ملخص
قالت "لن أتوقع دعمكم لكل جوانب السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لكن دوري كدبلوماسي هو محاولة أن أشرح لكم ما نقوم به ولماذا نفعل ذلك"
منذ الأسبوع الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تكتظ المطارات العربية بالوفود الدبلوماسية الغربية، وبطبيعة الحال تحظى القاهرة بنصيب وافر من استقبال مسؤولي الإدارة الأميركية، لا سيما المعنيين بالشأن الإنساني في ظل حرب شعواء تزداد حدتها دموية وقتلاً في قطاع غزة المجاور، الذي أصبح سكانه مشردين بالداخل يئنون تحت ويلات القصف الإسرائيلي المدعوم دولياً في إطار "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" بعدما تعرضت الأخيرة لهجوم مباغت أطلقت فيه "حماس" وابلاً من الصواريخ وعبر عدد من مسلحيها السياج الحدودي نحو بلدات إسرائيلية في السابع من أكتوبر.
ووسط قصف متواصل ووضع إنساني متدهور، تتزايد الحاجة إلى نقل المساعدات الدولية عبر معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، وفي هذا الإطار أجرت نائب وزير الخارجية الأميركي للأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان أوزرا زيا، زيارة إلى مصر استهدفت تسريع تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة والتوسع بها، والعمل على إيجاد سبل لتمكين المواطنين الأجانب العالقين في القطاع من الخروج بأمان، والتنسيق على نحو أوسع مع مصر والشركاء الدوليين لزيادة حماية المدنيين في غزة، حيث أشارت المسؤولة الأميركية في حديثها خلال دائرة مستديرة مع عدد محدود من الصحافيين في القاهرة، إلى تحقيق تقدم مهم على صعيد هذه الأهداف الإنسانية، مشيرة إلى أن حجم المساعدات التي دخلت غزة بلغت 1000 شاحنة منذ بدء عملية نقل المساعدات قبل ثلاثة أسابيع بما يتضمن غذاء ودواء وغيرها من الدعم المنقذ للحياة.
اللاءات الخمسة
وخلال اللقاء الذي عقد في السفارة الأميركية بالقاهرة، تحدثت المسؤولة الأميركية عن "لاءات خمسة"، مؤكدة "رفض واشنطن لتهجير الفلسطينيين من غزة سواء في الوقت الحالي أو بعد الحرب، وعدم استخدام غزة كمنصة للإرهاب، ولا عودة للاحتلال الإسرائيلي للقطاع بعد انتهاء الحرب، ولا لحصار غزة، ولا لتقليص مساحة أراضي القطاع".
وقالت "الآن مع هذه اللاءات، أريد أن أصيغ ذلك في إطار رؤية إيجابية لدولة فلسطينية مستقبلية تمثل أصوات الشعب الفلسطيني وتطلعاته في قلب الحكم في غزة بعد الأزمة". وأعربت زيا عن امتنانها العميق للحكومة المصرية "للدور الحيوي والاستثنائي الذي تلعبه لضمان وصول المساعدات الإنسانية الحيوية إلى المدنيين في غزة، وكذلك لمساعدة المواطنين الأجانب، بمن في ذلك المواطنين الأميركيين، على العبور بأمان إلى مصر وخارجها"، مضيفة "ببساطة، لم يكن بوسعنا القيام بهذا العمل من دون القيادة المصرية". وبحسب المسؤولة الأميركية فإنه منذ الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، خرج آلاف المواطنين الأجانب بأمان من غزة.
يد تطعم وأخرى تقتل
وبينما تواصل الولايات المتحدة توفير المساعدات الإنسانية الضرورية لسكان غزة منذ ثلاثة أسابيع، فإنها على الجانب الآخر وعدت بزيادة دعمها العسكري لإسرائيل، حتى مع تصاعد الانتقادات في شأن فشل إدارة الرئيس جو بايدن في منع أكبر متلقي للمساعدات العسكرية الأميركية من التسبب بخسائر كبيرة في صفوف المدنيين في حربها ضد حركة "حماس".
وسألت "اندبندنت عربية" مسؤولة الخارجية الأميركية في شأن كيفية توفيق واشنطن بين إمدادها إسرائيل بالأسلحة المتطورة، وموقفها من تقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة في ضوء التزامها بحقوق الإنسان. وقالت زيا "أريد توضيح الموقف الأميركي المتمثل في دعمنا لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس في أعقاب الهجمات الأكثر دموية في التاريخ الإسرائيلي، ونعتبر ذلك متسقاً تماماً مع دعمنا للفلسطينيين المحتاجين. وللأسف نرى في تصرفات حماس استهتاراً تاماً بالمدنيين، الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء".
وأضافت "من جهتي، بصفتي وكيل وزارة الخارجية، أتمتع بشرف الإشراف على المساعدات الإنسانية التي نقدمها، كثيرون قد لا يدركون ذلك، لكن الحكومة الأميركية تفتخر بكونها الدولة المانحة الرائدة على المستوى الدولي للشعب الفلسطيني. وفي هذا العام وحده، قدمت الولايات المتحدة أكثر من 470 مليون دولار لتلبية حاجات الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومنذ هجمات السابع من أكتوبر، أعلن الرئيس جو بايدن عن مبلغ إضافي قدره 100 مليون دولار من المساعدات الإنسانية. وسنقدم في الأيام المقبلة مساعدات إضافية في شكل مساعدات غذائية حيوية من شأنها أن تساعد في تلبية حاجات عشرات آلاف الفلسطينيين".
وتابعت "فبينما ندعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، فإن كيفية قيامهم بذلك أمر مهم أيضاً، إذ نحن نؤيد ذلك وفقاً للقانون الإنساني الدولي. لذلك بينما نحن منخرطون في العمل المستمر على مدار الساعة، ركزت مشاركتنا مع إسرائيل بشكل كبير على حاجة إسرائيل إلى اتخاذ كل خطوة ممكنة لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، وشكل ذلك نقطة محورية في زيارات الوزير بلينكن المتعددة إلى المنطقة وفي حديث الرئيس بايدن أيضاً".
صورة الولايات المتحدة
وأقرت المسؤولة الأميركية بأن أحد الأسباب التي دفعتها إلى تلك المائدة المستديرة هو ما يتعلق بصورة الولايات المتحدة كمدافع عن حقوق الإنسان حيث باتت هناك شكوك في العالم العربي حيال تلك الصورة، قائلة "أعتقد أن هذا أحد الأسباب التي جعلتني أرغب في الحصول على فرصة التحدث إليكم اليوم. إن أحد أسباب وجودي هنا في مصر هو رؤية ما يمكننا القيام به معاً، من خلال العمل مع الحكومة ومع المنظمات الحكومية الدولية مثل الهلال الأحمر المصري، والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، واليونيسف أو الأونروا، كما يلعب المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية دوراً هائلاً في الإغاثة الإنسانية، ومن دون مساعدة المنظمات غير الحكومية الدولية سيكون من المستحيل ببساطة تحقيق الأهداف الإنسانية وأهداف حقوق الإنسان. أعتقد أنكم سترون أن الولايات المتحدة ستواصل الوفاء بالتزاماتها أمام الكونغرس الأميركي. لدينا التقارير السنوية لحقوق الإنسان التي يتم تحديدها عبر علامات ترتكز جميعها على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".
وأوضحت أن "سبب عدم دعم الولايات المتحدة مشاريع قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة الخاصة بحرب غزة يتعلق بأن تلك القرارات تنطوي على أمرين مثيرين للقلق أو عنصرين مفقودين في النص، الأول كان عدم إدانة حماس بارتكاب جريمة قتل أكثر من ألف شخص من المدنيين، والآخر كان عدم الاعتراف في حق إسرائيل أو واجبها في الدفاع عن النفس".
رفض وقف لإطلاق النار
وفي شأن الفيتو الأميركي في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار روسي يدعو إلى وقف إطلاق النار، أكدت الدبلوماسية الأميركية أن الولايات المتحدة لا تؤيد وقف إطلاق النار الآن، "استناداً إلى وجهة نظرنا واستنتاجنا بأن وقف إطلاق النار في هذه المرحلة سيسمح لحماس بالاستمرار في تشكيل تهديد لإسرائيل، وليس لإسرائيل فقط. أريد أن أذكر حقيقة أن أكثر من 30 جنسية فقدت مواطنين لها في فظائع السابع من أكتوبر، في حين أعلنت حماس بوضوح شديد عن نيتها تكرار تلك الهجمات مرات عدة إذا أتيحت لها الفرصة. لذا، فإننا نرى، لسوء الحظ، أن وقف إطلاق النار في هذه المرحلة يترك حماس في وضع يمكن أن يهدد إسرائيل، بل يهدد أيضاً استقرار المنطقة ككل".
وأضافت أن" في الوقت نفسه دعت الولايات المتحدة إلى هدنة إنسانية من شأنها أن تسمح لنا بزيادة وتسريع تدفق المساعدات المنقذة للحياة، التي من شأنها أن تساعدنا على زيادة حماية المدنيين، وتساعد الآلاف من الرعايا الأجانب في غزة والأسر والأطفال والبالغين، لتتمكن من المغادرة بأمان".
ورداً على تعليق في شأن دعم روسيا والصين لوقف إطلاق النار لحماية الأرواح، قالت زيا "أود أن أسأل الدول التي ذكرتها عن مدى مساعدتهم للأونروا، وهي الجهة التي تقدم الخدمات للشعب الفلسطيني. من جانبنا، فقد تجاوزت قيمة المساعدات، مليار دولار منذ عام 2021... إننا نحشد جهودنا بسبب المعاناة الجسيمة التي نشهدها، والخسائر المدمرة التي لحقت بالأطفال الفلسطينيين والأسر الفلسطينية، ذلك يحفزنا على العمل بجدية أكبر، وعدم الاستسلام".
الجماعات الحقوقية في مصر
ورداً على سؤال في شأن توتر العلاقة بين واشنطن والجماعات الحقوقية في مصر في شأن الموقف تجاه الحرب في غزة والتعاون العميق مع الحكومة المصرية التي تواجه انتقادات في ملف حقوق الإنسان، قالت زيا "إننا ثابتون في التزامنا بحقوق الإنسان، هذا جزء رئيس، إنه المسمى الوظيفي الخاص بي. أنا وكيل الوزارة للأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان. لقد كان الرئيس بايدن واضحاً جداً منذ توليه منصبه في عام 2021 في أنه يريد تركيز حقوق الإنسان في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. بالتأكيد، نحن نقدر ونرحب بالدور الحاسم والمهم للغاية الذي يلعبه المجتمع المدني المصري في دعم التقدم وتحقيق إمكانات هذه الأمة العظيمة. أعتقد أن دعم حقوق الإنسان لا يعني أننا نتوقع أن نكون متفقين على كل قضية. النقاش والحوار المفتوح حول الاختلافات أمر مهم للغاية. ولهذا السبب أردت أن تتاح لي فرصة التحدث إليكم اليوم. من وجهة نظرنا، فإن التعبير السياسي السلمي، وانتقاد حكومتنا وسياساتنا هي السمة المميزة لمجتمع صحي. وهذا شيء نريد بالتأكيد تشجيعه مع كل دولة نعقد معها شراكة حول العالم".
وأضافت "لا يوجد مقايضة من حيث قدرتنا على الشراكة في القضايا الإقليمية والاستراتيجية، بحيث يتعين علينا التضحية تزامناً ودعمنا للنهوض بحقوق الإنسان، بما في ذلك حرية التعبير". وتابعت "لن أتوقع أنكم ستدعمون كل جانب من جوانب السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لكن دوري كدبلوماسي هو محاولة أن أشرح لكم ما نقوم به ولماذا نفعل ذلك. لذا، كما تعلمون، عندما نقول إننا ندعم حرية التعبير السلمية، فهذا لا يعني أننا نريد أن يتفق الجميع معنا. بالتأكيد، سنكون ممتنين لو فعلتم ذلك، ولكن أيضاً، كما تعلمون، مع حرية التعبير تأتي حرية الانتقاد والتعبير عن الذات والرأي بوضوح شديد. وإنني أثني على عمل سفارتنا في إشراك المجتمع المدني، الذي أعتقد أنه جزء مهم من مهمة كل سفارة أميركية حول العالم. وعندما لا نتفق، فمن المهم جداً أن نستمع ونفهم السبب".
سيناريو التهجير والضغط على مصر
في السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، تمكنت القوات الإسرائيلية من تطويق مدينة غزة بالكامل وذلك بعد أيام على بدء تنفيذ خطة التوغل البري في القطاع، وبهذه الخطوة تكون قد استطاعت شطر القطاع إلى جزأين، وهو ما أعلنه بالفعل المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري. ومنذ نهاية الأسبوع الماضي، سمحت إسرائيل بهدنة يومية لمدة أربع ساعات فتحت بموجبها ممراً آمناً لسكان غزة لمغادرة شمال القطاع والتحرك جنوباً. ومن ثم، سرعان ما سيتكدس سكان غزة البالغ عددهم نحو 2.2 مليون نسمة، في نصف مساحة القطاع، في ظل وصول قدر ضئيل فقط من المساعدات عبر معبر رفح الحدودي في سيناء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولدى سؤال "اندبندنت عربية" المسؤولة الأميركية عما إذا كان هذا المشهد يعني محاولة دفع الفلسطينيين للنزوح خارج القطاع، في حيلة محتملة إسرائيلية للضغط على مصر لقبولهم كلاجئين، أجابت زيا "إن الولايات المتحدة تعارض بشكل مطلق أي تهجير قسري أو تهجير للفلسطينيين خارج غزة ونحن ندرك أهمية هذه القضية، لذلك فإن هذا موقف يصل إلى مستوى الرئيس. سكان غزة ليسوا مسؤولين عما ارتكبته حماس، ونحن نتفهم ذلك تماماً. أعتقد أنه من المهم أن ندرك أنه بإمكانك الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في الوقت نفسه الذي نقف فيه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وفي نهاية المطاف الدولة الفلسطينية المستقبلية التي نسعى إليها، يجب أن تتمحور حول تطلعات الشعب الفلسطيني وليس حماس، التي نعتقد أنها لا تمثلهم". وأضافت "إننا متأهبون ومتحمسون تماماً لزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من الحصول على بعض الإغاثة في ظل هذه الظروف الرهيبة".
الضفة الغربية
وحول الوضع في الضفة الغربية حيث يندلع العنف بين الحين والآخر، قالت المسؤولة الأميركية، إن ذلك يمثل الشغل الشاغل للولايات المتحدة أيضاً، "فعندما نقول إننا نريد احتواء هذا الصراع، فإن ذلك يشمل الضفة الغربية. وجهنا رسائل قوية جداً، علناً وسراً، إلى حكومة إسرائيل في ما يتعلق بالحاجة إلى كبح جماح عنف المستوطنين المتطرفين ضد الفلسطينيين، وأثنينا أيضاً على الجهود التي تبذلها السلطة الفلسطينية في ظل ظروف صعبة للغاية للحفاظ على الأمن. وأحد البرامج العديدة التي أشرف عليها بصفتي وكيل وزارة الخارجية هو في الواقع الدعم الأمني المدني الأميركي للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية".
وأضافت "أود أن أقول إننا لا ننظر إلى الأمور على أنها أحادية الجانب، فدعم الولايات المتحدة لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس لا يعني أننا غير مهتمين بما يحدث في الضفة الغربية. نقف مع الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، وهذا ليس شيئاً نعلنه فحسب، بل هو شيء واضح في أفعالنا، وعندما تنظر إلى قيادتنا الإنسانية وتقارن بالدول الأخرى، ترى ذلك".
وفي حين تعنى المسؤولة الأميركية بالمسائل المتعلقة بالديمقراطية، فإنها رفضت الرد على سؤال "اندبندنت عربية" في شأن الانتخابات الرئاسية المقررة في مصر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وما يتعلق بالرسائل التي ترغب واشنطن في بعثتها للرئيس الجديد المنتخب، واقتصر حديثها على الوضع الإنساني في غزة.