Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بات التفوق الجوي الأميركي مهددا بالتآكل؟

44 في المئة من أسطولها تجاوز فترة الخدمة وتراجعت مقاتلاتها من 4000 إلى أقل من 2000 وكثير منها متقادم

قبل حرب لا مثيل لها تبدو أميركا محبطة من تقادم طائراتها المقاتلة (غيتي)

لا تزال الولايات المتحدة هي القوة الجوية المهيمنة في العالم، لكنها بعد عقدين من الانخراط بحروب الشرق الأوسط، وخشيتها من خسارة سباق التحديث التكنولوجي المتسارع مع الصين، يشعر قادتها العسكريون بالإحباط، لأن 44 في المئة من أسطولها تجاوز فترة الخدمة المقررة. كما تراجع عدد مقاتلات أميركا من 4000 طائرة في التسعينيات إلى أقل من 2000، وكثير منها متقادم، إذ يبلغ متوسط أعمارها في الخدمة 28 سنة، ومع استعداد أميركا لحرب لا مثيل لها مع قوى عظمى ربما تستنزف طائراتها بمعدل يماثل الحرب العالمية الثانية.

ويبقى السؤال هو ما إذا كانت واشنطن قادرة على الاحتفاظ بتفوقها أم فات الأوان؟

نهاية التفوق

منذ 20 أو 30 عاماً كان العالم يعرف أنه إذا واجهت قوة جوية لدولة ما القوات الجوية الأميركية فستكون هناك جريمة قتل بشعة في السماء على الجانب الآخر، وفقاً للجنرال مارك كيلي الذي تولى التدريب القتالي للقوات الأميركية لسنوات عدة، لكن هذا الوضع بدأ يتغير، إذ يشعر خصوم الولايات المتحدة الآن أن بإمكانهم المنافسة.

وقبل أشهر عدة حذر رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة تشارلز براون حينما كان يشغل منصب رئيس أركان القوات الجوية، من أن التفوق الذي تمتعت به القوات الجوية الأميركية في السماء حول العالم منذ حرب الخليج الأولى عام 1991 يقترب من نهايته، وكتب في ورقة استراتيجية بعنوان "تسريع التغيير أو الخسارة" أن فرصة التكيف مع التحديات المستقبلية تضيق، وأن هناك حاجة إلى تغييرات عاجلة.

أسطول متقادم

تعود مخاوف القادة العسكريين الأميركيين إلى أن طائرة "أف 16 فالكون" ظلت منذ ثلاثة عقود تشكل العمود الفقري لعمليات القوات الجوية، إذ قاتلت ثلاثة أسراب منها حول صربيا خلال حرب كوسوفو في أواخر التسعينيات، وتم نشرها بصورة متكررة في الشرق الأوسط وأفغانستان خلال العقدين الماضيين، وكانت أيضاً بمثابة رادع لمنع روسيا من القيام بأي تحركات في أوروبا الشرقية.

لكن، اليوم أصبحت مقاتلات الجيل الرابع تتقدم في السن، إذ يبلغ متوسط عمر "أف 16 فالكون" أكثر من 30 سنة، وبعضها بدأ الطيران في أوائل الثمانينيات، بينما تحاول القوات الجوية بث حياة جديدة في بعض هذه الطائرات على أمل أن تستمر في الطيران حتى الأربعينيات من القرن الحالي.

 

 

وبينما تعمل القوات الجوية على تعويض تقاعد الطائرات الأقدم من "أف 15" و"أف 16" و"أف 22" بأساطيل جديدة من طائرات "أف 35 أي" و"أف 15 أي أكس"، لخفض عمر الأسطول بصورة ملموسة، فإنها في حاجة إلى رفع عدد الطائرات المقاتلة إلى أكثر من عددها الحالي البالغ 1850 طائرة من بين 13209، هي إجمالي عدد الطائرات الأميركية بمختلف أنواعها، إذ يتطلع القادة إلى تحقيق بيئة أمنية عالمية جديدة تماماً تكون فيها الولايات المتحدة قادرة على الردع والانتصار، سواء كان ذلك في منطقة المحيط الهادئ أو في أوروبا أو كليهما.

آخر الاهتمامات

وعلى مدى سنوات، ظل معهد ميتشل لدراسات الطيران في واشنطن ينتقد ما يعتبره أسطولاً متقادماً للقوات الجوية الأميركية يعاني نقصاً مزمناً في التمويل، ما يهدد بألا يكون جاهزاً للقتال ضد الصين، بخاصة أن وضع حاجات التحديث الحاسمة في آخر الاهتمامات لفترة طويلة جعل قدرة القوات الجوية على القتال والفوز في حرب متطورة في خطر.

وأشار المعهد إلى أنه في حين أن الطائرات القديمة مثل الطائرة الهجومية "أي 10" خدمت الجيش الأميركي بصورة جيدة في الماضي، عبر توفير الدعم الجوي القريب للقوات البرية في الشرق الأوسط، إلا أنها لن تكون قادرة على تهديد الصين. كما لفت الانتباه إلى أن الأسطول الأميركي المقاتل يبدو أقل قدرة على خوض حرب مما تشير إليه الأرقام الإجمالية، بالنظر إلى أن مئات من تلك الطائرات مخصصة للتدريب أو الاختبار أو غيرها من المهام غير القتالية.

وذكر المعهد في تقرير له أن القوة التي يمكنها الطيران والقتال اليوم، هي قوة غير كافية على الإطلاق لهزيمة عدوين للولايات المتحدة في الوقت نفسه والدفاع عن المجال الجوي السيادي للولايات المتحدة من الهجمات، وردع التهديدات في مسرح آخر كما هو مطلوب في استراتيجية الدفاع الوطني الأميركية.

تحديث متأخر

لكن، بعد طول انتظار ولأول مرة في التاريخ الحديث، استجاب الكونغرس الأميركي أخيراً لطلب القوات الجوية الأميركية لتمويل شراء 72 مقاتلة من طراز "أف 35" و"أف 15 أي أكس" لتحديث أسطولها المقاتل وخفض متوسط عمر الطائرات، فيما لا يزال الجنرالات يحذرون من أنه إذا لم يستجب الكونغرس لتمويل هذا العدد الكبير من المقاتلات الجديدة سنوياً، فلن يكون لدى القوات الجوية ما يكفي من الطائرات الجديدة لتحل محل المقاتلات القديمة والمتقاعدة، مثل "أف 15 سي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي حين يخطط البنتاغون الآن لشراء 104 طائرات من طراز "أف 15 أي أكس"، من المقرر أن يتم التقدم بطلب آخر لشراء 24 طائرة في السنة المالية 2025، فضلاً عن توقع طلب 48 طائرة جديدة من طراز "أف 35" كل عام حتى السنة المالية 2028، كما تعتزم القوات الجوية تحديث أسطولها المقاتل بقدرات مستقبلية لا يزال بعضها قيد التصميم لتكون قادرة على مواجهة الصين في حرب مستقبلية محتملة.

ويبدو أن "البنتاغون" كان مدفوعاً من خلال هذه التغييرات بملاحظات تشير إلى أن الجيش الصيني يواصل الاستثمار في قواته الجوية وإصلاحها، ويلحق بسرعة بالقوات الجوية الغربية، مما يؤدي تدريجاً إلى تآكل التفوق الأميركي الكبير في المجال الجوي.

تحول كبير

ومع احتمال اندلاع صراع بين الولايات المتحدة والصين، تجري الولايات المتحدة تحديث أساطيل الطائرات وإعادة تشكيلها، كما يجري إعادة تدريب الطيارين وتوجيههم نحو ما هو مطلوب لصراع محتمل، وهو ما يمثل تحولاً بعيداً من حرب مكافحة الإرهاب التي شكلت أسلوب عمل أساطيل الطائرات واستعداد الطيارين على مدى السنوات الـ20 الماضية.

ومع تحويل الولايات المتحدة تركيزها نحو منافسين مثل الصين، يبدو أن القوات الجوية في حاجة إلى أكثر من مجرد عملية إصلاح بسيطة، حيث اعترف الجنرال ريتشارد مور، نائب رئيس الأركان للخطط والبرامج في القوات الجوية الأميركية، بأن أميركا ليست مستعدة لمواجهة قوى عظمى، وإنما لحروب مكافحة الإرهاب والتمرد، وأوضح خلال حلقة نقاش عقدها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية حول أولويات القوات الجوية في عصر المنافسة الاستراتيجية، أن الطيارين الذين كانوا يطيرون ما بين 18 و20 ساعة في الشهر خلال العقود الماضية، يطيرون من ست إلى ثماني ساعات في الشهر فقط.

حرب لا مثيل لها

وبينما طالب وزير القوات الجوية فرانك كيندال في شهر سبتمبر الماضي بأن تكون القوات الجوية جاهزة لنوع من الحرب ليس لدى الأميركيين خبرة حديثة فيها، أكد الجنرال مور أن الولايات المتحدة تواجه احتمال حرب جديدة لم نشهد مثلها من قبل.

ويصنف "البنتاغون" الصين باعتبارها التحدي الذي يواجه أميركا، مدركاً أنها تشكل التهديد الأكثر قوة بين الخصوم المحتملين، إذ وثقت وزارة الدفاع في تقريرها السنوي عن القوة العسكرية الصينية، توسع الأسطول المقاتل لبكين وتحسين القدرات، وزيادة كبيرة في ترسانة القوة الصاروخية الصينية، كما أثار مسؤولون أميركيون مخاوف في شأن تزايد العداء في السماء فوق بحر الصين الجنوبي والشرقي، حيث تقوم الطائرات المقاتلة الصينية باعتراضات خطرة وتحلق بجانب الطائرات الأميركية أو فوقها أو تحتها على مسافات قريبة بصورة غير مسبوقة.

ومن الواضح أن التوترات الجوية الأميركية والصينية دفعت واشنطن إلى تكثيف تدريب الطيارين على القتال الجوي على اعتبار أن القتال مع خصم مماثل أو قريب من هذا التماثل من المحتمل أن يكون أكثر تعقيداً وخطورة بكثير من أي شيء شوهد في الشرق الأوسط، وهو ما عبر عنه كبار قادة القوات الجوية بأن الولايات المتحدة يجب أن تكون مستعدة لمعارك محتملة في بيئات متنازع عليها بمعدلات استنزاف قتالية على مستوى الحرب العالمية الثانية.

تدريب الطيارين

ويستدعي ذلك بالضرورة أن تقدم القوات الجوية للطيارين جميع التدريبات المتطورة وإعادة الاستثمار فيما يفعله الطيارون، وعلى رغم من أنه لا يزال ينظر إلى القوات الجوية الأميركية على أنها تتمتع بالتفوق على الصين بسبب خبرة طياريها، وقدرات طائراتها، وشبكة حلفائها وشركائها، فإن الاستثمارات والإصلاحات المستمرة للجيش الصيني تعني أن قوتها الجوية تتقدم بسرعة، بحسب تقارير "البنتاغون".

وما يدفع الأميركيين إلى تكثيف التدريب، هو مضاعفة الصينيين أيضاً لتدريباتهم، مما أدى إلى زيادة تعقيد وحجم المناورات التي تجري حالياً رداً على ما يعتبره كثر في كل جانب احتمالاً متزايداً للصراع مع الجانب الآخر.

 

 

وعلى سبيل المثال ابتعدت القوات الجوية الصينية عن التدريبات المكتوبة، في مسعاها إلى مزيد من الواقعية وتوفير الفرص لطياريها للتعلم من الفشل، كما أضافت القوات الجوية الأميركية سيناريوهات أكثر تعقيداً إلى تدريباتها. وشددت على التدريب مع الحلفاء وعلى العمليات الاستطلاعية، مما يعكس توقعات الولايات المتحدة بأن الحرب في المحيط الهادئ ستتطلب القتال على مسافات طويلة ضد خصم يحاول إبعادها.

ووصف تقرير للبنتاغون مهام القوات الجوية الصينية بأنها انتقال من الدفاع الجوي الإقليمي إلى العمليات الهجومية والدفاعية، لتحسين قدرة القوة على إنجاز المهام القتالية المشتركة.

الرهان الأميركي

غير أن ما تراهن عليه الولايات المتحدة، لا يقتصر على التدريب وتعزيز قوتها القتالية من الطائرات، بل يمتد إلى تسريع العمل على مشروعات تكنولوجية متطورة تشمل الطائرات المقاتلة غير المأهولة، مثل طائرة "كراتوس أكس كيو-58 فالكيري" التجريبية، والتي تأتي ضمن برنامج الطائرات المقاتلة التعاونية التي يتحكم فيها الذكاء الاصطناعي، والمصممة لمرافقة الطائرات المقاتلة الحديثة أثناء المهام القتالية لتوفير الحماية والدعم خلال المعارك الجوية بإمكاناتها الأعلى قدرة والأكثر أماناً من خلال زيادة الإدراك والتنبه بالتطورات القتالية الفورية وتعظيم القدرة النيرانية وتوفير تكتيكات أكثر مرونة وتعزيز نشر الأسلحة وأنظمة المراقبة.

وبحسب بيان سابق للقوات الجوية الأميركية، فقد نجحت جهود إظهار نطاق وحجم العمل الضروري لتفعيل الذكاء الاصطناعي ضمن عملية الانتقال إلى مفاهيم الاستقلالية للروبوتات من خلال المحاكاة الرقمية واختبار بديل للإنسان مع منصات تكتيكية، والذي يتم أيضاً مع شركاء آخرين للقوات الجوية بهدف إجراء تجارب تشغيلية لدعم ما يسمى مشروع "سكاي بورغ فانغارد" وفقاً لما نشره مكتب التطوير الاستراتيجي والتخطيط والتجريب التابع للقوات الجوية الأميركية.

"سكاي بورغ"

يعد هذا المشروع نقلة نوعية للقوات الجوية الأميركية التي قررت، قبل بضعة أعوام، الانتقال إلى عالم الروبوتات القتالية المستقلة التي لا يقودها طيارون بشريون، كنوع من التكامل للذكاء الاصطناعي مع طائرات "الدرون" التي تعمل بمحركات نفاثة للتحليق بجانب الطائرات المقاتلة وتنفيذ مهام خطرة من دون مخاطرة كبيرة على الطيارين البشريين، أو على الميزانية كون نظام "سكاي بورغ" أرخص بكثير من الطائرات الموجهة، كما سيسمح ذلك للقوات الجوية بإضافة جحافل من الطائرات الروبوتية الرخيصة سعراً.

وينظر الآن إلى طائرات "سكاي بورغ" على أنها مركبات جوية قتالية قادرة على القيام بمهام خطرة، مثل التشويش على شبكات الدفاع الجوي للعدو، أو القيام بمهام استطلاعية خلف خطوط العدو، أو ضرب أهداف في مجال جوي محمي بشدة، كما يمكن لهذه الطائرات أيضاً أن تحمل صواريخ جو - جو للطائرات المقاتلة الشبحية مثل "أف-22 رابتور" أو "أف-35 جوينت سترايك" المقاتلة، وهي مقاتلات شبحية مقيدة بعدد الصواريخ التي يمكنها حملها في وضع التخفي.

وفي حين لم تكشف الصين عن كثير من مشاريع تطوير قواتها الجوية مثل طائرة الجيل السادس التي تعمل على استكمال تطويرها أو مشاريع التطوير التكنولوجي الأخرى، إلا أن أي حرب محتملة خلال السنوات المقبلة مع الولايات المتحدة، ستكون حاسمة في تحديد من ستكون له الهيمنة الجوية على مستوى العالم خلال العقود المقبلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير