Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل سقطت أفريقيا في مصيدة الديون الصينية؟

تتجاوز القروض التي منحتها بكين إلى 49 دولة أفريقية 170 مليار دولار بين عامي 2000 و2022

سجل الدين العام في أفريقيا ارتفاعاً مخيفاً إلى 1.8 تريليون دولار في نهاية 2022 (أ ف ب)

بلغت الديون في أفريقيا مستويات مثيرة للقلق، بعد أن دخلت بلدان واقعة بجنوب الصحراء في دوامة الديون ما يمكن أن يؤثر في الأمن القومي بها مستقبلاً.

إلى ذلك، سجل الدين العام في أفريقيا ارتفاعاً مخيفاً إلى 1.8 تريليون دولار في نهاية 2022، بزيادة تقدر بنسبة 183 في المئة مقارنة بعام 2010 وهي نسبة أعلى بنحو 300 في المئة من معدل نمو الناتج المحلي الخام خلال الفترة نفسها بحسب بيانات الأمم المتحدة.

ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تتجاوز نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي في بلدان أفريقية عدة حاجز الـ60 في المئة حتى نهاية العام الماضي وفق "معهد الدراسات الأمنية" الأفريقي، مما يتسبب في صعوبة إدارة الموارد المالية للحكومات.

وتعد الصين دائناً رئيساً في أفريقيا، إذ تتجاوز قيمة القروض التي منحتها إلى 49 دولة أفريقية ومؤسسات إقليمية 170 مليار دولار في الفترة الممتدة بين عامي 2000 و2022، مما أدى إلى توجيه الاتهامات إلى التنين الصيني تحت مزاعم تشير إلى تعمده إغراق القارة السمراء في بحر من الديون.

في غضون ذلك، لعبت القروض الصينية دوراً حيوياً في تمويل مشاريع البنية التحتية وتعزيز النمو الاقتصادي في عديد من البلدان الأفريقية، على رغم تراجع حجم القروض في السنوات الأخيرة بسبب مجموعة من العوامل منها جائحة كورونا والأولويات الصينية الجديدة.

دبلوماسية فخ الديون

وارتبط مصطلح "دبلوماسية فخ الديون"، الذي صاغه مركز أبحاث هندي في عام 2017 بالقروض الصينية، مما يعني ضمنياً أن القروض الصينية يمكن أن تحاصر البلدان الأفريقية من خلال خلق مستويات مرتفعة وغير مستدامة من الديون، مما يؤدي إلى فقدان السيادة، وعلى رغم دحض هذه الادعاءات بقوة من جهة بكين، فإن بعض القروض الصينية تتطلب فحصاً دقيقاً.

وتختلف قروض الصين عن قروض المؤسسات الغربية مثل صندوق النقد والبنك الدولي، إذ أظهرت الأبحاث التي أجرتها مؤسسة "أيد داتا" للشفافية أن المقرضين العموميين في الصين بدافع السعي إلى تحقيق الربح غالباً ما يدرجون شروطاً في اتفاقات القروض الخاصة بهم يمكن أن تؤدي إلى إجهاد الاقتصادات الأفريقية الهشة بالفعل، منها شروط تتعلق بحظر إعادة الهيكلة وأخرى تتعلق بالسرية، ويمكن أن تحد هذه الشروط من قدرة البلدان المقترضة على اتخاذ قرارات مالية مستقلة وسيادية.

 غياب الشفافية

ويشكل الافتقار إلى الشفافية المحيطة بالقروض الصينية مصدر قلق رئيس آخر، وتشكل الشفافية الحكومية للبلدان الأفريقية أهمية بالغة في التعاملات المالية مع الدائنين الخارجيين، لأنها تضمن حصول الأسواق والمواطنين على معلومات دقيقة، ولكن الزيادة في "الديون الخفية" المستحقة للبنوك العمومية الصينية تجعل من الصعب تقييم مستويات الديون، مما يفرض مشكلة خطرة في الإدارة المالية والمساءلة وفق "معهد الدراسات الأمنية"، بعد أن كشف عن تقديرات تقول إن نصف القروض الصينية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا لن تظهر في سجلات الديون السيادية. ومع ذلك لا يقتصر هذا التعتيم على القروض الصينية، إذ تثير قروض القطاع الخاص ببلدان غربية المخاوف نفسها.

ويؤثر الافتقار إلى الشفافية في مشاريع البنية التحتية الممولة بقروض صينية، إذ إن معظمها لا يخضع لمناقصات عامة، مما يزيد من خطر الفساد، وبخاصة في البلدان التي تعاني ضعف هياكل الإدارة، وفي غياب نشر شروط الاتفاقات، يصبح من الصعب فصل الحقيقة عن الخيال.

 وتلعب القروض الميسرة، المخصصة غالباً لمشاريع البنية الأساسية، دوراً مهماً، إذ ساعدت في الحد من العجز في البنية الأساسية في القارة.

وتأتي هذه القروض بشروط أكثر ملاءمة من القروض التجارية التقليدية، ولكنها قد تشكل تحديات خاصة بها، إذ تنص العقود في كثير من الأحيان على أن الشركات الصينية المملوكة للدولة هي المقاول الرئيس للمشاريع، مما يهدد بتعطيل تنمية الصناعات المحلية، ويخلق إشكالات لدى القطاعات المحلية.

أخطار الضمان

وقد تشكل بعض عقود القروض الصينية أخطار ضمان كبيرة، وتعوق المرونة المالية للبلدان الأفريقية، ويعد مشروع تحديث مطار عنتيبي بأوغندا الدولي مثالاً جيداً، ففي عام 2015 قدم بنك التصدير والاستيراد الصيني لأوغندا قرضاً بقيمة 200 مليون دولار أميركي لهذا المشروع، ولا يمكن للمطار أن يكون بمثابة ضمان لأنه أصل غير سائل، وعوضاً من ذلك، دعا العقد إلى إيداع نقدي في حساب الضمان، مما يسمح للمقرض بالاستيلاء عليه في حالة التخلف عن السداد، ونص العقد على استخدام جميع إيرادات المطار لسداد القرض على مدى 20 عاماً، وهو أمر فريد من نوعه إذ أنشئ المطار قبل منح القرض.

ووجد البحث الذي أجراه مركز التنمية العالمية بنوداً مماثلة في عديد من العقود المبرمة بين المقرضين الصينيين ودول أجنبية، وهو ما عمق المخاوف في شأن الشفافية، واتفاقات الضمانات وتأثيرها في سيادة البلدان الأفريقية.

ومن جهته عبر رئيس البنك الدولي في وقت سابق عن قلقه في شأن بعض القروض، التي منحتها الصين لبلدان أفريقية، مطالباً بشفافية أكثر تتعلق بشروط هذه القروض، وهو ما ردت عليه بكين مؤكدة أن القروض التي منحتها كانت طبق أحكام القانون الدولي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً لبيانات البنك الدولي، فإن 22 دولة في القارة معرضة لخطر العجز عن سداد الديون أو هي بالفعل عاجزة، وأصبح القطاع الخاص هو الدائن الرئيس لهم.

وبعد الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2009 انفتحت الأسواق المالية الدولية أمام بلدان الجنوب، التي كانت حتى ذلك الحين تقترض في الأساس من الدائنين العموميين.

ويشير المتخصص في الشأن الاقتصادي الكيني عطية واريس، المتخصص المستقل في الأمم المتحدة، إلى أن "عديداً من البلدان النامية، التي كانت في أمس الحاجة إلى ضخ السيولة في اقتصاداتها، سارعت إلى الحصول على هذه القروض المنخفضة الكلفة في الأسواق من دون قواعد"، مضيفاً "بسبب نقص السيولة حصلت عديد من البلدان على قروض جديدة من أجل سداد خدمة ديونها، مما أدى إلى خلق حلقة مفرغة تمنع الاستثمارات الحيوية في البنية التحتية أو الصحة أو التعليم"، مشيراً إلى دولتي غانا وزامبيا، اللتين تخلفتا عن السداد، وكذلك ملاوي وتشاد.

وفي تلك الأثناء تتفاوض إثيوبيا (وضعتها وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني عند حالة تخلف جزئي عن السداد)، على خطة مساعدات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويجتمع الدائنون العموميون الغربيون وشركاء عدة تحت رعاية مجموعة الـ20 بما في ذلك الصين، التي تتهم أحياناً بإيقاع الحكومات في فخ من خلال بناء مشاريع بنية تحتية مكلفة في مقابل الديون.

ويحاولون إيجاد حلول لإعادة هيكلة ديون 40 دولة أفريقية، لكن الإشكال يكمن على مستوى القطاع الخاص (صناديق التقاعد والاستثمار)، الذي أصبح في غضون سنوات قليلة الدائن الرئيس للدين الخارجي العام الأفريقي ومثل 42 في المئة عام 2022، مقارنة بـ38 في المئة للمؤسسات المتعددة الأطراف و20 في المئة للشركاء من طريق اتفاقات ثنائية، وبخاصة الصين التي مثلت بمفردها 11 في المئة من هؤلاء.

 وفي رأي مخالف قال المتخصص الاقتصادي ماتيو باريس، منسق منصة "ديون وتنمية"، إن الصين غالباً ما يشار إليها أنها "الرجل السيئ"، مستدركاً "لكنها أدركت أهمية إعطاء متنفس للدول التي تواجه صعوبات كبيرة".

 في المقابل يرى "معهد الدراسات الأمنية" أن الصين ليست السبب الرئيس لأزمة الديون في أفريقيا، إلا أن افتقارها إلى الشفافية والصفقات الإضافية يثير القلق، واقترح إضفاء شفافية ملزمة قانوناً لاتفاقات القروض، وأنظمة عادلة لجميع الدائنين.