Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

عدد غير مسبوق للمتخلفين عن سداد ديونهم في الصين

تفاقم مشكلة قروض الأعمال يضغط أكثر على فرص نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم

أكثر من 8 ملايين صيني يتخلفون عن سداد ديونهم ما يضعهم على قائمة سوداء حكومية (أ ف ب)

في إشارة جديدة على عمق الأزمة الاقتصادية في الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، ارتفع عدد المتخلفين عن سداد الديون الشخصية وقروض الأعمال بشكل غير مسبوق منذ وباء كورونا التي شهد زيادة كبيرة في أعداد المتعثرين. وبحسب الأرقام الرسمية التي نشرتها صحيفة "الفاينانشيال تايمز"، فقد وصل عدد المدينين من تضعهم السلطات على القوائم السوداء إلى 8.54 مليون شخص، أغلبهم في الفئة العمرية ما بين 18 و59 سنة.

ويمثل هذا الرقم نسبة واحد في المئة من القوة العاملة في الصين، ويزيد بنحو النصف عن عدد المتعثرين الذين تخلفوا عن سداد ديونهم في مطلع عام 2020 مع أزمة وباء كورونا وكان عددهم 5.7 مليون شخص. وكان إغلاق الاقتصاد وقتها والقيود المفروضة للحد من انتشار فيروس كورونا أدت إلى انهيار النمو الاقتصادي والضغط الهائل على دخل الأسر الصينية. وبحسب بيانات المحاكم الصينية، التي نقلت عنها الصحيفة الرقم المجمع، تخلف هؤلاء عن سداد أقساط ديونهم من أقساط القروض العقارية لبيوتهم إلى قروض الأعمال.

القائمة السوداء

بحسب القوانين الصينية الحالية، يتم وضع الشخص على القائمة السوداء حين يرفع الدائن، مثل البنوك وغيرها، دعوى قضائية على المقترض منه ويتخلف بعد الدعوى عن دفع القسط التالي من القرض. مع وضع الشخص على القائمة السوداء للتعثر الائتماني يحرم من كثير من الأنشطة التي تتراوح ما بين عدم قدرته على شراء تذاكر الطيران أو الدفع باستخدام تطبيقات الهاتف الذكي مثل "علي باي" و"وي تشات باي".

ويؤدي حرمان هذا العدد الكبير من الأسر الصينية من تلك النشاطات إلى مزيد من التأثير السلبي على الاقتصاد الذي يعاني أصلاً من أزمات مثل مشكلات القطاع العقاري وتدهور ثقة المستهلكين. يتمثل التأثير المباشر على الاقتصاد في تراجع الانفاق الاستهلاكي، الذي لم يشهد تعافياً كافياً في الصين، وبالتالي تراجع معدلات نمو الناتج المحلي الاجمالي.

وتعكس مشكلة ارتفاع عدد المتعثرين الذي يحرمون من أدوات الانفاق نتيجة تخلفهم عن دفع أقساط ديونهم غياب قوانين الإفلاس للأشخاص في الصين والتي يمكن أن تخفف من الآثار المالية والاجتماعية لأزمة الديون الهائلة في الاقتصاد الصيني.

اقرأ المزيد

يقول كبير الاقتصاديين في مصرف "هانغ سينغ بنك تشاينا" دان وانغ: "السبب في الزيادة الكبيرة المستمرة في عدد المتخلفين عن سداد أقساط ديونهم لا يتعلق فقط بالدورة الاقتصادية والمالية وإنما يعود إلى مشكلات هيكلية (في الاقتصاد الصيني). وربما يزداد الوضع سوءاً عن ذلك قبل أن يبدأ في التحسن".

ومن شأن استمرار الزيادة في عدد المقترضين المتعثرين أن يجعل مهمة الحكومة في بكين لاستعادة ثقة المستهلكين في غاية الصعوبة. ولا يتعلق التأثير بالضرر الذي يلحق بالانفاق الاستهلاكي المحلي، بل أيضاً يضر بالطلب في الاقتصاد العالمي ككل.

تراكم مشكلات

وتأتي أزمة التعثر الائتماني الحالية مع تراكم الديون الشخصية نتيجة حمى الاقتراض من قبل المستهلكين الصينيين في العقد الأخير. وبحسب أرقام المؤسسة الوطنية للتمويل والتنمية، وهو مركز أبحاث مقره في بكين، تضاعفت نسبة ديون الأسر الصينية من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في السنوات العشر الأخيرة لتصل إلى نسبة 64 في المئة في سبتمبر (أيلول) الماضي. وزاد الضغط على الأسر المقترضة نتيجة توقف نمو الأجور أو حتى تراجعها في الفترة الأخيرة نتيجة الوضع الاقتصادي العام. وهو ما أدى إلى تعثر المقترضين في سداد التزاماتهم المالية.

على سبيل المثال، يقول جون وانغ وهو موظف من شنغهاي تخلف عن سداد أقساط ديونه بعدما سرح من وظيفته في مايو (أيار) الماضي: "سأسدد الدين على بطاقتي الائتمانية وقدره ثمانية آلاف يوان (أربعة آلاف دولار) عندما أعثر على وظيفة، ولا أعرف متى سيحدث ذلك". وهذا الشهر، أعلن مصرف "تشاينا ميرشانتس بنك" ارتفاع حجم القروض المتعثرة على بطاقات الائتمان التي تجاوزت 90 يوماً لم تسدد في العام الماضي 2022 ليصل إلى نسبة 26 في المئة عن العام السابق. وذكرت شركة الاستشارات "تشاينا إندكس أكاديمي" ومقرها في شنهاي أن الأشهر التسعة الأولى من هذا العام 2023 شهدت 584 ألف عملية حجز لسداد ديون متأخرة، بزيادة نحو الثلث تقريباً عن العام الماضي.

إفلاس الشركات

ومع أن الصين وضعت قوانين لإفلاس الشركات إلا أنه لا توجد قوانين تنظم الإفلاس الشخصي بشكل واضح. وتلك مشكلة تزيد من حدة أزمة التخلف عن سداد الديون التي تنتهي بحكم محكمة بوضع الشخص المتعثر على القائمة السوداء. ومن يوضع على تلك القوائم لا يحرم فقط من إمكانية الاقتراض أو الإنفاق بشكل عادي وإنما قد يحرم أيضاً من تولي وظائف حكومية بل حتى لا يستطيع استخدام الطرق ذات الرسوم.

لذا، هناك دعوات الآن في الصين لسن قوانين الإفلاس الشخصي التي تحمي المتعثر من الدائنين وتوفر وسيلة لتخفيف أعباء القروض المتعثرة. يقول أستاذ القانون في جامعة رينمين، والذي أسهم في صياغة قانون إفلاس الشركات: "نحتاج لإيجاد طريقة لمساعدة الأفراد الذين يتخلفون عن سداد أقساط ديونهم للوقوف على قدميهم مجدداً".

إلا أن المشكلة الأكبر تظل انعدام الشفافية في ما يتعلق بالأوضاع المالية للأفراد والأسر وهو ما يجعل تطبيق أي قانون في غاية الصعوبة. كما أن مستويات الفساد العالية، كما يذكر تقرير الصحيفة، تجعل المسؤولين يترددون في إحراز أي تقدم بشأن وضع قواعد وقوانين للإفلاس الشخصي.