ملخص
قالوا إن التنمية الشاملة هي الحل الوحيد لاجتثاث فكرة التهجير المطروحة من جذورها... موقف مشايخ سيناء من قضية غزة
مع استمرار الحصار الإسرائيلي الخانق على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ومواصلة جيشه الضغط العسكري على النازحين والدفع بهم تدريجاً من الشمال إلى جنوب القطاع، حيث محافظة خان يونس، ثم إلى أقصى الجنوب وصولاً إلى رفح الفلسطينية على الحدود مع مصر. وفي ظل انطلاق بالونات اختبار بين حين وآخر من مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين، وخروج تسريبات بشكل متتابع من قبل مراكز بحثية إسرائيلية وإعلام غربي في شأن مشروعات تستهدف تحويل أجزاء من سيناء إلى مناطق مخصصة للفلسطينيين، يبقى موقف قبائل شمال سيناء ومشايخها من حرب غزة ورؤيتهم لأسباب الاهتمام الإسرائيلي بسيناء أمراً مهماً بعد أن كشف النقاب عن مشروعات محتملة تبحث تهجير سكان غزة إلى سيناء على رغم الموقف الدولي والإقليمي والعربي الرافض للسيناريو الإسرائيلي.
لسيناء طبيعة مختلفة
يرى مشايخ قبائل وأعضاء مجلس نواب وشيوخ وممثلون عن شمال سيناء تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، أن من المهم النظر إلى شبه الجزيرة بطرق مختلفة، والعمل على زيادة الكتلة السكانية داخل أرضها، وتنفيذ مشروعات للتنمية الشاملة، ومعاملتها بشكل يتفهم أبعاد كونها تمثل أمناً قومياً لمصر ومطمعاً لإسرائيل، مؤكدين أنهم يرفضون تصفية القضية الفلسطينية على حساب محافظتهم.
من ضمن الأشياء التي تجعل من أرض سيناء مكاناً مناسباً لتهجير الفلسطينيين وفق النظرة الإسرائيلية، كما يرى كبير قبيلة العقايلة بشمال سيناء وعضو مجلس الشيوخ المصري سالم العكش، أن مساحة شمال سيناء تصل إلى 28 كيلومترا مربعاً، والمأهول منها سبعة في المئة فقط، وعدد سكانها لم يزد على 600 ألف نسمة، ومن الطبيعي أن تلمع عين إسرائيل برؤية تلك المساحة الشاسعة والعدد الضئيل من السكان أمامها في ظل الاختناق والتكدس الموجود في غزة.
هكذا تنظر إسرائيل
يقول شيخ قبيلة العقايلة إن تلك المسألة تتنبه إليها إسرائيل، وبسببها تطمع في سيناء، ولا يمكن غلق هذه الصفحة إلا بتطبيق خطة التنمية الشاملة التي تحدث عنها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من قبل عبر توطين ثلاثة ملايين مواطن من أبناء الدلتا في سيناء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في أكتوبر (تشرين الأول) من العام قبل الماضي سلط محافظ شمال سيناء محمد شوشة الضوء على تلك الاستراتيجية واصفاً إياها بأنها تمثل حرباً للتنمية في سيناء تشمل رفع بنيتها التحتية من كهرباء ومياه وإسكان ومدارس ومراكز شباب ووحدات صحية واجتماعية ومسارح وقصور ثقافة وتوطين ثلاثة ملايين شخص داخل أراضيها.
وفي نهاية أكتوبر الماضي، وتزامناً مع الضغط العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة وظهور ملامح خطة التهجير الإسرائيلية، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إطلاق المرحلة الثانية لتنمية سيناء خلال لقاء موسع مع شيوخ وعواقل شبه الجزيرة بمقر الكتيبة 101 بمدينة العريش، مؤكداً تنفيذ مشروعات في سيناء خلال 10 سنوات بأكثر من 600 مليار جنيه مصري، مع إنفاق نصف المبلغ المذكور في شمال سيناء.
ولفت إلى أن القرار الرئاسي يضع مسؤولية تنفيذ مشروعات تنمية وإعادة إعمار شمال سيناء على كاهل أهاليها، على أن توفر الدولة التمويل اللازم، إضافة إلى مساعدتهم باللوجيستيات المتاحة.
وفي شأن كيفية خروج سيناء من المعادلة الإسرائيلية، يلفت العقيلي إلى ضرورة أن لا ترتبط شمال سيناء بالروتين الحكومي والقوانين المعمول بها في المحافظات الأخرى. فوفق خبرته السابقة خلال فترة رئاسته مجلس محلي المحافظة لمدة ست سنوات، يجب أن يكون لشمال سيناء إدارة خاصة ترعى شؤونها وتكون مسؤولة عن تنميتها بصورة كاملة، موضحاً أنه يحترم الدولة وقوانينها، لكن سيناء مسألة مختلفة، وليس معقولاً مثلاً أن تنفذ قرارات الإزالة داخل أراضيها والمأهول من مساحتها سبعة في المئة فقط، من ثم هناك أمور لا يصلح تنفيذها بالمحافظة، وما ينطق على محافظات مصر لا ينطبق بالضرورة على سيناء بسبب طبيعتها الخاصة، مشيراً إلى أن التحرك في هذا المسار سيجنب المحافظة المخطط الإسرائيلي القائم على تهجير الفلسطينيين إليها.
أسباب رفض التهجير
وحول موقف القبائل من الحرب في غزة والأزمات الملتهبة بالجوار، قال شيخ قبيلة العقايلة إن "قدرنا أن نعيش بمنطقة حدودية، وما يحدث في غزة إبادة جماعية، لكننا ندعم رؤية الدولة المصرية برفضها فتح باب سيناء أمام التهجير. من المؤكد أن الفكرة راسخة بالمخيلة الإسرائيلية، لكن هناك مؤشرات تجعل منها أمراً مستبعد الحدوث".
وتعددت مواقف مصر الرسمية لإعلان رفضها السيناريو الإسرائيلي بين طلبات إحاطة تحت القبة البرلمانية، وتصريحات تضمنت رسائل مبطنة إلى مسؤولين تلمح بأن الخيار العسكري "ليس مستبعداً" حال الإقدام على تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وصولاً بالمظلة الشعبية والتلويح بفتح الباب أمام المصريين للتعبير عن موقفهم.
كما تدفقت الرسائل من الدول الغربية التي عبرت عن تضامنها مع الموقف المصري من التهجير. وكان آخرها ما قاله وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من تصريحات في أعقاب زيارته لإسرائيل من أن بلاده ترفض أي مقترحات لتهجير الفلسطينيين من غزة، وتطرقه في الحديث إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد له أن تهجير الفلسطينيين ليس ضمن سياساته.
وروى العكش أنه استقبل اتصالاً من والد أحد ضحايا غزة، وكان نجله يخضع للعلاج بأحد مستشفيات العريش، يخبره أن الابن توفي ويريد الحصول على المساعدة كي يعود إلى القطاع لإنهاء إجراءات الدفن هناك. وعلق قائلاً، "قمت بمساعدته، والواقعة تكشف عن أن فكرة التهجير مستبعدة لدى الفلسطينيين أنفسهم".
وشدد ممثل قبيلة العقايلة على أن "انتقال الفلسطينيين إلى رفح المصرية أو أي شبر من سيناء مسألة مرفوضة لدى أبناء المحافظة ككل، ونحن خضعنا كقبائل إلى أربعة اختبارات منذ 1948، أثناء الضغط الإسرائيلي لتدويل سيناء وإعلانها دولة منفصلة، وقد دعمنا مصرية الدولة وطلبت القبائل في تلك الأثناء أن يكون التفاوض مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وكذلك في نكسة 67 ساعدنا الجنود المصريين في العبور عبر قناة السويس، وكنا أدلاء للجيش أثناء تلك الفترة، ثم حرب 73 وموقفنا المساند للدولة، ثم الوقوف بعد ذلك مدججين بالأسلحة مع القوات المسلحة والشرطة المدنية في معركتها ضد (داعش) منذ عام 2013، من ثم فلن نترك سيناء لتنفيذ سيناريو التهجير بعد أن دفعنا الدماء من أجل حمايتها، ولا يمكن أن نفرط في شبر من رمالها".
وفي شأن الأسباب التي تجعله يرى صعوبة التهجير علق عضو مجلس الشيوخ المصري، "كل شبر من سيناء يحتفظ بدماء أبناء مصر من جميع المحافظات. مثلاً كان اسمي رقم (3) على قوائم الاغتيالات التي وضعتها (داعش)، ولم أنزح من سيناء أو أغادر قريتي، وتعرضت للتهديد أكثر من مرة، وكنا نبيت في منازل مختلفة بسبب هذه الأجواء، وراح من عائلتي 16 ضحية خلال هذه الحرب، ولا يعقل أن نترك سيناء للتهجير أو نفرط فيها بعد أن سيطرت الدولة عليها ووصلنا للتهدئة".
دعم قائم بالمساعدات
يتفق مع الرأي السابق عضو مجلس النواب، وأحد كبار مشايخ قبيلة الرميلات سالم أبو مراحيل، قائلاً إن قبائل سيناء ترفض التهجير القسري للفلسطينيين بصورة كاملة، وتدعم قرارات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورؤيته في هذا الشأن، مشيراً إلى أن إسرائيل تريد أن تقضي على سكان غزة على حساب سيناء.
وبحسب تصريحات كبير شيوخ الرميلات لـ"اندبندنت عربية"، فإن "سيناء عادت بالدماء وليس بالسلام، ولا يمكن أن نفرط فيها ونتركها للتهجير بعد أن قضينا ما يقارب سبع سنوات نحارب في الإرهاب"، لكنه مع ذلك قال "إننا نقف مع ممثلي الصليب الأحمر، ولم نقصر مع سكان غزة في المساعدات الإنسانية التي قدمناها إليهم، وتدخل العربات بصورة مكثفة إلى القطاع منذ الحرب التي بدأت في السابع من أكتوبر، لكن هناك من يشكك في هذه الحقائق".
وحول الهدف من السيناريو الإسرائيلي المطروح، قال إن إسرائيل مهتمة بقصة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء لأنها ترى فيها مساحة خالية من السكان، ومن زمن بعيد وإسرائيل تطمع في هذه الأرض، والأمر ليس مرتبطاً بالحرب على غزة، لكن القبائل لن تقبل التهجير ولو على جثث أبنائها.
وأضاف أبو مراحيل، "حاربنا الإرهاب مع قواتنا المسلحة، ودفعنا الدماء ولم نسترد الأرض من دون مقابل، من ثم لا يمكن أن نسمح بمثل هذه الأفكار الإسرائيلية".
في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي وخلال جلسة برلمانية مغلقة لنواب حزب "الليكود" الحاكم، قال نتنياهو وفق ما أعلنته وسائل إعلام إسرائيلية، إنه يسعى إلى وضع خطط لتنفيذ الهجرة الطوعية للفلسطينيين من غزة إلى دول أخرى. وخرجت تسريبات عن إجراء تل أبيب محادثات مع دول أفريقية لاستقبال الفلسطينيين.
عضو مجلس النواب عن شمال سيناء يستعيد مشهد وقوف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في استاد القاهرة في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، وحديثه الموجه إلى العالم بأن التهجير القسري للفلسطينيين "خط أحمر"، لن تقبل أو تسمح به مصر. وعلق قائلاً، "كان من ضمن المشاركين في المؤتمر ممثلون من البدو وسيناء ومطروح والمحافظات كافة. وقالها الرئيس بصورة علنية لطمأنة جميع المصريين داخل سيناء وخارجها".
وتوقع أبو المراحيل أن تبدأ مصر الرد بمشروعات تقام في سيناء، معتبراً أن ما عطل هذا المسار هو أن الحرب على الإرهاب انتهت منذ فترة ليست ببعيدة، موضحاً أن إسرائيل تدفع بالفلسطينيين إلى المناطق الحدودية، لكن الدولة تسيطر بصورة جيدة على طول الشريط الحدودي.
وأكد الرئيسان المصري عبدالفتاح السيسي والفلسطيني محمود عباس، الإثنين الماضي، رفضهما تصفية القضية وتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم. وقال الرئيسان خلال لقائهما بالقاهرة، إن إقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس هو الضامن الأساس للأمن والاستقرار في المنطقة.
وكانت الجزائر قد دعت الثلاثاء الماضي إلى عقد جلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي في الـ12 من يناير (كانون الثاني) الجاري، حول التهديدات الإسرائيلية بالتهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة.
وأكد شيخ عشيرة الجهامات قبيلة الترابين ورئيس جمعية "مجاهدي سيناء" عبدالله جهامة، أن "مجلس القبائل على مستوى الجمهورية أرسل أكثر من 40 شاحنة بالمساعدات إلى غزة، وهو أمر واجب علينا، أما في ما يتعلق بعبور الفلسطينيين إلى سيناء فإننا نعلم أن إسرائيل لن تعيدهم مرة أخرى إلى أرضهم". وأضاف "في المقابل استقبلت مصر نحو تسعة ملايين لاجئ من الدول المختلفة، لكنهم سيغادرون إلى أوطانهم عند استقرار الأوضاع هناك".
معارك لحماية سيناء
يعدد شيخ قبيلة الجهامات الأسباب التي يرى أنها تدفع نحو استحالة الموافقة على التهجير. وقال لـ"اندبندنت عربية"، إن مصر خاضت معركة قانونية بعد نصر أكتوبر ومفاوضات "كامب ديفيد" من أجل الحفاظ على الهوية المصرية، ولا يمكن أن نفرط بعد تلك المشقة في سيناء أو نقبل المقترحات الإسرائيلية تحت أية ضغوط.
وبحسب جهامة فإنه "عندما أصدر الرئيس السيسي قراراً بعدم التملك للأجانب وحق الانتفاع من البحر الأبيض إلى البحر الأحمر بعمق خمسة كيلومترات من الحدود صرنا نطمئن إلى الرفض التام لهذه المخططات".
وفي ديسمبر 2012 أصدر السيسي عندما كان يتولى وزارة الدفاع المصرية، قراراً بحظر تملك أو حق انتفاع أو إيجار أو إجراء أي نوع من التصرفات في الأراضي والعقارات الموجودة بالمناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية، وكذا المناطق المتاخمة للحدود الشرقية لجمهورية مصر العربية، بمسافة خمسة كيلومترات غرباً، كما منعت المادة الثانية من القرار التملك لغير المصريين في منطقة شبه جزيرة سيناء.
ويعود عبدالله جهامة ويشدد على أن "قبائل سيناء فقدوا أثناء الحرب على الإرهاب 570 ضحية، من ثم يمكن أن ندعم غزة بالمعونات والوقود، ولكن إذا عبروا إلى سيناء سيتحول القطاع إلى ثكنة عسكرية إسرائيلية، ونقول إنه إذا نادى المنادي وجد الجد فإننا سنكون في المقدمة، ونحن نعلم ألاعيب إسرائيل".
وأنهى حديثه قائلاً، "لدينا قناعة بأن هناك إرادة سياسية لتنمية سيناء بشكل حقيقي، بخلاف ما كان يحدث في الأزمنة البعيدة".