طفا ملف المبلغين عن الفساد على سطح الأحداث في تونس، بعد أن دعت وزيرة العدل ليلى جفال إلى ضرورة توفير الحماية لهم في ظل شكاوى عشرات منهم من تعرضهم إلى مضايقات وتهديدات بالتصفية، بسبب القضايا التي بلغوا عنها.
وحاولت تونس منذ سنوات وضع ترسانة قانونية من أجل حماية المبلغين عن الفساد، إذ جرى في عام 2017 إقرار قانون يهدف إلى توفير ضمانات لهؤلاء من أجل توحيد الجهود بين الحكومة والهيئات الرقابية والمواطنين لمكافحة الفساد الذي استفحل بشكل كبير.
مساعي السلطات التونسية إلى توفير حماية للمبلغين عن الفساد تتزامن مع رفع الرئيس قيس سعيد شعار محاربة الفساد منذ أشهر، وتوقيف عدد من رجال الأعمال والسياسيين والنقابيين، فيما يتوعد بتطهير الإدارة من تعيينات تحوم حولها شبهات تدخلات وغير ذلك.
تهديدات ووعود
بدورها استقبلت وزيرة العدل التونسية ليلى جفال عدداً من المبلغين عن الفساد، مشيرة إلى ضرورة توفير الحماية لهم، لكن لم تعلن إجراءات لفائدتهم بعد.
ويقدر عدد المبلغين عن الفساد في تونس بـ400 شخص قدموا بشكل طوعي ملفات تفيد بوجود شبهات فساد في مسائل، مثل صفقات عمومية أو تعيينات أو غير ذلك.
وقال محمد الحفصي وهو أحد هؤلاء المبلغين إنه "بلغ عن الفساد في عام 2012 في ما يخص صفقة عمومية، قبل أن يصدر قرار قضائي في عام 2020 يقضي بتوفير حماية لي بعد تعرضي لتهديدات وابتزاز".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الحفصي في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، "تحركي في هذا الملف جعلني عرضة للطرد التعسفي من وظيفتي ونقلي إلى مكان آخر. شخصياً لا أطالب بشيء إلا بتطبيق القانون وبالفعل صدر قرار بحمايتي ويجب أن يطبق ويعاد فتح الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد".
ومضى في حديثه، "هذه الهيئة قدمنا ملفات لها وتتضمن هوياتنا وبياناتنا الشخصية، وهو أمر يسعى الفاسدون إلى استغلاله في مواجهتنا، ومع الأسف الهيئة لا تزال مغلقة حتى الآن ونطالب بفتحها".
ونفذ المبلغون عن الفساد حركات احتجاجية عدة، في مسعى إلى الضغط على السلطات من أجل توفير الحماية لهم، ونجحوا بالفعل في لفت الأنظار إليهم لكن من دون أن تتخذ إجراءات واضحة المعالم لصالحهم.
وكان رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد السابق شوقي الطبيب ندد في وقت سابق بما وصفه بـ"التنكيل وملاحقة المبلغين عن الفساد" من إداراتهم ومسؤوليهم في العمل.
وتعرف تونس استفحالاً لظاهرة الفساد، وكشف التصنيف الذي تنشره منظمة الشفافية الدولية بشكل سنوي في يناير (كانون الثاني) الماضي عن احتلال البلاد المرتبة الـ85 ضمن مؤشر مدركات الفساد متراجعة بأربعة مراتب عن عام 2022.
وفيات وتنكيل
تحرك السلطات التونسية يأتي في وقت يواجه فيه ملف الفساد جموداً على رغم وتيرة الإيقافات التي تعرفها البلاد، وهي إيقافات طاولت رجال أعمال بارزين مثل مروان المبروك صهر الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وكمال اللطيف وغيرهم.
وقال رئيس المنظمة التونسية للتنمية ومكافحة الفساد زبير التركي، إنه "سجلت خمس وفيات في صفوف المبلغين عن الفساد، توفي هؤلاء بسبب التهديدات والضغوط النفسية التي تمارس ضدهم".
وأردف التركي في تصريحات بثتها وسائل إعلام محلية، أن "مكافحة الفساد في تونس بات ملفاً أجوف، وعلى رئيس الجمهورية قيس سعيد إعادة فتحه، وعلى السلطات توفير الحماية الأمنية والقانونية للمبلغين عن الفساد وأيضاً إعادة فتح هيئة مكافحة الفساد".
ولطالما شكل ملف مكافحة الفساد مادة دسمة في المحطات السياسية الكبرى في تونس، ولعب على وترها كثير من السياسيين لتعبئة الأنصار لكن من دون وضع خطط واضحة قادرة على مكافحة هذه الظاهرة.
ومن أبرز هؤلاء رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، الذي قال في عام 2017 إنه "إما أن ينتصر الفساد أو الدولة، وأنا اخترت دعم الدولة وتونس في حربها ضد الفساد"، لكن أيضاً الرئيس قيس سعيد الذي يتبنى خطاباً متشدداً إزاء من تحوم حولهم شبهات.
هيئة مكافحة الفساد
ولا تقتصر مطالبات المبلغين عن الفساد على توفير الحماية القانونية والأمنية لهم، بل تشمل أيضاً إحياء دور الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وهي هيئة تم شكلت في عام 2011 الذي شهد انتفاضة شعبية.
وفي الـ20 من أغسطس (آب) 2021 أغلقت السلطات التونسية مقر الهيئة بعد أيام قليلة عن إطاحة الرئيس قيس سعيد البرلمان والحكومة المنتخبين وتشدينه لمسار سياسي مثير للجدل.
وقال الباحث السياسي محمد ذويب إنه "يجب إعادة إحياء دور هيئة مكافحة الفساد بتركيبة جديدة، وهناك شخصيات معروفة في البلاد بمحاولاتها لمكافحة الفساد، وهي شخصيات تولت مهمات في مؤسسات الدولة مثل البرلمان ومشهود لها بالكفاءة".
وتابع ذويب أن "مقاومة الفساد إذا لم تكن مهيكلة في منظمة مثل هيئة مكافحة الفساد لن يكون لها أي أثر، لأنه يجب التدقيق في الملفات التي تحوم حولها شبهات، خصوصاً أنها قد تكون مفبركة أو موجهة من أشخاص ضد آخرين أو ابتزاز أطراف بعينها أو غير ذلك".
وقال الباحث السياسي التونسي، "موقفنا من مكافحة الفساد أيضاً يجب أن يتغير لأنه سلبي، وأعتقد أنه يمكن تغييره بإعادة إحياء دور هيئة مكافحة الفساد وفتح مكاتب لها في مختلف المدن من أجل توعية الناس بأهمية مكافحة هذه الآفة وخصوصاً التبليغ عن وجود الفساد".
وفي خضم حملة السلطات المستمرة ضد عدد من المسؤولين السابقين ورجال الأعمال فإنه من غير الواضح ما إذا سيقود ذلك إلى التقليص من الفساد، أم أنه سينتهي بانتكاسة جديدة على رغم أن آمال التونسيين معقودة على وضع حد لهذه الآفة التي تفتك ببلادهم.