ملخص
عاد خطر تنظيم "داعش" من جديد، في ظل التوتر المتزايد منذ اندلاع الحرب في غزة وشن هجمات متبادلة بدير الزور بين الفصائل الموالية لإيران والقوات الأميركية
يخطئ العالم حين يظن أنه طوى إلى الأبد صفحة من صفحات أكثر التنظيمات تشدداً، تحديداً القضاء على "دولة داعش" في مارس (آذار) عام 2019 وتحديداً في بلدة الباغوز، الواقعة في ريف دير الزور شرق سوريا، حيث كان آخر معقل من معاقل التنظيم المتطرف، إذ سطر صفحات مضرجة بالدماء طوال فترة عهد حكم خلاله سطوته بالحديد والنار على ثلث الأراضي في سوريا والعراق حتى سقوطه المدوي كلياً عدا عن فلول لمجموعات تتوزع على أطراف البادية وثناياها.
فلول "داعش"
بضعة آلاف في مجموعات متناثرة، تقدر الأمم المتحدة عديدها في إحصاء حديث بما يقارب 3 آلاف مقاتل، هي ما تبقى من أفراد "داعش" (2014 - 2019)، يضربون شرقاً وغرباً في حرب عصابات تحمل رسائل البقاء، وتذكير الرأي العام بحضورهم المتواضع، والمؤثر بالوقت ذاته. وتحدث خبراء في مجال الجماعات المتشددة عن محدودية تأثير تلك المجموعات في الميدان على رغم تزايد عدد عملياتها وهجماتها، وسعيها الأساس للوصول إلى سجون تضم قادة وعناصر متشددة متمرسة، بغية فك أسرهم لإعادتهم لساحات القتال. في هذا الوقت تحتفظ "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وبدعم من "التحالف الدولي لمكافحة داعش" بالسيطرة على سلسلة من مقار اعتقال أفراد "داعش" تتراوح أهميتها بحسب ما تضمه من كوادر التنظيم المتشدد.
ويقدر عدد السجناء بحوالى 65 ألف سجين معظمهم من النساء والأطفال في مخيمات إقامة جبرية من أبرزها "الهول" و"روج" و"عين العيسى" وغيرها، ويعد "الهول" المخيم الأخطر على الإطلاق.
عودة "الراية السوداء"
وفي تقرير داخلي نشره البنتاغون في عام 2022، لم يخف فيه خطر وجود جيش من عناصر "داعش" في السجون والمعتقلات، يبلغ تعداده في سوريا 10 آلاف عنصر، أما في العراق فيبلغ 20 ألفاً، بالتوازي مع تجنيد متواصل للقتال يستهدف المتشددين، واستغلال اليافعين في المخيمات لحساب التنظيم في مراكز الإيواء في سوريا والعراق.
ويراهن أفراد تنظيم "داعش" حتى اللحظة على فك أسر قادتهم من أكثر السجون تحصيناً، مستغلين تأزم الأوضاع في شرق سوريا، لاسيما التطورات الأخيرة بين الفصائل الموالية لطهران والقوات الأميركية. وانشغال الأطراف بتبادل النيران والتصعيد الحاصل بعد اندلاع حرب غزة بين "حماس" وإسرائيل منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وبالعودة للوراء يمكن القول إن أبرز عملية تحرير للمحتجزين كانت في "سجن الصناعة" في الحسكة أو ما يسمى "غويران"، الواقع تحت إشراف الإدارة الذاتية الكردية. وتمكنت القوة المهاجمة من تحرير مئات السجناء، ومن بينهم قادة بمرتبة "أمراء" ويعد هذا الهجوم الذي وقع في الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2022، الأوسع والأضخم منذ انهيار التنظيم، ودام أكثر من أسبوع، إذ لقي مئات من أفراد الجماعة مصرعهم، في حين بات 400 سجين في عداد المفقودين أثناء القتال الشرس الذي امتد لنحو أسبوع وشاركت طائرات التحالف الحربية في حسم المعركة.
بالمقابل ما نتج من معركة "غويران" من فك احتجاز قادة وعناصر متشددين، أعطى دفقاً جديداً في دماء التنظيم، إذ إن هذا النوع من الجماعات لا يستطيع العمل إلا من خلال عقل مدبر، ومن جهة ثانية استطاع "داعش" أن يوحي للعالم بأن خطره ما زال جاثماً، ويمكن أن يجد ثغرات إضافية بالمكان والزمان المناسبين لإخراج مزيد من أفراده المحتجزين.
كل ذلك يجعل "الإدارة الذاتية" متخوفة حيال حراستها لهذا الكم الهائل من المساجين من دون محاكمة، بل تعتبر التهديدات التركية الأخطر من نوعها في حال شنت أنقرة هجوماً برياً لتنفيذ مخطط المنطقة الآمنة لـ30 كيلومتراً في العمق السوري. ولن تتمكن قوة الحراسة حينها من نقل العدد الضخم وغير المسبوق من المساجين إلى أماكن أكثر أماناً بحال حدوث أي اشتباك أو قصف صاروخي، وبالتالي يمكن توقع فرار جزء منهم.
القوة الضاربة
في غضون ذلك يعول قادة "داعش" على الكتلة البشرية بمخيمات الاحتجازات العائلية لأفراد التنظيم المتشدد والسعي إلى تحريرها، ولعل إثارة الفوضى المتنامية في أرجاء "مخيم الهول" أكبر وأخطر مخيمات الإقامة الجبرية في العالم وأكثر سكانه من نساء "داعش" وأطفالهم، تسرع في عمليات تجنيد عناصر جدد أو تسربهم. ويبدو جلياً سريان تعاليم "داعش" القاسية والصارمة على النساء، وبالتالي يحكم على كل مخالف بالتصفية الجسدية، أو تمارس ضغوط على من ترغب من الأسيرات بالتحرر من أفكار التنظيم.
إزاء ذلك تحاول القوى الأمنية التابعة للإدارة الذاتية الكردية (الأسايش) وعشرات المنظمات الدولية والمحلية، إرساء توازن في مخيم "الهول" الواقع على بعد خمسة كيلومترات من بلدة الهول في ريف الحسكة، ويبلغ عدد القاطنين فيه 50 ألفاً، إلا أنهم يعانون حالات عنف متزايدة، إذ سجل في عام 2021 لوحده مقتل 93 شخصاً، معظمهم سقطوا بأسلحة فردية.
في المقابل تشير المعطيات خلال العام الحالي إلى انخفاض عدد الجرائم إلى الصفر بحسب وصف قائد قوة المهمات المشتركة الأميركي ماثيو ماكفارلين، مقارنة بالأعوام السابقة في تصريحات أدلى بها في منتصف شهر أغسطس (آب) الماضي، مشيراً إلى مساعي بلاده لتخفيف عدد القاطنين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العودة للديار
في غضون ذلك تحاول دول التحالف برئاسة أميركا مع شريكتها المحلية "الإدارة الذاتية" الكردية إيجاد حل سريع، على رغم تأخر دام سنوات، لإعادة جزء كبير من قاطني المخيم من عائلات التنظيم (أطفال ونساء)، إلى جانب أفراد "داعش" من الرجال الأجانب، ليخضعوا للمحاكمة أو دورات تأهيلية بغية دمجهم مع مجتمعاتهم المحلية من دون جدوى.
التباطؤ الشديد الذي تبادلته الدول الأجنبية ولاسيما دول الاتحاد الأوروبي، يبرره متابعون لحال القلق الحاصلة من عودة مواطنين متطرفين ومشبعين بالأفكار المتشددة، لكن بالوقت ذاته بدأت 57 دولة على مضض بإرجاع مواطنيها ضمن برامج زمنية غير واضحة، بحيث تتفاوت أساليب التعامل مع عمليات الدمج لاسيما أن جل من عاد هم من النساء والأطفال. وتفيد وسائل الإعلام الغربية عن إخضاع العائدين إلى رقابة شديدة، فضلاً عن برامج دمج وتأهيل عالية الدقة.
مجرى العدالة
وإزاء ذلك فقدت "الإدارة الذاتية" صبرها بعدما طال انتظارها أي تحرك دولي يبت مصير السجناء المتشددين، ففي وقت تتوالى بشكل بطيء عودة العائلات الأجنبية لبلدانها الأصلية تبقى منهم العناصر المقاتلة والسجينة، وبعد تأخر محاكمتهم أصدرت "الإدارة الذاتية" قراراً بإنشاء محكمة للبت بقضاياهم في النصف الأول من شهر يونيو (حزيران) الماضي، وجاء في بيان للإدارة أن "المحاكمات ستكون عادلة وعلنية وشفافة".
وجاء قرار الإدارة الكردية بعد تقاعس بعض الدول في الاستجابة لنداءات تطالبها باستلام مواطنيها، ومعظمهم أوروبيون من فرنسا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا، ومن دول عربية. كما لم يتحمس المجتمع الدولي لفكرة المحاكمة التي تعد حساسة جداً، وتتطلب معلومات استخبارية وجمع أدلة، علاوة عن فكرة إنشاء المحكمة واستمراراها التي تحتاج أيضاً إلى اعتراف دولي واسع.
من جهتهم لا يفوت سجناء الجماعة المتشددة أية فرصة سانحة للهرب، ولعل أبرز عمليات الفرار جرت حين ضرب زلزل السادس من فبراير (شباط) 2023 شمال غربي سوريا، واستغل 20 محتجزاً الحالة الطارئة وفروا من سجن "راجو" للشرطة العسكرية الخاصة بفصائل سورية معارضة موالية لتركيا.