ملخص
لا تزال معاهدة السلام التي جعلت من مصر أول دولة عربية تعترف بإسرائيل، تشكل إلى اليوم أهم اتفاق سلام في المنطقة. وعلى أساسها، تتلقى مصر مساعدة عسكرية أميركية بقيمة 1.3 مليار دولار كل عام
ترك الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر إرثاً راسخاً في الشرق الأوسط عبر اتفاق السلام التاريخي بين مصر وإسرائيل الذي لا يزال صامداً حتى بعد 15 شهراً من الحرب في قطاع غزة والتوتر بينهما الذي نتج منها.
إلا أنه لا يمكن القول إن هذا السلام نجح في تحقيق علاقات طبيعية بين البلدين، لا سيما على المستوى الشعبي.
لا حرب ولكنه ليس سلاماً
وتقول الدبلوماسية الإسرائيلية السابقة في القاهرة روث فاسرمان لانده لوكالة الصحافة الفرنسية، "لم نشهد حرباً منذ 45 عاماً، لكنني لن أصل إلى حد القول إنه سلام".
والى جانب العلاقات الدبلوماسية، توجد مبادلات وثيقة في مجالي التجارة والطاقة والتعاون الأمني بين مصر وإسرائيل منذ نحو نصف قرن.
غير أن إسرائيل تبقى العدو بنظر غالبية المصريين المعروفين تاريخياً بتضامنهم مع القضية الفلسطينية، وتجلى ذلك بوضوح خلال الحرب المتواصلة بين تل أبيب وحركة "حماس" في قطاع غزة.
ويتفادى المسؤولون الحكوميون المصريون، عندما يتحدثون عن العلاقات الاقتصادية والتبادل بين البلدين، ذكر إسرائيل صراحة في تصريحاتهم.
حرب غزة تغير الحال
وبموجب اتفاق السلام الذي وُقّع عام 1979 برعاية جيمي كارتر في كامب ديفيد في الولايات المتحدة، استعادت مصر شبه جزيرة سيناء التي كانت إسرائيل احتلتها في حرب 1967. واعتاد الإسرائيليون التوجه إلى سيناء كسياح، إلا أنهم توقفوا عن التوافد إليها في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 مع تنفيذ حركة "حماس" هجومها غير المسبوق على إسرائيل الذي شكّل شرارة الحرب في قطاع غزة.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد إن الحرب في قطاع غزة "أثّرت في المصريين، خصوصاً عندما تقدمت الدبابات الإسرائيلية إلى الحدود المصرية- الفلسطينية في مايو (أيار)" الماضي، في إشارة إلى دخول الجيش الإسرائيلي معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر الذي أقفل منذ ذلك الوقت، واعتبر كثيرون في مصر ذلك "انتهاكاً صارخاً لمعاهدة السلام".
وتتمسك القاهرة في المفاوضات من أجل هدنة في غزة التي تتوسط فيها مع قطر والولايات المتحدة، بعودة السيطرة الفلسطينية لمعبر رفح.
سلام واعتراف ومساعدات
لكن على رغم كل ذلك، لا تزال معاهدة السلام التي جعلت من مصر أول دولة عربية تعترف بإسرائيل، تشكل إلى اليوم أهم اتفاق سلام في المنطقة، وعلى أساسها تتلقى مصر مساعدة عسكرية أميركية بقيمة 1.3 مليار دولار كل عام.
وأشاد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أول من أمس الإثنين، بالإرث الدبلوماسي الذي تركه كارتر الحائز جائزة نوبل للسلام.
ويجمع المحللون على أن إعادة النظر في المعاهدة غير مطروحة، إلا أن السلام بين مصر وإسرائيل لم يتحوّل يوماً إلى صداقة.
وبعد نحو نصف قرن على المصافحة التاريخية بين الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في سبتمبر (أيلول) عام 1979، بات ينظر إلى كارتر بصورة مختلفة في كل من البلدين.
فبعد توقيع المعاهدة، عُلّقت عضوية مصر في الجامعة العربية لعقد كامل، وفي السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 1981، اغتيل أنور السادات في عملية نفذها إسلاميون مصريون اعتبروا أنه "ارتكب خيانة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
منتقد السياسة الإسرائيلية
من الجانب الإسرائيلي، يقول الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب عوفير وينتر "خلال العقود الأخيرة، برز كارتر خصوصاً كمنتقد للسياسة الإسرائيلية في ما يتعلق بالقضايا الفلسطينية، مما حمل قسماً كبيراً من الرأي العام على اعتباره منحازاً".
وأثار الرئيس الديمقراطي السابق غضب إسرائيل بقوله إن معاملتها للفلسطينيين قد ترقى إلى الفصل العنصري.
كما انتقد بشدة توسيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ونشر بهذا الصدد عام 2006 كتاباً بعنوان "فلسطين: السلام لا الفصل العنصري".
وفي 2015، رفض نتنياهو لقاء كارتر خلال زيارة قام بها لإسرائيل.
في المقابل، يعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كمال السيد بأن كارتر سيبقى في التاريخ "أكثر رئيس أميركي أنصف العرب وكانت له رؤية صحيحة للصراع العربي- الإسرائيلي".
سفارة من دون علم
وعام 2011، وخلال الانتفاضة الشعبية ضد حكم الرئيس السابق حسني مبارك، هاجم متظاهرون السفارة الإسرائيلية لدى مصر، ومنذ ذلك الحين لم يعُد هناك أي علم إسرائيلي مرفوع في القاهرة.
وعند إعادة فتح البعثة الدبلوماسية في 2015، بدأت العمل من مقر السفير في حي المعادي الراقي بجنوب القاهرة. ويوجد طوق أمني على تقاطع في المنطقة، ويأمر شرطي المارة بالالتفاف حول الحي، حيث تظهر لافتة صغيرة بالعبرية بين الأشجار، لكن لا وجود لعنوان رسمي للسفارة على موقع الحكومة الإسرائيلية.
ويشير وينتر إلى أن القاهرة ترجئ منذ عام 2024 اعتماد السفير الإسرائيلي الجديد بانتظار "أجواء سياسية تسمح للرئيس المصري باستقباله علناً".
متطلبات الأمن القومي
غير أن العداء الشعبي أمر، ومصالح الأمن القومي المصري أمر آخر، ففي 1979 أرست "اتفاقات كامب ديفيد" خروج مصر من دائرة النفوذ الأمني السوفياتي وانضمامها إلى معسكر الولايات المتحدة الذي لا تزال فيه إلى الآن، مما يضعها في موقف دبلوماسي دقيق منذ اندلاع الحرب في غزة.
واتهمت القاهرة إسرائيل مراراً بارتكاب جرائم حرب، وسعت في الوقت نفسه إلى الحفاظ على دور الوسيط في مفاوضات الهدنة من دون إثارة غضب الرأي العام المصري أو استياء الولايات المتحدة، أقرب حلفاء إسرائيل.
ويقول الباحث توفيق أكليمندوس من المركز المصري للدراسات الاستراتيجية إن "مصر شديدة التمسك بالاتفاق كخيار استراتيجي لها، ليس حباً باسرائيل، بل لأن لا أحد يريد الحرب".