Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حروب الغواصات... جحيم تحت الماء

تساؤلات حول كفاءة الغواصات الأميركية بعد أعطال أصابتها وحوادث وقعت بها والروس يدفعون وحشهم النووي إلى البحار

غواصة نووية أميركية خلال تدريبات عسكرية في 28 فبراير 2022 (أ ف ب)

ملخص

لماذا عادت الجيوش للاهتمام بالغواصات النووية بنوع خاص؟ كيف للغرب أن يواجه "يوم القيامة" الروسية؟

هل دخل العالم مرحلة جديدة من مراحل الحروب تحت الماء؟ المؤكد أن ذلك كذلك، سيما في ضوء الاهتمام الكبير للترسانات العسكرية الكبرى، كما الحال في الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية والصين، ببناء مزيد من الغواصات المثيرة والخطرة، التي تجاوزت فكرة الغواصات التقليدية إلى النووية، ثم انتقل المشهد إلى نوعية جديدة محدثة، ربما أكثر فتكاً، وغير مأهولة بالبشر.

آمنت القوى القطبية الكبرى منذ زمان وزمانين، بأن من يتسيد البحار ستكون له الكلمة الأخيرة في أي نزاع عسكري حول العالم، وكأن هناك من استلهم دروس الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغرب عنها الشمس، حيث جاءت سيطرتها على البحار في العالم القديم، لتكفل لها هيمنة لقرون عدة.

تعلم الأميركيون الدرس مبكراً، ولهذا فإنهم موقنون بأن سيطرتهم على البحار والمحيطات أمر يكفل لهم ضمان النفوذ القطبي الدولي، مرة وإلى حين ظهور منازع دولي جديد.

 هذا المنازع لم يعد روسيا الاتحادية، على رغم ما تمتلكه من غواصات تهدد أميركا في صحوها ومنامها، ومنها ما يحمل أسماء لها دلالات في هذا السياق، كما الحال مع "غواصة يوم القيامة"، بل المنازع الحقيقي هو الصين، إذ تأتي في المرتبة الأولى من حيث امتلاك القطع البحرية فوق المياه، وربما مع نهاية العقد الحالي، تكون قد بلغت شأواً عالياً في مجال الغواصات المحدثة تحت البحار.

ما قصة الغواصات؟ كيف عرف الإنسان طريقه إليها؟ ولماذا باتت لها هذه الأهمية في الحروب الحديثة؟ وأي الدول التي تمتلك ترسانات متميزة منها ما يسمح لها بتهديد بقية دول العالم؟ وكثير من التساؤلات التي نحاول أن نقدم عنها إجابات في هذه القراءة، من دون تطويل ممل أو اختصار مخل.

تاريخ قديم

يمتد تاريخ الغواصات إلى تاريخ المساعي البشرية بأكمله، إذ سعت البشرية منذ الحضارة المبكرة إلى الاستكشاف والسفر تحت سطح البحر. استخدمت الإنسانية مجموعة متنوعة من الأساليب للسفر تحت الماء للاستكشاف والاستجمام والبحث والحرب بشكل كبير، في حين أن المحاولات المبكرة، مثل تلك التي قام بها الإسكندر الأكبر كانت بدائية.

يعتقد أن أول غواصة صممت في التاريخ وجدت عام 1620 على يد الهولندي فون دريبل، حين صمم غواصة صغيرة لها 12 مجدافاً غاصت في نهر التايمز على عمق 3.5- 4.5 متر وسارت لمدة 15 ساعة.

غير أنه لاحقاً طفا على السطح اسم جون فيليب هولاند، المهندس الإيرلندي (1840- 1914) الذي طور أول غواصة بحرية وقدمها للبحرية الأميركية للنظر فيها، كما طور أول غواصة بحرية ملكية هولندية.

في عام 1776 قام الأميركي ديفيد بوشنيل ببناء غواصة صغيرة مصنوعة من البلوط بيضوية الشكل لها ذراع تقوم بتشغيل محرك لولبي وأسماها السلحفاة استخدمت أثناء الحرب الأهلية الأميركية.

ويعتقد أن المسلمين هم أول من أطلق طوربيداً من غواصة تحت الماء في الغواصة العثمانية عبدالحميد، وهي أول غواصة في العالم تطلق طوربيداً مباشرة من تحت سطح الماء، وكان اسمها أولاً "تحت البحر"، وأدخلت ضمن أسطول العثمانيين الحربي، وكانت هذه أول مرة يستخدم فيها العثمانيون الغواصة، وقد صنعت عام 1711 في عهد السلطان أحمد الثالث، وأشرف على صناعتها كبير مهندسي مصنع السفن العثماني إبراهيم أفندي.

أما الغواصة الحديثة، فقد ظهرت عندما أمكن تجهيز القوارب بمحرك كهربائي، وبإضافة الجهاز الذي صممه السويدي ثورستين نوردنفلت إلى المحرك الكهربائي، وهو يعمل على قذف الطوربيد داخل السفينة، أصبحت الغواصة سلاحاً مؤثراً، وقد سميت هذه الغواصة "هولند" وأنزلت في ميناء مدينة إليزابيث بولاية نيوجيرسي عام 1897، وسارت فوق الماء بآلة تعمل بالغازولين، وكانت عندما تغوص تعمل بمحركات كهربائية، تغذيها بطاريات في مجاميع، وقد تم استبدالها لاحقاً بآلة الديزل بسبب قابلية الغازولين للاشتعال.

حروب الغواصات

يمكن التأصيل لحرب الغواصات من عند الحرب الأهلية الأميركية (1861-1865)، فقد كانت فترة الستينيات من القرن الـ19 وقتاً لعديد من نقاط التحول في هيكلية البحرية الأميركية، فقد تم تطوير عديد من أنواع السفن الحربية الجديدة لاستخدامها في الولايات المتحدة  الأميركية  وأسطول الكونفيدرالية.

كانت الغواصات المائية من بين السفن التي أنشئت حديثاً، وقد حدثت أول عملية إغراق لسفينة من سفن العدو من غواصة في 17 فبراير (شباط) 1864، عندما أغرقت الغواصة الكونفيدرالية "هونلي" السفينة "هوستيناك" في ميناء تشارلستون في ساوث كارولينا، بعد ذلك فقدت الغواصة "هونلي" وفقد طاقمها المكون من ثمانية أفراد.

بالوصول إلى الحرب العالمية الأولى، بدت حرب الغواصات واضحة فقد كانت في المقام الأول معارك بين الغواصات الألمانية والهنغارية النمسوية، ضد قوافل الإمداد المتجهة إلى المملكة المتحدة وفرنسا وروسيا.

ومع الوصول إلى الحرب العالمية الثانية، كانت غواصات الحلفاء والمحور قد حققت تقدماً تقنياً عالياً، لا سيما الألمانية منها، وقسمت حرب الغواصات إلى منطقتين رئيستين: المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ.

عرف تاريخ حروب الغواصات أسماء قادة بحريين كبار ومهرة، كان من بين هؤلاء الأدميرال إريك رايدر وزميله أوتو مريتشر، وقد كان رايدر أنجح قائد غواصات ألماني، إذ قدر له إرهاب بل وإرعاب بحرية الحلفاء، الأمر الذي كان له كبير الأثر في دفع الولايات المتحدة الأميركية إلى الدخول في الحرب إلى جانب الحلفاء.

بدت حرب الغواصات في الحرب العالمية الثانية بعد دخول الولايات المتحدة ذات طابع مختلف، ففي المحيط الهادئ انعكس الوضع حيث كانت الغواصات الأميركية تتعقب الشحن البحري الياباني، وبحلول نهاية الحرب كانت الغواصات الأميركية قد دمرت أكثر من نصف جميع السفن التجارية اليابانية.

ظلت الغواصات اليابانية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية نافذة وفاعلة، وقد أجبرت الأسطول البريطاني على الانسحاب إلى الساحل الشرقي لأفريقيا، ما يعني أنها كانت ذات قدرات نارية مخيفة، فيما بعض الغواصات الألمانية والإيطالية عملت في المحيط الهندي، لكنها لم تكن كافية للعب دور مهم هناك.

 

 

تعد الحقبة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية مختلفة اختلافاً رئيساً، إذ لم تحدث مواجهات بين غواصات الدول الكبرى، وربما السبب أنه لم تجر المقادير بحرب كبرى، وإن شاهدنا بعض الملامح لدور الغواصات في الحروب مثل الحرب الكورية والحرب الهندية الباكستانية عام 1971، وحرب فوكلاند التي استخدم فيها عدد محدود من الغواصات، سواء من جانب بريطانيا أو الأرجنتين.

 ومع بدايات الألفية الجديدة، تابع العالم قصفات صاروخية من غواصات، أطلق البعض منها على أفغانستان، والبعض الآخر على العراق، كما لعبت الغواصات دوراً واضحاً خلال الحرب الباردة، فقد كانت بمثابة العيون التي تراقب الآخر من تحت المياه، غير أن التحول إلى الغواصات النووية، جعل منها جيوشاً سائرة ودائرة تحت مياه المحيطات وبقدرات نيران مخيفة للقاصي والداني.

ما بين غواصات الديزل والنووية

ربما يتساءل القارئ لهذه السطور عن الهدف الرئيس من الغواصات وكيف تعمل وما هي أنواعها؟

يمكن من دون الدخول في عمق السرديات العسكرية القول، إن الغواصات تمثل أحد أخطر الأسلحة الهجومية في العالم، لأن الطوربيدات التي تحملها يمكن أن تشعل جحيماً على شواطئ العدو، بينما تستطيع صواريخها إحراق مدن بأكملها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الغواصات تنقسم إلى قسمين، الأول التقليدي، وهي الغواصات التي تعمل بالديزل، وتكون قدرتها في البقاء تحت الماء محدودة، لكن محركاتها تكون هادئة بصورة تجعلها أكثر قدرة على التخفي من الغواصات النووية.

أما القسم الثاني النووي، وتستخدم فيها مفاعلات نووية صغيرة لتشغيل محركاتها ما يمنحها قدرة غير محدودة على البقاء تحت الماء تصل إلى بضعة أشهر، لكن بصمة الصوت الخاصة بها تكون أعلى من غواصات الديزل.

وعلى رغم امتلاك كثير من الدول للغواصات العسكرية، إلا أن غالبية ما تملكه تلك الدول هي غواصات ديزل- كهربائية، بينما ينحصر عدد الدول التي تمتلك الغواصات النووية بـست دول فقط.

الغواصات النووية

عام 1954 أدخلت البحرية الأميركية في خدمتها أول غواصة تعمل بالقدرة النووية، وأطلق عليها اسم "نوتيلوس". بعد ذلك بنحو ثلاثة عقود صنعت الولايات المتحدة أول جيل من الغواصات أوهايو، التي تعد أكبر وأقوى الغواصات التي بنتها الولايات المتحدة حتى الآن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم تكن الغواصات النووية حصراً على أميركا فحسب، فقد دخلت أول غواصة نووية في الخدمة الفعلية للبحرية البريطانية في 1963، وهي الغواصة "أتش أم أس".

وبالطبيعة يمكن القول إن الاتحاد السوفياتي كان بدوره قد عرف طريقه للغواصات النووية، فقبل تفككه عام 1991، كان يمتلك أكبر غواصات تحمل صواريخ باليستية حجماً، وقد امتلك أسطولاً منها وصل عددها إلى 319 غواصة.

لعله حتى ثلاثة عقود لم تكن الصين قريبة من عالم الغواصات النووية، لكنها اليوم تبدو فاعلة في كل الأحوال.

الصين تتجاوز أميركا

هل تجاوزت غواصات الصين نظيرتها الأميركية من حيث العدد أول الأمر؟

خلال يوليو (تموز) الماضي، كشفت خدمة أبحاث الكونغرس بيانات تتعلق بحال ومآل القوات البحرية الأميركية، ومنها أن 37 في المئة من أسطول الغواصات المائية الأميركي أصبح خارج الخدمة، الأمر الذي يترك الولايات المتحدة في وضع حرج أمام التفوق الصيني العددي في هذا المجال؟

وبحسب الدراسة التي نشرها الكونغرس في السادس من يوليو الماضي، فإن أعمال الصيانة المتراكمة "قلصت بشكل كبير" عدد الغواصات النووية التي يمكنها العمل في أي وقت، وهذا بدوره حد من "قدرة تلك القوة البحرية على تلبية المهام اليومية، في مقابل زيادة الأعباء التشغيلية" على الغواصات العاملة.

تمتلك الولايات المتحدة في أسطولها 49 غواصة، 18 منها تواجه عيوباً تشغيلية وتخضع للصيانة، في المقابل تضم الصين في أسطولها 56 غواصة، تتوقع واشنطن أن ترتفع إلى 65- 70 خلال هذه العشرية، أي بحلول عام 2030، وفق تقرير لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) نشر العام الماضي.

تردي البحرية الأميركية

الشاهد أن قيادة أنظمة البحار، التابعة للقوات البحرية الأميركية، قد عزت هذا القصور إلى مشكلات في التخطيط، وتوافر المواد وسرعة إنجاز أحواض بناء السفن.

ووفق قراءة لشبكة "بلومبيرغ"، فإن المشكلات المتراكمة التي لم يجر الكشف عنها سابقاً تقف على النقيض من سياسة "البنتاغون" الحالية الداعية إلى تعزيز أذرع القوة الأميركية في جميع أنحاء العالم، على اعتبار أن ذلك يمثل رسالة إلى الصين وروسيا وكوريا الشمالية.

أحد الأمثلة القريبة على التراكم الشديد في الأعطال التي تواجه أسطول الغواصات الأميركية هو ما حدث مع غواصة "يو أس أس كونيتكيت"، وهي إحدى ثلاث غواصات من الدرجة الممتازة من صنف Seawoll، وذلك حين اصطدمت بجبل تحت الماء في بحر الصين الجنوبي قبل 20 شهراً، وستظل خارج الخدمة حتى 2026 على أقرب تقدير.

في هذا الصدد يقول المتحدث باسم مكتب المسائل الحكومية الأميركي تشاك يونغ، إن الولايات المتحدة دخلت السنة الخامسة من خطة تمتد 20 عاماً لإعادة تصميم أحواض بناء السفن الأربع التي تمتلكها، مضيفاً أن البحرية الأميركية ما زالت تفتقر إلى تحديد الكلفة والجدول الزمني الموثوقين، وعلى رغم تلك السنوات الخمس فمن المحتمل ألا تكون لديها توقعات أفضل حتى عام 2025.

هل يعني ذلك أن قدرات الغواصات النووية على رغم تلك العقبات ضعيفة أو متراجعة بشكل كامل ومطلق، بما يخل بقدرات البحرية الأميركية حول العالم؟

الغواصة "يو أس أس أوريغون" درة التاج

في منتصف عام 2022، نشر موقع "ناشونال أنترست" الأميركي الشهير، تقريراً عن الغواصة الأحدث في أسطول الغواصات الأميركية، "يو أس أس أوريغون " التي تتسم بمزايا فريدة تجعل الخصوم يتحسبون لها بشكل مخيف.

هذه الغواصة تعد ثاني غواصة هجوم سريع من طراز "فيرجينيا" التابعة للبحرية الأميركية، التي من شأنها أن تثقل كاهل أعدائها.

يقول وزير البحرية الأميركية كارلوس ديل تورو، إن الغواصة الجديدة وطاقمها سيكونان "حيويين لمهمتنا البحرية"، ويضيف "لا ريب في أهمية الغواصة التي سميت على اسم ولاية أوريغون العظيمة، في مستقبل أمن دولتنا".

 

 

يأتي الإعلان عن هذه الغواصة الجديدة في وقت يرتفع فيه التنافس الصيني الأميركي في منطقتي المحيطين الهادئ والهندي، حيث يتعاظم دور القطع البحرية في مواجهة قوات الطرف الآخر. وبالغوص عميقاً في البيانات الأميركية الرسمية نجد أن الولايات المتحدة تمتلك 71 غواصة، تضم 53 غواصة هجومية سريعة، و14 غواصة قادرة على إطلاق الصواريخ الباليستية، وأربع غواصات قادرة على إطلاق صواريخ موجهة، وذلك بحسب الموقع الإلكتروني لـ"البحرية الأميركية".

وتؤكد البحرية الأميركية على أن أسطول الغواصات له "تأثير كبير" في القدرات العملية، خصوصاً مع تطور بيئات الأمن البحري الذي قد يحوله إلى "حرب غير متكافئة" في ظل وجود أنظمة أسلحة تهدد القوات المشتركة.

يعن لنا التساؤل ضمن هذه الرؤية التحليلية، "هل تطوير سلاح الغواصات الأميركية مقصود به مواجهة الصين فحسب، أم أن روسيا الاتحادية، وريثة الاتحاد السوفياتي، ذاك الذي سيطرت غواصته لعقود طوال حول العالم، ضمن أهداف الهيمنة الأميركية المعاصرة؟

"بيلغورود" روسيا تعود للنور بعد 30 عاماً

في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) 2022، رصدت الأقمار الاصطناعية الأميركية غواصة روسية عرفت باسم "الوحش النووي" تتمركز على بعد 435 كيلومتراً من حدود حلف شمال الأطلسي، فما هي "بيلغورود الوحش" هذه؟ ولماذا هي مرعبة إلى الحد الذي يجعلها تحمل اسم "غواصة يوم القيامة" لدى موسكو؟

بحسب ما يتوافر لنا من معلومات عبر وزارة الدفاع الروسية، فإن "بيلغورود" هي مشروع عاد للنور بعد أكثر من 30 عاماً من الأبحاث والتطوير، ما يعني أنها تقنية علمية نووية تعود إلى زمن الاتحاد السوفياتي، وأن القلاقل السياسية والاقتصادية التي مرت بها روسيا عبر ثلاثة عقود، كانت هي السبب الرئيس في تعطيل خروجها إلى النور.

 يناهز طولها 184 متراً، وقادرة على حمل طوربيدات نووية، سرعتها 70 عقدة وتعمل على عمق 100 متر، ويمكن لها أن تحمل ست غواصات صغيرة مسيرة على شكل طوربيدات نووية من طراز "بوسيدون" بعيدة المدى، ويوازي حجم الطوربيد حجم حافة مدرسية.

 لهذه الطورربيدات نقاط قوة، إذ يمكنها أن تبقى في المياه لفترات طويلة، وتضرب الأهداف المائية والساحلية على مسافات تبعد نحو 966 كيلومتراً تقريباً من الغواصة الأم التي تحملها.

حين أطلق عليها اسم "يوم القيامة" لم يكن ذلك من فراغ، ذلك لأنها تتميز بقدرات مدمرة رهيبة، فهي عابرة للمحيطات وذاتية القيادة، ويمكنها حمل 100 ميغاطن من القنابل النووية، ومسيرات صغيرة لتنفيذ المهام السرية، مثل قطع كابلات الإنترنت تحت سطح البحر.

يعن لنا من جديد التساؤل، "هل يمثل دخول غواصة بيلغورود المسلحة بطوربيدات بوسيدون النووية الشبحية إلى الخدمة في الأسطول الروسي نقطة تحول في صراع البحار والمحيطات؟

غالب الظن أن دخول مثل هذه الغواصة إلى الخدمة أمر يمثل عودة إلى ما بعد زمن الحرب الباردة، والولوج إلى عمق مرحلة مواجهة ساخنة.

يقول المسؤولون الأميركيون، إن الطوربيدات المعروفة باسم "بوسيدون" (إله البحار عند الإغريق) يمكنها أن تطلق رؤوساً حربية، مما يتسبب في موجات مشعة تجعل مساحات شاسعة من الساحل المستهدف غير صالحة للسكن لعقود.

أما الخوف الأكبر من طوربيدات "بوسيدون" المنطلقة من "بيلغورود"، فقد تحدث عنه كريستوفر فورد، مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الأمن الدولي وعدم الانتشار بقوله، إن "طوربيدات بوسيدون مصممة لإغراق المدن الساحلية الأميركية بموجات تسونامي المشعة".

كما ذكر تقرير صادر عن خدمة أبحاث الكونغرس الأميركي في أبريل (نيسان) الماضي أن طوربيدات "بوسيدون" تهدف إلى أن تكون أسلحة انتقامية مصممة للرد على عدو بعد هجوم نووي على روسيا.

وبصورة أكثر تبسيطاً فإن إطلاق طوربيد "بوسيدون" واحد من هذه الغواصة على الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية كفيل بإحداث تسونامي يغرق مدينة كبرى مثل نيويورك دفعة واحدة، إن لم يمتد إلى ما حولها من مدن.

تعرف "بيلغورود" كذلك باسم "أم الغواصات"، وقد تساءل المتعاطون مع الشؤون العسكرية حول العالم عن السر الذي جعل قيصر الكرملين فلاديمير بوتين يستعد لإدخالها في الخدمة، بعد أن ظلت مختبئة طويلاً في منطقة القطب الشمالي.

ربما كانت الضغوط العسكرية والاقتصادية التي تعرضت وتتعرض لها روسيا من جانب "الناتو"، لا سيما بعد العملية العسكرية في أوكرانيا، ربما تكون هي السبب.

 إن الأسلحة الفتاكة التي لم يشهد العالم لها مثيلاً، المحملة على متن "بيلغورود"، تكفي حال الضغط على بعض مفاتيحها لتهديد البشرية في مساحة واسعة، وذلك خلال نصف ساعة وليس أكثر.

عطفاً على ذلك فإن لهذه الغواصة أدواراً أخرى من عينة القيام بأبحاث علمية، لا سيما في منطقة القطب الشمالي، حيث الصراع قادم من دون شك بين القوى الدولية، ولعل حالة الهلع التي أبرزتها وسائل الإعلام الغربية مع دخول الغواصة الروسية الخدمة في يوليو 2022، تكشف عن مدى النجاحات التي يقوم بها قطاع الصناعات العسكرية الروسية، خصوصاً مع اهتمام بوتين بتطوير الجيش على مدار السنوات الماضية.

ويعكس خروج هذه الغواصة العملاقة والمخيفة إلى النور حقيقة أخرى مهمة بدورها، هي أن أشكال العقوبات الاقتصادية كافة التي فرضت على روسيا قبل وبعد حرب أوكرانيا، لم يمكنها تعطيل رحلة البحث العلمي الروسية، أو تنشيط الأبحاث العسكرية التي قادت إلى استخراج "بيلغورود" من رحم أبحاث الاتحاد السوفياتي السابق.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير