العم سام الهوليودي!
اجتاحت هوليود العالم، لما كنت صغيراً، اصطحبني كل من أبي وخالي إلى السينما، كنت أشاهد أفلام الكاوبوي (رعاة البقر) الأميركية ثم الأكشن (أفلام الحركة) من دون استمتاع. الغريب أني في مراهقتي أيضاً، لم أستمتع بالأفلام الرومانسية الأميركية. الأفلام الأميركية، بدت لاواقعية لعقلي الطفل، إذ إنّ شخصاً واحداً يتغلب على الجميع، يغلب العشرات بعضلاته الفولاذية، أو بمسدس محدود الطلقات، وهو دائماً على حق وغيره مجرمين.
لقد كنت مدمناً على مجلة "سوبرمان" ومجلة الرجل الوطواط الأميركيَّتَيْن، تُتَرجمان وتَصدُران في لبنان، فتكونان في مكتبات بنغازي أسبوعياً. ما في هاتين المجلتين من محتوى، بدا لي معقولاً، فالسوبرمان رجلٌ خارق القوة، جاء من كوكب آخر. أما الوطواط، فيغلب بمساعدة آلات وبخطط ومع أشخاص محدودين، ويُهزم بين الحين والآخر. مع المراهقة، قاطعتُ الأفلام الأميركية، واحتجت إلى وقت كي أعود إلى مشاهدتها.
علاقتي الواقعية مع أميركا، "اليانكي"، "العم سام"، لم تختلف نوعياً، عن علاقتي بالأفلام الأميركية، بطبيعة الحال، مثل غالبية شباب العالم وبخاصة العرب. كنت ضد السياسة الأميركية في العالم وتحديداً في عالمنا العربي، بل حتى في أميركا ذاتها. لكن هناك أمر يخصني، جعل العلاقة الشائكة عندي مرتبكة، بين بطل الفيلم الأميركي الذي لا يُهزم، وأميركا أعظم قوة بشرية في التاريخ حتى الآن، وبين الهزائم التي تُمنى بها، كما يظهر، أين ما كان الجيش الأميركي.
"العم سام الواقعي"
في هذه اللحظة الاستثنائية، أكتب "الفيلم أميركي طويل"، وأميركا تخوض أعظم حروبها، ضد إرهاب دولي يجتاح الكرة الأرضية. الإرهاب الدولي هذا، المتمثل في جماعات مثل "طالبان" الأفغانية. في هذه اللحظة الاستثنائية، تفاوض أميركا - ترمب، محارب "اليانكي" ضد الإرهاب، "طالبان" الجماعة الإرهابية.
لم أفهم ما يحدث في هذا الفيلم الواقعي الأميركي. لم أكن وُلِدت بعد حين هيمنت أميركا على العالم، عقب الحرب الأوروبية الكبرى الثانية، ولا حتى هزيمة هذه القوى الجديدة المهيمنة، في حرب كوريا التي قسّمت شبه الجزيرة الكورية إلى كوريتين، لكنني عشتُ حرب فيتنام، وشاهدت العلم الأميركي، وقد أُزيل من سايغون، التي باتت "هوشي منه" (عاصمة فيتنام الحالية)، ثم شاهدت أشلاء المارينز في بيروت (1983). أما ما حدث في الصومال، فإن نسيتُه فالسينما الأميركية لم تنسَه، أما في العراق، فشاهدت (الرئيس الأميركي جورج) بوش الابن، ومن على حاملة طائرات لا مثيل لها، يعلن النصر، ثم إذ بالجيش الأميركي يجرُ أذياله، والعراق ساحة مذبحة، لم تتصورها حتى هوليود في كل عصورها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أينما أدرت وجهي، في السينما الأميركية، "رامبو" ما لا يُقهر، على الأرض الأميركي مهزوم. وفي السياسة، غالبية المحللين أميركيين، من مختلف الملل والنحل، يريدون إقناعي، بأن "أميركا تجهل العالم، وعليه فهي تفعل ما لا تعلم".
صدّق أو لا تصدّق: في الفيلم الأميركي، أميركا "سوبرمان"، في الواقع العسكري، أميركا مهزومة... لكن صدّق: "طالبان" منظمة إرهابية، وفرت الأرض لغزوة سبتمبر (أيلول)، وضرب أميركا وتحطيم رموزها وقتل الآلاف من مواطنيها، هذا في سبتمبر 2001، ثم تقرّر غزو أفغانستان والعراق. في سبتمبر 2019، تنهي أميركا تفاوضاً مع "طالبان" المنظمة الإرهابية، لتحديد موعد انسحاب القوات الأميركية المحتلة لأفغانستان، وعدد الجنود الذين سينسحبون في تاريخ كذا، والعدد الذي سيبقى، ثم تحديد تاريخ انسحاب هؤلاء، وتفاصيل التفاصيل لذلك وغيره، في مفاوضات دامت حتى الآن، قرابة العام، في أفخم فنادق العاصمة القطرية الدوحة.
العالم فيلم أميركي حتى النخاع
عام 2001، كان (زعيم تنظيم القاعدة أسامة) بن لادن في أفغانستان يحارب دولة الملحدين (الاتحاد السوفياتي)، إذ حشد زبيغنيو بريجنسكي (مستشار الأمن القومي لدى الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر) جماعات من المسلمين، لمحاربة دولة الإلحاد ونجح. ثم نظم بن لادن عام 2001 انطلاقاً من أفغانستان، التي تحكمها "طالبان"، ثلة من الشباب، "تغزو" نيويورك، وتحطم وتقتل على نطاق كبير.
عام 2008، "وول ستريت" انهارت، وضع العالم يده على قلبه "المجلوط". في هذه الحال، يُقبض على أكبر محتال في العالم والتاريخ، المستشار الاستثماري برنارد مادوف، الذي سرق 50 مليار دولار. وأثبتت التحقيقات والمحكمة أنه فعل ذلك منفردا،ً كالبعير الأجرب!
عام 2019، أميركا حامية الديمقراطية، محارِبة أعداء الحرية، التي تخوض حرباً ضروس، ضد الإرهاب الدولي، بخاصة الإسلامي منه، تنهي مفاوضاتها الطويلة مع "طالبان". وتحاول في الوقت ذاته إنجاح الإنجاز التاريخي، المتمثل بالتفاوض مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، الذي كان جَده كيم إيل سونغُ، أدخل أميركا، في أولى حروبها لحماية العالم الحرّ، عقب هيمنتها على العالم، بعد الحرب الكبرى الثانية.
اجتاحت هوليود العالم، لما كنتُ صغيراً، لم أحب مشاهدة أفلامها، لكن الآن في شيخوختي، اتضح لي أن هوليود تدير العالم، الذي بات بين يديها كما الفيلم، فالعالم اليوم عالم افتراضي، يُديره ترمب بتغريده، حسبه أنه يملك حساباً على "تويتر".