ملخص
الهجمات على قواعد أميركية تستدعي رداً أميركياً قوياً ومختلفاً عن المرات السابقة لوقوع ضحايا من جهة ولاقتراب الانتخابات وتآكل صورة وصدقية سياسة إدارة بايدن
قتل ثلاثة جنود أميركيين في الأردن، الأحد، وأصيب ما لا يقل عن 34 آخرين في هجوم بطائرة من دون طيار من ميليشيات مدعومة من إيران، وفق إدارة جو بايدن. وتثار الأسئلة حول الرد الأميركي على مقتل الجنود. وقع الهجوم في موقع لوجيستي بشمال شرقي الأردن يسمى "البرج 22"، وينشر نحو 350 من أفراد الجيش والقوات الجوية في موقع "برج 22" الحدودي، ويقع هذا الموقع قرب قاعدة التنف التي تقع على الطريق الاستراتيجي بين سوريا والعراق.
هناك سيناريوهات عدة يدور حولها الرد الأميركي، وهل إذا ما كانت إدارة بايدن بصدد توجيه ضربة مباشرة للعمق الإيراني، ولكن قبل تناول السيناريوهات تلك، لا بد من الإشارة إلى مؤشرات عدة لفهم طبيعة العلاقة بين واشنطن وطهران في الفترة الأخيرة لتحديد طبيعة الرد الأميركي.
وأعلنت الميليشيات المدعومة من إيران والتي تطلق على نفسها اسم "محور المقاومة"، في بيان، مسؤوليتها عن الهجوم على القاعدة قائلة إنه "استمرار لنهجنا في مقاومة قوات الاحتلال الأميركية في العراق". ومن جانبها، نشرت الصحف الإيرانية محتوى الخبر نفسه، وهو "هاجم مجاهدو المقاومة الإسلامية في العراق، بواسطة الطائرات المسيرة، أربع قواعد للأعداء". كما أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أن "فصائل المقاومة في المنطقة لا تتلقى أوامر من إيران في قراراتها وتصرفاتها، ولا تتدخل إيران في قرارات هذه الفصائل في شأن كيفية دعم الشعب الفلسطيني أو الدفاع عن نفسها وشعب بلدها ضد أي عدوان واحتلال".
بداية تعرضت القواعد الأميركية لهجمات عدة من الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا، وتزايدت تلك الهجمات مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أشهر عدة. وحاولت واشنطن الرد بهجمات انتقائية على تلك الميليشيات، ولا سيما في العراق، لكن هذه المرة فإن وقوع قتلى أميركيين يعد تصعيداً على سلم المواجهات بين واشنطن والميليشيات التابعة لإيران، ويعد إحراجاً لإدارة بادين التي تنتظر الانتخابات الرئاسية.
ومن ثم فإن الهجمات تستدعي رداً أميركياً قوياً ومختلفاً عن المرات السابقة لوقوع ضحايا من جهة ولاقتراب الانتخابات وتآكل صورة وصدقية سياسة إدارة بايدن.
وفي حين حاولت إدارة بايدن عدم توسيع الصراع في المنطقة منذ حرب قطاع غزة إلى حرب إقليمية أوسع، إلا أن هذه المرة وقع قتلى عسكريون أميركيون في خضم تلك الاضطرابات. كما يواجه بايدن انتقادات داخلية حادة تعتبر سياسة التراخي تجاه إيران شجعت على استهداف القواعد والجنود الأميركيين. ويرى الجمهوريون أنه يجب الرد على هذه الهجمات المتكررة من قبل إيران ووكلائها من خلال توجيه ضربات مباشرة ضد الأهداف الإيرانية وقيادتها.
تأتي الهجمات على القاعدة الأميركية في الأردن في سياق إقليمي مضطرب، يشهد تبادل الضربات بين إسرائيل و"حزب الله"، حليف إيران عبر الحدود اللبنانية، وإطلاق ميليشيات الحوثي، المدعومة من إيران، صواريخ وطائرات مسيرة على سفن تجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، وردت الولايات المتحدة وحلفاؤها بإطلاق النار، ووجهوا ضربات داخل اليمن مرات عدة، لكن الجديد الذي يتزامن مع تلك الضربة على قاعدة أميركية في خطوة تصعيدية، هو تزامنها مع المحادثات العراقية - الأميركية حول مستقبل الدور الأميركي في العراق، ومطالبات عراقية، لا سيما من الميليشيات التابعة لإيران، بالتعجيل بخروج القوات الأميركية من العراق، خصوصاً أنه قيل إن الأمر قد يستغرق أشهراً عدة. ومن ثم من المرجح أن تلك الضربة جاءت مستهدفة إحراج إدارة بايدن عبر ضربة موجعة للجنود للانسحاب الفوري، وهو ما يتسق بالفعل مع الأهداف الإيرانية للانفراد بالسيطرة على الوضع في العراق عبر إخراج خصمها الأميركي. من جهة أخرى، تأتي تلك الضربة تزامناً مع الاستعداد الإيراني داخلياً لإجراء انتخابات برلمانية من المتوقع ألا تشهد أي إقبال من قبل الناخبين ومقاطعتها على وقع الإحباط الشعبي من النظام الإيراني. وفي حين تمكنت المؤسسات الأمنية في إيران من قمع التظاهرات، فإن المواطنين ليس أمامهم سوى مقاطعة الانتخابات، لكن تخشى إيران أن تتحرك الاحتجاجات مرة أخرى مع قرب إجراء انتخابات مجلس خبراء القيادة والانتخابات البرلمانية، لذا من المرجح أنها تصعد ضد واشنطن في محاولة لردع أميركا وإسرائيل عن التدخل وتحريك قوى معارضة داخلية تثير الاحتجاجات في تلك الفترة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما عن طبيعة الرد الأميركي، ففي حين يرى المحللون أن واشنطن قد تقوم بضربة مباشرة في العمق الإيراني، إلا أن هذا السيناريو ضعيف، أولاً لأن الإدارة الأميركية تعي أن إيران خصم غير مسؤول، ومن جهة أخرى، فعلى رغم الهجمات على القواعد الأميركية، فإن التوترات بين إيران وواشنطن عند حدودها المأمونة، والطرفان يحافظان على عدم تخطي هذا المستوى. المؤشرات عديدة، ومن ذلك، تأكيد واشنطن أن إيران ليست لديها علاقة بعملية "طوفان الأقصى"، وتبادل الرسائل فيما بينهما بعدم انزلاق الأوضاع إلى حرب إقليمية أوسع، وحينما شن الحوثيون الهجمات بالبحر الأحمر، أرسلت واشنطن رسائل لطهران أنها لا تريد تصعيد التوترات، وقد أعلنت البحرية الأميركية التحفظ على سفينة إيرانية تحمل تقنيات ومعدات عسكرية للحوثيين، وأعلن المسؤولون الغربيون وجود عسكريين من "الحرس الثوري" و"حزب الله"، لم تتحرك واشنطن لفرض أي عقوبات أو اتباع سياسات إكراه في مواجهة طهران، بل على العكس حينما أرادت وانشطن وبريطانيا توجيه ضربة للحوثين، تم إخبار الحوثيين قبلها وإخبار إيران بأن واشنطن لا تريد التصعيد، فضلاً عما نشر فيما بعد أن واشنطن أخبرت إيران بمعلومات عن وقوع هجوم قبل وقوع حادثة كرمان، كما أن واشنطن حينما أعادت تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية منحت مهلة شهر قبل إنفاذ القرار.
كل تلك المؤشرات تؤكد وجود تفاهمات بين واشنطن وطهران قد بدأت بالإفراج عن المعتقلين والأرصدة الإيرانية المجمدة، لكن هذه التفاهمات تشهد محاولات من قبل واشنطن للحفاظ عليها، وعدم التصعيد، لا سيما مع قرب الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024. ومن ثم فإن سيناريو توجيه ضربة للعمق الإيراني غير وارد. وعلى رغم كون مقتل الجنود الأميركيين خطوة تصعيدية، لكن الرد الأميركي مرتبط بالخطوط الحمر التي وضعتها واشنطن أمام إيران، والتي تعد متغيرة بحسب الظرف. فمن غير المحتمل أن ترد واشنطن على نحو يجر إيران للمواجهة المباشرة في ظل الأوضاع المضطربة في المنطقة حالياً. لذا قد يدور الرد الأميركي حول توجيه ضربات موجعة للميليشيات في العراق وسوريا، فضلاً عن ضربات موجعة لأهداف إيرانية وللحرس الثوري داخل سوريا.
أما في الداخل الأميركي فمن المؤكد أن الهجوم على القاعدة الأميركية بالأردن أضاف مزيداً من التآكل لسياسة إدارة بايدن، والتي بدأت مع سياساته الاقتصادية من جهة وموقفه من إسرائيل في حرب غزة، وأخيراً مقتل الجنود الأميركيين، ومن المحتمل أن يتم فتح تحقيق حول فشل الدفاعات الجوية بالموقع في اعتراض الطائرة من دون طيار.