ملخص
تقول الأبحاث أن باكستان هي ثاني أكثر دولة تنتشر فيها ظاهرة التوريث السياسي
أدلى الرئيس الباكستاني السابق وزعيم حزب "الشعب" آصف زرداري الأسبوع الماضي، بتصريح مثير حول تشكيل الحكومة الجديدة، لا يرقى إلى شخصيته التي تعتبر مدرسة للسياسة في باكستان.
في إشارة إلى رئاسة شهباز شريف للحكومة الائتلافية بعد إطاحة عمران خان عام 2021. يقول زرداري إن حزب "الرابطة" أعطي فرصة تشكيل الحكومة في المرة السابقة لذا يجب أن تمنح هذه الفرصة لحزب "الشعب".
والسؤل الذي يطرح نفسه هنا هو: إذا تم إقرار تناوب الأحزاب في تشكيل الحكومات كما يشير الرئيس السابق فما الحاجة إلى عقد الانتخابات التي ستكلف الدولة المنهارة اقتصادياً أكثر من 286 مليون روبية (نحو مليون دولار)، أليس من الأفضل أن تنفق هذه الأموال لإصلاح الاقتصاد بدلاً من إضاعتها في انتخابات لا طائل منها؟
خنق الديمقراطية
هذا التصريح يكشف عن أحد العوائق في تقدم ازدهار المفاهيم والسلوكيات الديمقراطية في باكستان، إذ عادة ما يتم تداول مفهوم التناوب في تشكيل الحكومات بين حزب "الشعب" وحزب "الرابطة الإسلامية" وفق معاهدة انتخابية بينهما.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العامل الآخر المساعد في خنق الديمقراطية الذي ترسخ داخل الأحزاب هو التوريث السياسي وسيطرة العوائل على الأحزاب السياسية. آصف زرداري نفسه كان وزيراً في حكومة زوجته بينظير بوتو قبل أن يصبح رئيساً لباكستان، وتولى بعد ذلك ابنه بلاول بوتو زعامة الحزب.
في المقابل، يتزعم نواز شريف حزب "الرابطة الإسلامية"، وكان أخوه شهباز شريف رئيساً لحكومة بنجاب لمدة 10 أعوام قبل أن يصبح رئيساً للوزراء، كما يعتبر مريم نواز وحمزة شهباز الجيل القادم والقيادة الجديدة للحزب التي تستعد للترشح للمناصب العليا والأخذ بزمام الأمور في يدها.
يقول المتخصصون إن الشباب سيخرجون بأعداد كبيرة في الانتخابات المقبلة للتعبير عن آرائهم والإدلاء بأصواتهم، لكن السلوكيات المناهضة للديمقراطية في باكستان تشكل خطراً على انخراط فئة الشباب في الأنشطة السياسية، إذ تقترن مشاركتها في الانتخابات بضمان نزاهتها وأن أصواتهم ستحدث فعلاً تغييراً على أرض الواقع.
التوريث السياسي
والتوريث السياسي ليس ظاهرة فريدة أو خاصة بباكستان ودول جنوب آسيا، بل تنتشر في جميع أقطار العالم منذ وقت طويل. وفقاً لتقرير أجرته مجلة لأبحاث التاريخ الاجتماعي على أكثر من 1000 زعيم سياسي في كل من قارة آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية واللاتينية فإن 12 في المئة من زعماء العالم هم جزء من التوريث السياسي.
ولو نظرنا في المنطقة التي نتحدث عنها فإن عائلة نهرو حكمت الهند لعقود طويلة إلى أن أنهى نريندرا مودي سيطرة العائلة على الحكم عندما تولى رئاسة الوزراء عام 2014. وحكم جواهر لال نهرو الهند 17 عاماً، كما حكمت ابنته أنديرا غاندي 16 عاماً، بينما بقي راجيو غاندي في الحكم لخمسة أعوام.
على نحو مماثل، كانت عائلتا أكينو وماركوس تحكمان الفيليبين، وتمت إطاحة فرديناند ماركوس بعد حكم دام 21 عاماً على خلفية اتهامات الفساد لكن أبناءه بقوا في الساحة السياسية، بل إن أحد الأبناء انتخب رئيساً للفيليبين بعد أعوام من انتهاء حكومة والده.
وفي سريلانكا كان مهندرا جابكسي رئيساً للدولة لمدة 10 أعوام ثم أصبح رئيس الوزراء، وكان هو وإخوته الثلاثة يتقلدون منصب الرئاسة ورئاسة الوزراء ووزارة الدفاع ووزارة المالية في آن واحد قبل أعوام عدة، وقد سبقتهم عائلة باندرا نائيكي في التوريث السياسي في سريلانكا.
العوائل الحاكمة
وفقاً لأحد الأبحاث العالمية فإن الفيليبين تتصدر في التوريث السياسي بنسبة 60 في المئة، تليها باكستان بنسبة 52 في المئة، بينما تصل هذه النسبة في الهند إلى 29 في المئة، وفي الولايات المتحدة وكندا إلى ستة وثلاثة في المئة بالترتيب.
وكشفت مجلة "هيرالد" الباكستانية المرموقة في عددها الصادر، مايو (أيار) 2013، أن 597 عائلة تسيطر على السياسة في باكستان منذ السبعينيات.
هذه النسب والأرقام غير مقبولة تماماً في دولة ديمقراطية، لأن الديمقراطية تعني وتهدف إلى تكافؤ الفرص لجميع المواطنين بغض النظر عن عوائلهم وانتماءاتهم السياسية.
إضافة إلى ذلك، فإن التوريث السياسي له تبعات خطرة على المؤسسات السياسية والاقتصادية في البلد، إذ تثبت الأبحاث أن هذا النوع من التوريث في أي بلد لا يضر بسمعة الحكومة فحسب، بل ويؤثر أيضاً في سياساتها ويعزز الجشع والفساد.
ختاماً، المنافسة الانتخابية القوية ضرورية من أجل استقرار أية ديمقراطية حتى يتمكن الممثلون الحقيقيون للشعب من الوصول إلى البرلمان والعمل من أجل رفاهية الشعب، وهذا غير ممكن إلا بتوفير فرص متساوية للجميع وإنهاء سيطرة بعض العوائل على مقاليد الأمور.
نقلاً عن "اندبندنت أوردو"