Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

في خطاب بوتين التلفزيوني الغريب والطويل كمن الشيطان في التفاصيل

يكتب كريس ستيفنسن قائلاً إن ظهور نسخة مولدة بالذكاء الاصطناعي من فلاديمير بوتين في محادثة مع فلاديمير بوتين الحقيقي لم يكن حتى الأكثر إثارة للدهشة في خطاب حالة الأمة الذي وجهه الزعيم الروسي

بوتين في مواجهة نظيره المولد من الذكاء الإصطناعي الذي أشير إليه بـ"المقيم في سانت بطرسبرغ" (اندبندنت، صحافة روسية) 

ملخص

رسائل بوتين المستترة قي خطابه السنوي

كان المشهد لحظة فاتت روسيا العام الماضي - إنه مشهد المؤتمر الصحافي الذي يعقده فلاديمير بوتين نهاية كل عام وينتهي به الأمر عبارة عن مزيج من البيانات والأسئلة التي يوجهها الحضور المجتمعون وغيرهم. يمتد الحدث لساعات: ثلاث أو أربع ساعات في الأغلب، اعتماداً على مدى كرم الزعيم الروسي.

مع إلغاء المناسبة العام الماضي، هذا هو أول مؤتمر صحافي رئيسي يعقده بوتين منذ أن أمر بالهجوم على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. الحملة العسكرية التي بدا أن الكرملين يحسب أنها ستستمر أسابيع تقترب الآن من دخول سنتها الثالثة، مع دفع موسكو ثمناً يساوي مليارات الجنيهات الاسترلينية، ومئات الآلاف من الأرواح، في ما أصبح الآن مأزقاً فعلياً على الخطوط الأمامية. ويحبط الدفاع الأوكراني القوي المتمتع بدعم غربي خططه.

كل عنصر تقريباً من عناصر مؤتمر بوتين المعادلة لخطابات فرانكلين دي روزفلت الإذاعية يدار بعناية وينقله التلفزيون الحكومي، لقد تلقى أسئلة خلال أكثر من أربع ساعات. وهكذا يكمن الشيطان في التفاصيل، الأشياء الصغيرة التي يتركها بوتين تفلت من بين يديه بينما يقدم ما هو في الأغلب إجابات معدة مسبقاً. إنها الشقوق الصغيرة في الواجهة.

اقرأ المزيد

ظهرت الأسئلة، المفترض أنها صدرت عن المشاهدين (لكن هذا غير مؤكد)، على شاشات وضعت وراء الجمهور. ودعا أحدها بوتين، الذي أعلن أخيراً عزمه على الترشح لولاية جديدة عام 2024، إلى أن "يفسح المجال أمام الشباب". وقال آخر: "لن يبث هذا السؤال! أود أن أعرف، متى سيولي رئيسنا اهتماماً إلى بلده؟ ليس لدينا تعليم ولا رعاية صحية. الهاوية تنتظرنا". وقال ثالث: "متى ستكون روسيا الحقيقية هي نفسها التي تظهر على شاشة التلفزيون؟".

من الصعب تمييز ما إذا كانت هذه الأسئلة هفوات، أو محاولة مصممة لإظهار أن المعارضة مقبولة، هذا على رغم أن عدد المعارضين السياسيين وغيرهم الذين سجنوا بسبب كلام كهذا يظهر مدى ضآلة تسامح بوتين مع المعارضة. ولا ريب في أنه لم يكن يتطلع إلى الإجابة عن أسئلة كهذه.

في كلتا الحالتين، ليس هناك شك في مدى حرج الترافق بين إجابات بوتين والأسئلة، هذا لأن الرئيس الروسي كان يواجه هذا الصيف فقط محاولة تمرد غير عادية عندما سار يفغيني بريغوجين ومرتزقته التابعون لـ"مجموعة فاغنر" إلى موسكو احتجاجاً على كيفية مقاربة حرب أوكرانيا - في أكبر تهديد واجهه بوتين لسلطته خلال أكثر من عقدين من توليه الحكم - من المرجح أنه شعر بالإحراج إزاء هذه الانتقادات الحادة.

على رغم أن نتيجة اقتراع عام 2024 لن تكون موضع شك يذكر، نظراً إلى قبضة بوتين الحديدية على السلطة، يحرص الكرملين على إبراز صورة قوية - وقليل من مظاهر النزاع [العام] تعطي أولئك الذين يشاهدون المؤتمر في منازلهم الانطباع بأن الديمقراطية حية وفي صحة جيدة في روسيا. قال سؤال نصي آخر: "لماذا يتعارض ’واقعك‘ مع واقعنا المعيش؟". كانت الصورة تنضخ بما فيها.

كان المؤتمر الصحافي هو المرة الأولى التي يواجه فيها بوتين أسئلة من صحافيين غربيين منذ بدء حرب أوكرانيا. من الواضح أن الكرملين أراد أن يظهر للروس أن الرئيس الروسي لا يخشى التدقيق الدولي، حتى لو أجاب بإعلان المواقف القديمة المعادية للغرب باعتباره السبب الجذري للعلل الحالية التي تعانيها روسيا، والرطانة الساخرة حول الطريقة التي سيتدفق بها التمويل الغربي لأوكرانيا قريباً في حين يعاني كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في إقرار دعم نقدي جديد [توفير تمويل] لكييف. وأشار إلى أن السلام غير مرتقب مع أوكرانيا حتى "نحقق أهدافنا" - هو مستوى من الغموض أتقنه بوتين.

في ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا أيضاً، استبعد بوتين الحاجة إلى تعبئة ثانية لجنود الاحتياط للقتال - الخطوة التي لا تحظى بشعبية كبيرة بين العائلات التي لا تريد إرسال أبنائها إلى الموت، لكنه قال إن هناك حالياً 617 ألف جندي روسي عند الخطوط الأمامية، مما يشير إلى أن أكثر من 300 ألف من قوات موسكو قتلوا أو أصيبوا بجروح خطرة بما يكفي لمغادرة الخطوط الأمامية، عند مقارنة الرقم بالأرقام السابقة التي حددها مسؤولون روس. ويتطابق ذلك تقريباً مع ما أورده تقرير استخباراتي أميركي صدر أخيراً بأن 315 ألف جندي روسي إما قتلوا أو أصيبوا بجروح منذ بدء الحرب - وأضاف أن الرقم يساوي ما يقارب 90 في المئة من الأفراد العسكريين الروس الذين كانوا حين مباشرة الحرب. ومن الواضح أن إشارته إلى مقتل عدد من الأشخاص "المقربين" منه كانت تهدف إلى الإشارة إلى أن بوتين يشعر بالخسارة التي تكبدتها الأمة.

جاء إلغاء المؤتمر الصحافي العام الماضي بعدما استعادت القوات الأوكرانية أراضي في الجنوب والشرق، وفي حين قال بوتين إن قواته "تحسن مواقعها" في الخطوط الأمامية بأكملها لكن المكاسب كانت "متواضعة"، هذه في الأساس اللغة التي يستخدمها الكرملين للاعتراف بأن ثمة مأزقاً في شطر كبير من ساحة المعركة. كذلك اعترف بوتين بسيطرة الأوكرانيين على "منطقة صغيرة" من ضفة نهر دنيبرو الشرقية التي تحتلها روسيا، قائلاً إن القوات الروسية تراجعت لأمتار قليلة "لإنقاذ شباننا". وهذا اعتراف صارخ، حتى لو تلطى وراء التخفيف [من وزن الخسارة] بالقول إن المشكلة ليست كبيرة [لا يعتد بها].

حاول بوتين أيضاً الحفاظ على جو مريح. مازح رجلاً طرح سؤالاً قائلاً له بأنه شاب ووسيم من ثم يجب أن يؤسس عائلة. كانت هناك أيضاً لحظة غريبة عندما سأل "طالب في جامعة سانت بطرسبورغ الحكومية" - هو في الواقع نسخة مولدة بالذكاء الاصطناعي عن بوتين نفسه - عن استخدامه أشباهاً له كبدائل، علماً أن المسألة جزء منتظم من التكهنات التي تدور حول بوتين. قال بوتين: "هذا هو أول بديل لي، بالمناسبة"، بعدما قال إن "شخصاً واحداً فقط" سيتحدث بصوته.

كما هي الحال مع كثير مما يقدم عليه بوتين، صمم المؤتمر الصحافي واحتسبت تفاصيله لتحقيق أقصى قدر من التأثير في جمهوره المحلي، إلى جانب الانتقادات المعتادة في الغرب. اتسم الشطر الراجح منه بالخفة، لكن ثمة ما يعتد به مستتر وراء كل تلك الواجهة البراقة.

© The Independent

المزيد من آراء