ملخص
فشلت الأمم المتحدة في تنفيذ عديد من تصوراتها لحل نزاع الصحراء، وذلك في ظل رفض الطرفين لبعضها، واستحالة تطبيق بعضها الآخر
اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً بتمديد ولاية "بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية" (مينورسو) لسنة جديدة، داعياً المغرب وجبهة الـ "بوليساريو" لاستئناف المفاوضات المباشرة في سبيل التوصل إلى حل واقعي وعملي ودائم، يأتي ذلك في ظل هجمات شنتها الجبهة بصواريخ أصابت مدينة السمارة المغربية الواقعة في منطقة الصحراء.
تجديد المهمة
اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 2703 بتمديد مهمة المينورسو، بأغلبية 13 صوتاً، وامتناع روسيا وموزمبيق عن التصويت، مشدداً على ضرورة التوصل إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم ومقبول من الطرفين (المغرب والبوليساريو) لنزاع الصحراء الغربية، على أساس التسوية. ويشجع القرار المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا على التعامل مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي مستورا طوال العملية، بروح من الواقعية في سبيل التوصل إلى تسوية، كما يدعو القرار الطرفين إلى استئناف المفاوضات تحت رعاية الأمين العام، دون شروط مسبقة وبحسن نية.
من جانبه، رحب مندوب المغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، بالقرار الأممي الجديد، قائلاً، إن "القرار يعزز رؤية الملك (محمد السادس) وخياره الاستراتيجيَين لفائدة التفاوض، والتسوية السلمية للنزاعات ونهج سياسة اليد الممدودة، وذلك وفقاً للفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة"، موضحاً أن "القرار يكرس الحكمة والتبصر الجماعيين لمجلس الأمن، الضامن للسلام والأمن في العالم، من أجل وضع حد لهذا النزاع الموروث عن فترة الحرب الباردة"، ومعتبراً أن "أعضاء مجلس الأمن رسخوا الأسس السبعة لحل هذا النزاع، من خلال التأكيد أولاً على سمو المبادرة المغربية للحكم الذاتي، باعتبارها الحل الوحيد الجاد وذا المصداقية لهذا النزاع، ويشير المندوب المغربي أن "مجلس الأمن لا ينضم بذلك إلى المغرب فقط، بل إلى أكثر من 100 دولة تدعم هذه المبادرة باحترام كامل للسيادة الوطنية للمملكة ووحدتها الترابية". وأوضح مندوب المغرب "أن المجلس من خلال هذا القرار، وقع على الشهادة الـ28 لوفاة الاستفتاء المزعوم، الذي دفن منذ أكثر من عقدين".
لكن جبهة "بوليساريو" اعترضت على القرار الأممي الأخير، موضحةً في بيان أن مجلس الأمن "أضاع فرصة أخرى لاعتماد تدابير ملموسة لتمكين بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) من التنفيذ الكامل لولايتها على النحو المحدد في قرار مجلس الأمن 690 (لعام 1991)"، مشيرةً إلى أن القرار "لم يتمكن من التصدي بشكل حاسم للقيود التي تفرضها منذ أمد طويل دولة المغرب على البعثة، التي تقوض بشكل خطير طابعها الدولي ومصداقيتها وحيادها"، مشددةً على التزامها "التوصل إلى حل سلمي دائم وعادل لإنهاء الاستعمار في الصحراء الغربية على أساس الممارسة الحرة والديمقراطية للشعب الصحراوي لحقه غير القابل للتصرف ولا للمساومة ولا للتقادم في تقرير المصير والاستقلال، وفقاً لقرار الجمعية العامة 1514 (د-15) وقرارات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ذات الصلة وعلى أساس الولاية التي أنشئت لأجلها بعثة تنظيم الاستفتاء".
متاهات وقف إطلاق النار وتقرير المصير
وفشلت الأمم المتحدة في تنفيذ عديد من تصوراتها لحل نزاع الصحراء، وذلك في ظل رفض الطرفين لبعضها، واستحالة تطبيق بعضها الآخر، فبعد احتلال إسبانيا الصحراء الغربية في عام 1884، طالبتها الأمم المتحدة في عام 1965 بإنهاء استعمارها للإقليم، وشكل عام 1975 تحولاً مفصلياً في قضية الصحراء، إثر رفض الملك المغربي الراحل، الحسن الثاني، قرار محكمة العدل الدولية الخاص بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، فقام بتنظيم "المسيرة الخضراء" بمشاركة 350 ألف مواطن مغربي بهدف "استرجاع الأراضي المسلوبة". وشهدت تلك السنة اندلاع مواجهات مسلحة بين المغرب والجبهة دامت16 سنة، وبعد أن قبل المغرب باستفتاء تقرير المصير في عام 1981، عملت الوساطة الأممية في عام 1988 على التوصل إلى قبول الطرفين خطة سلام تعتمد وقف إطلاق النار وتنظيم استفتاء لتقرير المصير، وفي عام1991 اعتمد مجلس الأمن القرار 690 المحدث لبعثة "المينورسو"، وفي ذلك الاتجاه انطلقت عملية تحديد هوية الصحراويين المشاركين في الاستفتاء، لكنها شهدت تعثرات بسبب خلافات الطرفين حول تفسير الشروط الواجب توفرها في الناخبين التي حددتها الأمم المتحدة، إلى أن جمدت في عام 1995، وأعيد إطلاقها في عام 1997، إثر توقيع المغرب والبوليساريو "اتفاقية هيوستن" التي نصت على هوية الناخبين في الاستفتاء وعلى تحرير وتبادل الأسرى. وخلال عام 2001 طرح مبعوث الأمم المتحدة للصحراء آنذاك، جيمس بيكر، اتفاق إطار لحل نزاع الصحراء عبر منح الإقليم استقلالاً موسعاً مع استمرار ارتباطه بالمغرب في مجال السياسة الخارجية، إضافة إلى العلم والعملة المحلية، لكن الخطة رفضت من قبل البوليساريو والجزائر والمغرب، واقترحت الرباط في عام 2006، خطة الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية، واعتبرتها قاعدة لأي تفاوض في قضية الصحراء. واعترفت عديد من دول العالم وتحديداً الغربية منها، بجدية المقترح المغربي. وشهد عام 2008 نهاية غير رسمية لمسار تقرير المصير، وذلك جراء تصريح لمبعوث الأمم المتحدة للصحراء آنذلك، بيتر فان والسوم، اعتبر فيه أن "مطلب الاستقلال الذي تطالب به الجبهة يعد خياراً غير واقعي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من خرق وقف إطلاق النار؟
ويتبادل المغرب وجبهة البوليساريو الاتهامات بخرق اتفاقية وقف إطلاق النار، لا سيما بعد الخروقات التي سجلها المغرب على الجبهة معتبراً أنها قامت باستفزازات مسلحة ومتتالية في المنطقة العازلة.
في المقابل، اتهمت "البوليساريو" المملكة المغربية بخرق الاتفاقية، وذلك جراء تدخل الجيش المغربي في عام 2020 بمنطقة الكركرات العازلة الموجودة على الحدود المغربية الموريتانية، وجاءت العملية، بحسب السلطات المغربية، إثر قيام أعضاء من الجبهة بأعمال عصابات وبعرقلة الطريق الذي تمر منه شاحنات نقل البضائع المغربية نحو الجارة الموريتانية و دول جنوب الصحراء، والتشويش على عمل بعثة المينورسو، إلا أن الجبهة اعتبرت ذلك إخلالاً باتفاق وقف إطلاق النار الموقع في عام 1991، وأعلنت الحرب على المغرب، ومنذ ذلك الحين تدعي الجبهة القيام بهجمات مسلحة على التراب الصحراوي المغربي، الأمر الذي يكذبه المغرب، وفي مساء 28 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تبنت البوليساريو هجمات على مدينة السمارة المغربية الواقعة في منطقة الصحراء.
من جانبه، أكد الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال أن "المغرب بصدد استخلاص الاستنتاجات اللازمة، بناءً على نتائج التحقيقات التي تجريها الشرطة القضائية بخصوص الانفجارات الأربعة التي وقعت في مدينة السمارة، وأسفرت عن مقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين، اثنان منهم في حالة خطيرة، موضحاً أن "المغرب بلد يحتكم إلى القانون، نحن الآن في طور التحقيق الجاري وجمع المعلومات، ننتظر ما سيسفر عنه هذا التحقيق من خلاصات ثابتة وحينها سنقوم بالرد". وأضاف المندوب المغربي أن المدينة المستهدفة لا تضم أي منشأة عسكرية، والانفجارات الأربعة وقعت في أحياء سكنية مدنية، وأنه فور وقوع تلك الحادثة تم تبليغ بعثة المينورسو التي تملك مراكز مراقبة في المدينة، موضحاً أن التفجيرات التي خلفت قتيلاً واحداً "وأحزنت المغرب بأكمله، لن تمر دون عقاب"، داعياً مرتكبي هذه التفجيرات إلى "تحمل مسؤوليتهم القانونية والسياسية أيضاً، ليس فقط أولئك الذين نفذوا هذه الهجمات، بل أيضاً أولئك الذين يقفون وراءهم، ويحتضنونهم، ويزودونهم بالصواريخ والكاتيوشا وقذائف الهاون".
وكانت مستشارة زعيم جبهة البوليساريو، نانا لبات الرشيد، أوضحت في وقت سابق العوامل التي دفعت الجبهة إلى التخلي عن الالتزام بوقف إطلاق النار، موضحةً وجود عوامل مباشرة وغير مباشرة، محددةً أن العامل المباشر هو "قيام الجيش المغربي بخرق اتفاق وقف إطلاق النار في عام 2020، مستهدفاً حوالى 50 متظاهر سلمي من الصحراويين"، مشيرةً إلى أنه "من بين الأسباب غير المباشرة، تمادي المغرب خلال السنوات الأخيرة في استفزاز الصحراويين وفي التهرب من مسؤوليته بخصوص اتفاق السلام الموقع في عام 1991، الذي كان من المفروض أن يتم وفق مسار وقف إطلاق النار لتوفير الأجواء المناسبة لتنظيم استفتاء تقرير المصير"، مضيفة أن "الأمم المتحدة باتت عاجزة عن فرض قراراتها، في ظل دعم بعض القوى الدولية للمغرب".
حق الرد
وفي ظل وجود تساؤلات في الداخل المغربي حول سيناريوهات رد فعل الرباط على تلك الهجمات، أكد خبراء على حق المغرب في الرد، في حال تأكدت الجهة الضالعة في تلك الاعتداءات، وقال الباحث المغربي في مجال العلاقات الدولية، عصام لعروسي، إنه "إذا تأكد أمر ضلوع الجبهة في تفجيرات مدينة السمارة، في ظل وجود كثير من الأدلة على ذلك، فإن الحدث غير مسبوق في الفترة الحالية، و يبرز دور هذه الجماعة الإرهابية في الاعتداء على المدنيين، وهو أسلوب ينطلق من توجهات بعض الجماعات الإرهابية التي تستخدم كنماذج للحرب اللاتماثلية، عبر استغلال عامل المفاجأة والمباغتة والاحتيال، وأيضاً عامل خرق القانون"، موضحاً أنه "إذا اتضحت الصورة بخصوص ضلوع الجبهة في تلك التفجيرات، فإن للمغرب حق الرد من خلال المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، باعتبار أن الاعتداء تم على مواطنين مدنيين عزل في مدينة موجودة على التراب المغربي".
وأشار الخبير المغربي إلى أن "هذا النزوع نحو استخدام القوة يشكل ضربة فاشلة، ويبرهن أن 'البوليساريو' قوة هجينة وميليشيات غير نظامية تقوم بأدوار الفوضى في المجتمع الدولي، إن هذه العملية ربما قد تعجل بمسارات للحل، بخاصة أن الأمم المتحدة ما زالت تستصدر قرارات تذهب في اتجاه التسوية والحل السياسي"، موضحاً أن "استحالة تحقيق حل الاستقلال وتقرير المصير تجعل الجبهة تستشعر خسارة قضيتها، بالتالي تقوم بهجمات يائسة للتأكيد على وجودها على الساحة، لكن ذلك يضعف موقفها ويقلل من قيمتها في المشهد الدولي".