ملخص
على رمل الخيمة وضعت فداء طفلتها... الولادة في شمال غزة أقسى لحظات الحياة
تجلس فداء على حصيرة بجانب طفلتها المولودة قبل أربعة أيام في خيمة إيواء شمال قطاع غزة، وتسرح بتفكيرها في ما حدث معها أثناء الولادة، وكيف مرت عليها هذه اللحظات الصعبة، ونجت برفقة صغيرتها من العمليات العسكرية الإسرائيلية في المنطقة.
عاشت الأم لحظات من القسوة أثناء ولادتها كانت الأصعب في حياتها على الإطلاق، إذ جاءها المخاض أثناء هربها من أمام الدبابات الإسرائيلية، وانتهت الولادة على الرمل الأصفر الذي يغطي أرضية خيمة الإيواء.
الهرب من الدبابات
تعيش فداء في الجزء الشمالي من القطاع، إذ تشهد المنطقة عمليات عسكرية كبيرة وتوغلاً للقوات البرية والمدرعات والدبابات، وبصعوبة بالغة يستطيع الأشخاص الذين لم ينزحوا إلى الجنوب الفرار من الآليات العسكرية إذا ما وصلت بالقرب منهم.
وعلى رغم أن فداء في شمال القطاع فإنها عاشت النزوح كثيراً في محيط منطقتها، وتعد تجربة الهرب من الأعمال العسكرية في الشمال معقدة بخاصة على السيدات، وبالتحديد إذا كن حوامل في الأشهر الأخيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عن تجربة الولادة، تشرح فداء ما حدث معها قائلة "كنت أعيش في غرب مدينة غزة، وفجأة سمعت صوت الدبابات تسير بالقرب مني، وتبعه إطلاق نار كثيف وقذائف من المدفعية، من دون وعي فتحت باب الشقة وأخذت أركض إلى أية قبلة، فلم يكن في عقلي مكان محدد أذهب إليه".
كانت فداء الحامل وقتها تصطحب معها زوجها فقط، وأثناء عملية الركض شعرت السيدة بانقباضات شديدة في رحمها أجبرتها على التوقف. تضيف "كنت قطعت أقل من كيلو متر واحد، وحينها نظرت خلفي فوجدت مدفع الدبابة يتحرك صوبي".
لا اتصال مع الإسعاف
على رغم ألم فداء فإنها استمرت في الركض، إذ تحاول النجاة بروحها والجنين الذي في رحمها، وكان زوجها يشجعها على ذلك ويطمئنها بأنها ستكون بخير، لكن الطلق الذي شعرت به كان يزداد بينما تلهث من شدة التعب، وتتألم في الوقت نفسه من وجع المخاض.
توقفت مخاطبة زوجها، "لا أستطيع الركض، اتصل بسيارة الإسعاف"، حاول الرجل طلب النجدة من المستجيب الأول للإسعاف والطوارئ لكنه لم ينجح، إذ كانت شبكة الاتصالات مقطوعة عن المنطقة. ومن بعيد شاهدت السيدة خيام إيواء مصنوعة من قطع النايلون في شارع ترابي فرعي فأخذت تسير نحوها، وما إن وصلت حتى صرخت بألم، "يبدو أنني سألد الآن، هل يمكن أن أذهب إلى المستشفى".
في جميع محافظات القطاع هناك 36 مستشفى، لكن خمسة منها فقط تعمل وأغلبها في محافظة رفح أقصى جنوب غزة، أما في الشمال حيث فداء فلا يوجد سوى مستشفى واحد مخصص لاستقبال جرحى الحرب ويعمل بأدنى طاقة استيعابية.
من بين المستشفيات الخمس، هناك مرفق صحي واحد فقط يستقبل حالات الولادة ويقع في محافظة رفح، ويستحيل أن تصله فداء في هذه الحال، وحتى إذا فكرت بالانتقال إليه فإن الطريق مغلقة بسبب الوجود العسكري.
بسرعة زاد ألم المخاض، وفجأة خرج ماء الولادة، وحينها أقينت فداء أنها ستلد في الخيمة. تقول، "قطعوا الحبل السري بواسطة مقص المطبخ، واستخدموا ملقط غسيل للإمساك بما تبقى منه في جسد طفلتي".
في بداية الحرب، أوضحت الأمم المتحدة أن غزة تضم نحو 50 ألف امرأة حامل، جميعهن يفتقدن للرعاية الصحية المطلوبة أثناء فترة الحمل أو عند الولادة، وحذرت من تداعيات كارثية ستلحق بالنساء اللاتي لم ينزحن إلى الجنوب في مرحلة الولادة.
تقول فداء "وضعت طفلتي على الرمل الذي يغطي أرضية خيمة الإيواء، كان المنظر سيئاً للغاية، شيء لا يمكن تصديقه، وبعدها لم أجد أية معدات نظافة، وهذا ما زاد من الألم بعد الولادة وجعلني أعيش ما يسمى اكتئاب ما بعد الولادة، واليوم لست قادرة على إرضاع صغيرتي".
بحسب بيانات هيئة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، فإنه في كل يوم تلد ما متوسطه 180 سيدة في قطاع غزة، وكثيرات منهن لا يحصلن على مساعدة طبية تذكر، وأحياناً تتم الولادة في ملاجئ قذرة ومكتظة أو دورات مياه عامة أو خيام باردة.
في حمام مدرسة
ولدت شروق طفلها في حمام مدرسة إيواء في شمال غزة، تقول "جاء المخاض في الليل وكان الجو بارداً جداً، وأصوات القصف لا تهدأ، حينها أبلغت زوجي بأنني أشعر بانقباض الرحم وأنني سألد".
وتضيف "كانت في مدرسة الإيواء ممرضة طلبت منها أن تساعدني، وذهبت برفقتها إلى الحمام ووضعت مولودي الأول، كانت لحظات صعبة، وما بعدها أصعب إذ لا توجد فوط صحية نسائية ولا حتى حفاضات للأطفال ولا حليب اصطناعي، الولادة في غزة كابوس".
أما مسؤولة الاتصالات في "يونيسف" تيس إنغرام، فتوضح "السيدات الحوامل في قطاع غزة، يواجهن صعوبة في الوصول إلى أبسط الخدمات الطبية، الوضع هناك جحيم، والولادة تعني تسليم المواليد الجدد إلى هذا الجحيم".
وتضيف إنغرام بينما تزور غزة، "راقبت الأوضاع في جنوب القطاع عن كثب ولم أتمكن من زيارة الشمال، ويمكن أن أختصر حديثي في عبارة أن الاستمرار في تلبية احتياجات الأطفال في غزة مستحيل".
وتوضح أنها رافقت إحدى الأمهات في طريقها لوضع طفلها، وكانت عملية الولادة في الخيمة، ولم يكن لدى الطفل أي ملابس ولا حتى حليب، لافتة إلى أن مؤسسات الأمم المتحدة غير قادرة على العمل بشكل كامل في القطاع.