ملخص
تتكرر سنوياً مشكلة غرق الطرقات في لبنان بسبب الأمطار والفيضانات مما يكشف عن أزمة عميقة في البنية التحتية، لكن هل من يتحمل المسؤولية؟
تتكشف سنوياً أزمة البنية التحتية في لبنان، حيث تتجدد مشاهد انسداد الطرقات بفعل الأمطار والسيول والفيضانات، مما يعكس تقصيراً واضحاً في الصيانة والتحضير لموسم الشتاء.
محاولاتنا للتواصل مع المسؤولين تلقى الصمت كرد، فوزير الأشغال لم يستجب لاستفساراتنا، وحتى رئيس بلدية بيروت، في تصريحاته المحدودة، نفى مسؤولية البلدية من دون أن يوضح من يتحملها فعلياً، مما يثير تساؤلات حول الإجراءات المتخذة لمواجهة هذه المشكلة المتكررة.
إهمال الجهات المعنية
يوضح النائب إبراهيم منيمنة، عضو لجنة الأشغال النيابية، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن هناك أسباباً عدة وراء طوفان الطرق، أبرزها "عدم تنظيف مجاري مياه الأمطار والأنهار فتتراكم فيها الأوساخ والنفايات، مما يسهم في انسداد المجاري"، مشدداً على "ضرورة تنظيف المجاري بشكل دائم"، ومؤكداً أن هناك "تقصيراً من البلديات المسؤولة داخل المدن".
ويوضح منيمنة أن السبب وراء غرق الطرقات هو "عدم وجود شبكات لتصريف مياه الأمطار، فالبنية التحتية للطرق الموجودة حالياً لا تشمل هذه الشبكات". ويؤكد أنه "كان يجب التخطيط لهذا منذ فترة طويلة، خصوصاً أن لبنان معروف بأمطاره الغزيرة إضافة إلى تزايد تأثيرات التغير المناخي التي أدت إلى زيادة كثافة الأمطار في فترات قصيرة، مما زاد الضغط على البنية التحتية، بحيث تندمج مياه الأمطار مع مياه الصرف الصحي، فيما المجاري غير مجهزة لتحمل كميات كبيرة من الأمطار مما يتسبب في حدوث فيضانات".
بدوره، يوضح المهندس الاستشاري محمد سعيد فتحة، عضو مجلس بيروت، إلى مشكلات متعددة في ما يتعلق بإدارة مياه الأمطار والبنية التحتية، مشيراً أيضاً إلى عدم تنظيف المجاري وتراكم الأوساخ فيها، "بما في ذلك النفايات البشرية وأوراق الشجر، مما يؤدي إلى انسدادها"، لافتاً إلى أن "مسؤولية تنظيف الطرق الرئيسة تقع على عاتق وزارة الأشغال، بينما تتحمل البلديات مسؤولية الطرق الداخلية".
الأزمة الاقتصادية
كما يعزو منيمنة هذه المشكلة إلى "الأزمة الاقتصادية الحالية ونقص الميزانيات لدى الجهات المعنية، مثل الوزارات والبلديات"، لافتاً إلى أن "المقاولين يمتنعون عن تنفيذ الأعمال بسبب أن التعاقدات تتم بالليرة اللبنانية، مما يسهم في تفاقم مشكلة الفيضانات".
من جهته، يشير فتحة إلى أن "وزير الأشغال علي حمية كان قد اعترض على الموازنة المخصصة لوزارته، معتبراً أنها غير كافية حتى للتنظيف، مما يبرز النقص في التمويل الناتج عن الأزمة الاقتصادية".
الفساد الإداري
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما بالنسبة للمواضيع التي تتعلق بالفساد الإداري، فيكشف منيمنة أن "الأموال المخصصة للبنية التحتية، التي بلغت نحو سبعة مليارات دولار خلال الـ20 إلى 30 عاماً الماضية، لم نر نتائجها بشكل ملموس، مما يشير إلى وجود فساد وهدر وعدم كفاءة في العمل وسوء إدارة. وحتى لو نفذت بعض المشاريع، فإن الرقابة في معظم الأحيان غائبة".
ويشير منيمنة إلى أن "الفساد الإداري والمحاصصة الطائفية امتدت إلى المقاولين، حيث يتم توزيع المشاريع بناء على الانتماءات الطائفية بدلاً من الكفاءة والجدارة".
الحلول المقترحة
بهدف مواجهة التحديات القائمة في قطاع البنية التحتية، يقدم منيمنة مجموعة من الحلول المقترحة مؤكداً أهمية "التعاون المشترك بين عدة جهات مسؤولة، وهي: وزارة المياه والطاقة، وزارة الأشغال، مؤسسات المياه، البلديات، ووزارة الداخلية"، لافتاً إلى أن "الصعوبة الحالية تكمن في عدم قدرة الحكومة على تنسيق جهود هذه الجهات بشكل فعال. لذا، من الضروري الدعوة إلى تحمل كل جهة مسؤولياتها بشكل كامل، خصوصاً في ظل وجود مشكلات قديمة تحتاج إلى حلول مستدامة". ويؤكد النائب المعارض في الوقت عينه "أهمية تطوير خطة شاملة لإعادة تأهيل البنية التحتية بالتعاون مع جميع الأطراف المعنية".
الحاجة لاستراتيجية وطنية
أما في سياق تناول دور المشرعين في التعامل مع المشكلات البنيوية، فيشدد منيمنة على الدور الحيوي للتشريعات، موضحاً "يجب علينا أن نضمن أن يكون الإطار القانوني مناسباً لتمكين الجهات المعنية من تحمل مسؤولياتها بشكل كامل"، لافتاً إلى أنه "حالياً، توجد عدة مشكلات، مثل عدم وجود جهة مسؤولة بشكل واضح عن مياه الصرف المطري إلا البلديات، وهذا ليس كافياً لأن المسألة معقدة ولا يمكن حلها على المستوى المحلي فقط. لذا، يتعين علينا إعادة النظر في طريقة التعاون في شأن هذا الملف. على سبيل المثال، يجب أن تكون هناك جهة محددة مسؤولة عن شبكة مياه الأمطار، وأن تدمج هذه المسؤولية ضمن إطار واضح يتكامل مع الاستراتيجية الوطنية للمياه، لضمان إدارة هذه الموارد بشكل فعال ومستدام".
ويتطرق فتحة إلى جهود بلدية بيروت في مواجهة التحديات البيئية والبنيوية، قائلاً "بلدية بيروت، عبر مصلحة الهندسة، قامت بواجباتها على أكمل وجه، حيث تم تنظيف جميع الأقنية قبل بداية موسم الشتاء. بفضل هذه الجهود، لم تشهد مدينة بيروت فيضانات، واقتصرت الفيضانات على المناطق الحدودية مع بلدية الغبيري، وهي منطقة مكتظة وتضم أسواقاً شعبية تم التنسيق بين البلديتين لتنظيف النفايات والتعامل مع الوضع"، معرباً عن أمله في "تحقيق توازن بين الأموال والنفقات لضمان انتظام الأمور بين مالية الدولة والبلديات"، مشيراً إلى "أهمية دور هيئة الشراء العام في تنظيم هذه الأمور والحد من الفساد"، مؤكداً "ضرورة وجود جهات طارئة جاهزة للتدخل السريع في حالات الطوارئ، مثل السيول والأمطار الغزيرة، لضمان تعامل فعال ومنظم مع مثل هذه الحالات".