Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البطريرك الماروني ومعركة "لم الصواني"

حملة من جمهور "حزب الله" على خلفية دعوته لـ "مساعدة الفقراء" ومصدر كنسي رفيع يرد ويقول "من يخون من"؟

البطريرك الماروني بشارة الراعي (المكتب الإعلامي للبطريركية المارونية)

ملخص

حملة من جمهور "حزب الله" على البطريرك الماروني على خلفية "مساعدة الفقراء"

بعد مناداته بمعونة شمولية عبر "لم الصواني" (تقليد كنسي متبع في قداديس الأحد لجمع أموال لمساعدة الفقراء والمعوزين) للوقوف إلى جانب أي لبناني ينزح من الجنوب، شن جمهور "حزب الله" على مواقع التواصل الاجتماعي حملة تخوين ضد البطريرك الماروني بشارة الراعي، ووصفته بـ"الصهيوني". ورأت في ندائه الإنساني إهانة للعائلات الجنوبية. واللافت أن مطلقي الحملة من أصحاب الرأي الذين يدور معظمهم في فلك "حزب الله". وأكد رئيس لقاء "سيدة الجبل" المعارض فارس سعيد أن "حزب الله" أراد أن يتخذ البطريرك الراعي في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة، موقفاً قريباً منه، لكن عندما استبدل الراعي الموقف السياسي بالإنساني تعرض لهذه الحملة. ووصف كثر بأن القصة ليست قصة "صواني"، بل "قلوب مليانة"، وأن تخوين بكركي بات أمراً مكرراً في محطات مفصلية وطنية عارضت فيها بكركي موقف "الثنائي الشيعي" ومحور الممانعة. هذا ما حصل عندما طرح البطريرك الراعي حياد لبنان عن الصراعات في المنطقة، ودعوته المجتمع الدولي والدول العربية الصديقة إلى عقد مؤتمر من أجل لبنان لطرح المسائل الخلافية، ومنها موضوع السلاح، وانتقاده مراراً مبدأ وجود جيشين في دولة واحدة ومطالبته الدولة السيطرة على السلاح. ورفضه فرض أعراف جديدة خارجة عن الدستور في مسألة الاستحقاق الرئاسي كعقد حوار يسبق جلسة الانتخاب. وموقفه الرافض لتعيين قائد جديد للجيش قبل انتخاب رئيس للجمهورية. وشكل أخيراً رفضه جر لبنان إلى حرب غزة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، حيث اعتبر أيضاً أن التطورات العسكرية على الحدود الجنوبية، سبب في إفقار اللبنانيين.

حملة استنكار

وسارع سياسيون كثر إلى احتواء تداعيات الحملة التي كشفت عن انقسام عميق بين فئتين من اللبنانيين، والتي امتدت شظاياها إلى الاغتراب، حيث أصدر عدد من الأحزاب المسيحية - اللبنانية في أستراليا بياناً استنكروا فيه التطاول على البطريرك الماروني واعتبروا أن "من يعتقد أن حائط بكركي انهار وأصبح بإمكانه التطاول على سيدها وراعيها فهو واهم، ومن يفكر أن إضرام النار في أفران الفتنة المذهبية تحريضاً على نيافته فهو مخطئ، فبكركي برمزيتها وتاريخها وقيادتها حريصة على وحدة لبنان والعيش المشترك، والبطريرك ليس مجرد قائد روحي، بل هو مرجعية وطنية لا يمكن التعرض لها تحت أي ظرف". وفي لبنان استنكر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط على صفحته على منصة "إكس" الحملة التي تعرض لها البطريرك الماروني، خصوصاً في هذه المرحلة الاستثنائية من الخطورة من تاريخ لبنان والمنطقة، أما نواب ومسؤولو "حزب الله" فالتزموا الصمت فيما حاول رئيس مجلس النواب نبيه بري تهدئة الوضع، واعتبر أن الحملة على الراعي هي في إطار سوء الفهم ليس إلا. ورأى أن دعوة البطريرك تعبر عن موقف رسالي وطني جامع، ورفض ما وصفه بحملات الافتراء على مقام صاحب الغبطة حيال دعوته الصادقة إلى دعم النازحين اللبنانيين.

"من يخون من"؟

استغرب مصدر كنسي رفيع الحملة التي شنها جمهور الممانعة، كما تقول ضد دعوة البطريرك الماروني الطبيعية لمساعدة النازحين من الجنوب بمناسبة اليوم العالمي للفقير الذي حدده قداسة البابا في 19 نوفمبر (تشرين الثاني)، والذي تزامن هذا العام مع الظروف الصعبة التي يعيشها أبناء القرى الحدودية فكان النداء موجهاً لمساعدتهم. وسأل المصدر هل بات ممنوعاً علينا أن نخاطب أبناء رعيتنا ونساعدهم؟ أما عن خلفيات هذه الحملة، فيرد المصدر "لأن بكركي لم تمشِ بالصف، ونحن لسنا غنماً". واعتبر المصدر الكنسي الذي يفضل عدم ذكر اسمه أن هذه الحملات لم تكن في محلها، خصوصاً أنها استهدفت شخص البطريرك بلغة التخوين، وهذه ليست المرة الأولى. وسأل المصدر الكنسي "من يخون من؟ ومن الذي وقع الاتفاقات"؟ يضيف المصدر أن "التواصل لم ينقطع بين بكركي و(حزب الله)، ولكننا بتنا نتساءل في هذه الأوضاع عن الوجود المسيحي ونحاول عدم إعطاء ما حصل بعداً طائفياً، لكن هذا النوع من الفوقية واستضعاف الآخر غير مقبول، ولن نرضى به".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرفض المصدر نعت البطريرك الماروني بالصهيوني معتبراً أن هناك حداً أدنى من الاحترام يجب أن يسود بين أبناء الوطن الواحد"، وتساءل "لماذا تمت مهاجمة البطريرك الراعي وحده فيما النداء صدر عن مجلس البطاركة والأساقفة"؟ وأضاف "كلما اتخذت بكركي موقفاً لا يرضي محور الممانعة تتعرض للحملات التخوينية، والبطريركية لا تزال تتحدث بلغة وطنية ولبنانية جامعة، أما إذا أرادوا البدء بحشرنا فسنبدأ بحشرهم، ونحن لا نريد حتى الآن استخدام هذه اللغة". ودعا المصدر الكنسي محور الممانعة إلى عدم نسيان التاريخ، مذكراً بأن لبنان الكبير كان من صنع الموارنة. ولم يستبعد وجود غايات في نفس يعقوب خلف الحملة ضد بكركي في هذا التوقيت بالذات. وختم بالقول "قد يكون آن الأوان لقول كفى".

عون أول من دشن التطاول

"هو ليس البطريرك الأول الذي يأخذ مواقف ويتعرض للانتقاد، ولكن ربما التطاول على البطريركية في عهد البطريرك بشارة بطرس الراعي أصبح أكثر سهولة من قبل ربما". يتابع فارس سعيد، "لأن المرحلة صعبة جداً، ولأن موقع البطريركية هو دائماً محل انتقاد". وفي مقارنة بين عهدي الراعي وسلفه نصرالله صفير، يذكر النائب السابق فارس سعيد أن البطريرك صفير واجه وضع يد سوريا على لبنان، وكان له خصوم كثر، ولقب ببطريرك الاستقلال الثاني، وعلى رغم ذلك لم يتطاول عليه أحد، كما يحصل اليوم على الراعي، والوحيد الذي تطاول على البطريرك صفير، والذي فتح مسار التطاول على البطريركية المارونية، بحسب سعيد هو ميشال عون عام1998 عندما تطاول عليه مناصرو عون جسدياً.

والمفارقة أن الهجوم الأخير على البطريرك الراعي لم يكن نتيجة موقف سياسي اتخذه الراعي، بل نتيجة موقف كنسي أخلاقي، حيث دعا إلى "جمع الصينية" لمساعدة الفقراء، وهذا من أدبيات الديانة المسيحية، وليس إهانة، وله علاقة بالتضامن الأهلي بين الناس، الذين وفقاً للطقوس الكنسية يدفعون أموالاً في "الصينية" لتوزيعها على الفقراء. أما التطاول على البطريرك لسبب غير سياسي فهو تطور ناتج، بحسب سعيد عن "استوطاء حائط" بكركي، ومعالجته لا يكون بالرد على أصحاب الحملات، إنما بإعادة استنهاض دور حقيقي للبطريركية الذي هو الدور الجامع وقول الحقيقة والثبات بالموقف والدفاع عن فكرة لبنان بكل تلاوينه. واعتبر سعيد أن الحملة التي شنت على الراعي هدفت إلى جره إلى موقف قريب من موقف "حزب الله"، لكن الراعي استبدل الموقف السياسي بموقف أخلاقي، فكان الرد عليه بهذه الحملة التخوينية.  

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير