ملخص
نحو 300 ألف شخص نازح كانت تعج بهم معسكرات الإيواء في ود مدني فروا إلى خارجها سيراً على الأقدام... تعرف إلى وجهاتهم التالية
بعد أن طاولت الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة الواقعة وسط السودان على بعد 186 كيلومتراً من الخرطوم، وبسط الأخيرة سيطرتها على مدن الولاية وممارسة انتهاكات واسعة في حق المواطنين، فضلاً عن أعمال النهب والسرقة، تجددت موجات النزوح مرة أخرى والذي أدى إلى فرار مئات الآلاف نحو ولايات سنار والقضارف وكسلا.
فتحت قرى ومدن هذه الولايات أبوابها لاستقبال الوافدين بالمدارس، والمساجد، فضلاً عن وجودهم في المتنزهات والحدائق والطرقات العامة تحت ظلال الأشجار، إضافة إلى قيام عديد من الأسر والعائلات الكبيرة في تلك المناطق باستقبال النازحين في منازلهم.
وباتساع رقعة الحرب تتفاقم معاناة النازحين الإنسانية في ظل ارتفاع أسعار الوقود الذي أدى بدوره إلى زيادة قيمة تذاكر السفر بين المدن، مما دفع المواطنين إلى السير على الأقدام قاطعين مسافات طويلة للوصول إلى المدن والقرى القريبة من ود مدني، إلى جانب صعوبة الحصول على وسائل النقل الأخرى التي نتجت من التزاحم الكثيف على محطات المواصلات من شاحنات وحافلات.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للهجرة الدولية فاقع عدد الذين فروا للبحث عن الأمان 300 ألف شخص بعد أن كانت تعج بهم معسكرات الإيواء، بسبب تصاعد الإشتباكات بين طرفي النزاع، وحالات الهلع والخوف الذين سيطرا على النازحين وسكان ولاية الجزيرة التي كانت تعد قلعة النزوح الأولى منذ اندلاع حرب الخرطوم في منتصف أبريل (نيسان)، وثاني الولايات من حيث الثقل السكاني، والثالثة اقتصادياً، فضلاً عن استقبالها نصف مليون نازح من سكان العاصمة ودارفور وكردفان.
استغلال الأوضاع
النازحة أماني محمود التي كانت تقيم بمدينة ود مدني قالت، "تجدد نزوحنا للمرة الثانية من مدينة ود مدني التي جئنا إليها نازحين من الخرطوم، وذلك بعد تصاعد الاشتباكات وتبادل القصف المدفعي وتحليق الطائرات المقاتلة، فضلاً عن شعورنا بالخوف وعدم الأمان في ظل إغلاق الأسواق وقطع التيار الكهربائي والمياه وعلى نحو سريع انعدام الخبز بعد سرقة مخازن الدقيق، إلى جانب نهب المنازل".
وتابعت "مما زاد مخاوفنا أيضاً التعرض للانتهاكات والاغتصاب والعنف الجنسي، لذلك قررنا النزوح نحو مدينة سنار التي تبعد 100 كيلومتر عن ود مدني". وأضافت، "النزوح الكثيف والتكدس بمحطات المواصلات أدى إلى استغلال الوضع، لا سيما أن هناك ارتفاعاً في سعر الوقود ليصل ليتر البنزين إلى 20 ألف جنيه سوداني (نحو 20 دولاراً)، فتسبب في رفع أسعار التذاكر التي فرضها أصحاب المركبات والسماسرة على المواطنين، إذ بلغ سعر الباصات السفرية الكبيرة من ود مدني إلى سنار 120 ألف جنيه (يعادل 110 دولارات) والباصات الصغيرة أو الحافلات إلى 70 ألف جنيه (نحو 80 دولاراً) دون تقديم خدمات أقلها المياه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت أماني "النازحون خصوصاً الذين يقيمون في معسكرات الإيواء، وغالبيتهم ليس لديهم مقدرة على توفير المال، لا سيما أن الحرب فاجأت هؤلاء النازحين وسكان الولاية، مما دفعهم إلى النزوح سيراً على الأقدام لمسافات طويلة بحثاً عن الأمان متجهين نحو مدينة سنار والقرى المجاورة". وواصلت "أتمنى أن لا تطاول الحرب بقية مدن الولايات التي لجأ إليها النازحون لأن أوضاعهم ستسوء أكثر من كل النواحي المادية والصحية وغيرها، وكل أملنا أن نحظو بالاستقرار بعيداً من التشرد وعدم الأمان لأننا عانينا بما فيه الكفاية ولا نريد أن أن يكون مصيرنا المجهول".
النزوح الثالث
صلاح إبراهيم الذي كان يقيم بمدينة ود مدني بعد أن نزح إليها بصحبة أسرته من أم درمان بعد تصاعد حدة المعارك فيها، أوضح أنه "في وقت يحاولون فيه الاستقرار في ود مدني وترتيب أوضاعهم فيها بعد حصولهم على فرص عمل، لاحقتهم المعارك العبثية ليتجدد نزوحهم للمرة الثانية فراراً من هول القتال الذي توسع ليشمل ولاية الجزيرة بأكملها من مدنها وقراها المجاورة التي سقطت الواحدة تلو الأخرى".
وتابع إبراهيم، "أدى ذلك إلى فرار آلاف الأسر، بخاصة فئات الأطفال وكبار السن وذوي الحاجات الخاصة وأصحاب الأمراض المزمنة، لا سيما أن ود مدني بها عدد كبير من مرضى الفشل الكلوي والسرطانات بعد نقل الخدمات الصحية إليها، وبسبب الحرب خرجت مستشفياتها عن الخدمة وأصبح هناك انهيار كامل في المنظومة الصحية بعد أن تعرضت للنهب والسرقة والتخريب".
ولفت صلاح أن "نزوحهم إلى سنار كان غير مدروس، وأن الخوف كان يسيطر عليهم، خصوصاً بأنه ليس لديهم أقرباء أو معارف فيها، فمكثنا يومين بأحد المساجد ونسبة إلى اكتظاظ المكان بالنازحين، فضلاً عن سوء الخدمات وتدهور الوضع الإنساني، مما جعلنا نغادر إلى ولاية كسلا، حيث يوجد أقارب لنا يمكننا الإقامة معهم".
وأردف "أمضينا خلال رحلتنا من سنار إلى كسلا أوقاتاً مروعة وحالة من التوتر والقلق، فكابوس القتال وما شاهدناه داخل ود مدني من مواجهات وإطلاق كثيف للنيران جعلنا لا نأمن أية منطقة نتجه إليها، فهذه رحلتنا الثالثة في النزوح، فقد عانينا كثيراً منذ اندلاع الحرب التي لا ندري نهايتها بعد أن دمرت منازلنا وقضت على أحلامنا".
تفتيش واعتداء
وفي السياق، أوضح أحد سائقي المركبات السفرية خالد عجب أن "إغلاق جسر حنتوب المؤدي إلى ولايات الشرق إثر تصاعد الاشتباكات قبل سقوط ود مدني في يد "الدعم السريع" أدى بدوره إلى استخدام المركبات طرقاً أخرى أكثر وعورة، مما جعل وقت الرحلات طويلاً".
وأضاف السائق، "المشهد الآن يتكرر وسبق أن عانينا عند بدء حرب الخرطوم في منتصف أبريل الماضي، فضلاً عن النزوح الكثيف وصعوبة ترحيل المواطنين في ظل انتشار قوات طرفي الصراع بالطرقات وتعرض النازحين للتفتيش الدقيق والاعتداء بالضرب على المشتبه فيهم". وتابع عجب "السائقون يعانون ارتفاع أسعار الوقود التي وصلت إلى أرقام فلكية، وعلى رغم ذلك غير متوفرة إلا في السوق السوداء، في وقت تحتاج فيه الباصات السفرية الكبيرة إلى كميات وافرة منه، مما اضطر أصحاب المركبات إلى رفع قيمة التذكرة التي تتفاوت بحسب حجم المركبة وعدد ركابها".
وأكد عجب أن الحرب فرضت ظروفاً قاسية ظل المواطنون السودانيون يتعايشون معها مجبرين، وفي حال استمرارها واتساع رقعتها سيكون الأمر أكثر صعوبة وقد لا نجد طرقاً نسلكها للوصول إلى الأماكن الأمنة.