
المتحدث الذي أعلن أن مجلسه يتابع المحتوى الإعلامي، ومدى مطابقته للقوانين، ومدونة الأخلاق المهنية، ويؤكد أن عدداً من الصحافيين وصانعي الرأي العام أصبحوا جزءاً من حملات الاستقطاب الحاد، الذي يسهم بشكل مباشر في "التحريض الممنهج".
ويوضح أن مجلسه لطالما دعا الإعلاميين إلى تحري الدقة في نشر الأخبار، وضرورة التقيد بروح القانون والمدونة الأخلاقية لممارسة المهنة، كما يدعو المؤسسات الأمنية إلى عدم إبقاء أي صحافي تحت الاعتقال من دون إحالته للقضاء بتهم واضحة.
وينوه إلى أن دور مؤسسته يعد بمثابة "همزة وصل بين المؤسسات الإعلامية وتلك الرسمية".
وانتقد جيتاشو التقارير الدولية التي تصدر بين فينة وأخرى حول الوضع الصحافي في إثيوبيا، إذ إنها (حسب رأيه) لا تعتمد على معلومات وافية عن الحالة الراهنة، بل تبني مواقفها طبقاً للمعلومات المتداولة حول توقيف الصحافيين من دون العودة بشكل منصف إلى أسباب التوقيفات والوضع المهني .