Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إرث فايز السراج الذي جعل ليبيا "دولة ميليشيات"

مراقبون يقولون إنه أصبح حاكماً بالصدفة ويحملونه ذنب تغول المجموعات المسلحة وآخرون: تركة سابقيه

ما زال الليبيون يتذكرون  خيبات السراج، مؤكدين أن رياح الربيع العربي وحدها هي من جعلت منه حاكماً بالصدفة بدعم أممي (أ ف ب)

ملخص

هل تسبب فايز السراج الذي عينه المبعوث الأممي رئيسا لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا عام 2015 في سلسلة الأزمات التي شهدتها البلاد، أم أنه كان هو الآخر ضحية من ضحايا الانقسام وصرف النفوذ؟

منذ وصوله إلى سدة الحكم أواخر عام 2015، اصطدم رئيس حكومة الوفاق الوطني السابق فايز السراج بعدد من العراقيل السياسية والاقتصادية التي تعمقت في عهده وما زال صداها متواصلاً إلى اليوم.

في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2015، أعلن المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا برناردينو ليون تنصيب السراج رئيساً لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، إثر سلسلة مداولات وحوارات طويلة احتضنتها مدينة الصخيرات المغربية.

ولد السراج في الـ20 من فبراير (شباط) 1960 بالعاصمة الليبية طرابلس، وهو مهندس متخصص في التخطيط العمراني، ليبدأ تجربته السياسية بعد ذلك كعضو في هيئة الحوار الوطني التي جمعت مختلف أجسام المجتمع المدني والسياسي الليبي لإجراء حوار وطني يخرج البلد من الأزمة التي طوقته منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.

وخاض السراج الذي ينتمي إلى حزب "التحالف القومي الوطني" غمار الانتخابات النيابية لعضوية مجلس النواب عن دائرة حي الأندلس بالعاصمة طرابلس، وفاز بها ليتم بعد ذلك اختياره رئيساً للجنة الإسكان والمرافق.

كما كلف في مرحلة موالية بقيادة وزارة المرافق والإسكان في حكومة أحمد معيتيق التي جاءت من رحم الانتخابات النيابية الثانية عام 2014، غير أنه رفض هذا المنصب، وعين بعد ذلك من قبل المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا برناردينو ليون لرئاسة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، ليلقى معارضة عدد من الأجسام السياسية والتشريعية وعلى رأسها رئيس البرلمان الحالي عقيلة صالح ورئيس المؤتمر الوطني (المجلس الأعلى للدولة الحالي) السابق نوري بوسهمين، واصفين قرار تعيين السراج على رأس حكومة الوفاق الوطني بمثابة الوصاية الغربية، زد على ذلك أن الرجل لا يملك أي تجربة سياسية.

حاكم بالصدفة

ما زال الليبيون يتذكرون إلى اليوم خيبات السراج، مؤكدين أن رياح الربيع العربي وحدها هي من جعلت منه حاكماً بالصدفة بدعم أممي، وفق تعبير رئيس مركز الأمة للدراسات الاستراتيجية محمد الأسمر الذي قال لـ "اندبندنت عربية" إنه أصدر خلال رئاسته لحكومة الوفاق الوطني قرارات كارثية، يأتي على رأسها توقيعه في الـ 27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، مذكرة تفاهم مع تركيا في شأن السيادة على المناطق البحرية بالبحر الأبيض المتوسط".

 

 

ويرى الأسمر أن هذا القرار أحدث تصدعات محلية ودولية في وقت كان من المفترض أن تنصرف حكومة السراج للتركيز على إنجاز الاستحقاقات الانتخابية، فعمق توقيع الاتفاق الليبي- التركي الانقسام السياسي في البلد بين مختلف الأجسام، إذ هددت قوات الشرق الليبي بالتصدي عسكرياً لأي قوة تحاول خرق السيادة الليبية، في حين دعا مجلس النواب إلى سحب الاعتراف الدولي من حكومة السراج، بينما سارع المعسكر الغربي، وفي مقدمته المجلس الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة السراج إلى تصديق المذكرة، باعتبارها لا تعد مساساً أو تفريطاً في سيادة ليبيا من منظورهم.

وقال إن السراج "بفعلته هذه أحدث نزيفاً ما زال أثره مستمراً إلى اليوم في علاقات ليبيا بجيرانها، إذ سارعت آنذاك الخارجية اليونانية إلى طرد سفير ليبيا محمد يونس المنفي (رئيس المجلس الرئاسي الحالي)، على خلفية اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين طرابلس وأنقرة قرب جزيرة كريت اليونانية، ومن جهتها رفضت مصر هذا الاتفاق واعتبرته انتهاكاً للحقوق السيادية لمصر وعدد من الدول الأخرى".

القرارات العشوائية

وأضاف الأسمر أن من بين القرارات العشوائية التي اتخذها السراج توقيعه "اتفاقاً عسكرياً مع تركيا" يضمن حماية المصالح التركية في ليبيا، وإنشاء قوة عسكرية تركية في ليبيا تتيح لأنقرة التدخل المباشر في البلد، كما يوفر الاتفاق الموقع في يوليو (تموز) 2020 حصانة للقوات التركية في ليبيا ضد أي ملاحقة قضائية، ويعطي الضباط الأتراك في ليبيا صفة دبلوماسية تضمن عدم ملاحقتهم قضائياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار إلى أن صدى هذه القرارات ما زال متواصلاً إلى اليوم، إذ عمد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة إلى البناء عليها والذهاب في مطلع أكتوبر 2022 نحو توقيع مذكرة تفاهم مع تركيا للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية، موضحاً أن هذه المذكرة جاءت عقب مرور ثلاثة أعوام من إبرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع أنقرة عام 2019 الذي وقعه السراج.

وأكد رئيس مركز الأمة للدراسات الاستراتيجية أنه على رغم إبطال محكمة استئناف العاصمة الليبية طرابلس تنفيذ مذكرة التفاهم بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة وتركيا بهدف التنقيب عن النفط والغاز، إلا أن انعكاساتها ما زالت مستمرة وفي مقدمتها تواصل وجود القوات التركية في غرب البلاد.

ترسيم الميليشيات 

وأوضح الأسمر أن السراج هو من فتح الباب لولوج الميليشيات إلى مصنع القرارات السياسية عن طريق تعيين قادتها على رأس مؤسسات سيادية ومنحها ذمماً مالية مستقلة، إذ نصب عام 2019 فتحي باشاغا وزيراً للداخلية على رغم أنه كان أحد قادة ميليشيات فجر ليبيا ومتورطاً في "مجزرة غرغور" التي ذهب ضحيتها عدد من أصحاب الرأي العام.

ولفت إلى أن القرارات العشوائية للسراج تعمقت عندما نصب آمر ميليشيات "الأمن المركزي" غنيوة الككلي على رأس جهاز أمني قومي يسمى "جهاز دعم الاستقرار" عام 2020، وهو جهاز مستقل وله ذمة مالية مستقلة وأحد أذرع المجلس الرئاسي.

وشدد على أن "السراج هو من تسبب في إحكام سيطرة أخطبوط الميليشيات على مؤسسات الدولة، ليترك بذلك إرثاً ثقيلاً للمجلس الرئاسي لحكومة الوحدة الوطنية من الصعب التخلص منه، خصوصاً تنصيب آمر كتيبة النواصي مصطفى قدور نائباً لرئيس جهاز الاستخبارات الليبية، والذي فشل في مرحلة موالية رئيسه مصطفى العايب (رئيس جهاز الاستخبارات الليبية) في إقالته بحكم اعتراف رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي به واعتبار إقالته غير قانونية".

مشكلات اقتصادية 

وترك السراج خلفه عجزاً اقتصادياً ومالياً، إذ يؤكد الخبير في الشأن الاقتصادي عبدالحميد الفضيل أن الفترة الممتدة من 2016-2020 اتسمت بتفاقم عجز الموازنة العامة، فبلغ أقصاه عام 2016 ما قيمته 20.2  مليار دينار ليبي، بنسبة عجز سجلت 237‎ في المئة‎، إضافة إلى ظهور الدين العام المحلي وتراكمه ليبلغ 64.1 مليار دينار ليبي خلال الفترة نفسها.

وأضاف الفضيل أن فترة حكم السراج شهدت انخفاضاً لسعر صرف الدينار الليبي أمام بقية العملات الأجنبية إلى مستويات غير مسبوقة فوصل الدولار الواحد إلى 8.9 دينار ليبي، إضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم ليبلغ عام 2017 ما قيمته 25.8‎ في المئة، مما أدى إلى تراجع القوة الشرائية للمواطن الليبي.

 

 

وأشار إلى أن جميع هذه العناصر أسهمت في تدنّي متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الناجم عن الإغلاقات القصرية للحقول والموانئ النفطية، مؤكداً أنه على صعيد مؤشر مدركات الفساد استمرت ليبيا في موقعها من بين أكثر 10 دول فساداً في العالم.

وقال الخبير في الشأن الاقتصادي إن هذه الفترة شهدت أيضاً مناكفات بين أعلى سلطة نقدية في البلاد ممثلة بالمصرف المركزي والمجلس الرئاسي، إذ كانت السمة الرئيسة في تقلد المناصب ذات الطبيعة الاقتصادية والمالية هي الجهوية والمحاصصة والقبلية، مما انعكس سلباً على المؤشرات الاقتصادية والمالية في البلاد.

لا لوم على السراج

من جهته، قال المتخصص في الشأن الليبي محمود الكاديكي إن الرئيس الأسبق لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج عند وصوله إلى سدة الحكم اصطدم بدوره بإرث الميليشيات الذي نسج مع حكومة عبدالرحيم الكيب التي تعد أول حكومة ليبية (2011/2012) جاءت بعد إطاحة نظام القذافي.

وأكد الكاديكي أن الكيب دخل في صراع مع المجموعات المسلحة على اعتبار أنها من حررت ليبيا من عبث القذافي، ولإيجاد مخرج لهذه الأزمة حاول تنظيم هذه المجموعات المسلحة تحت مسمى واحد وهو "الجيش الليبي"، لكن خطته فشلت فاختار تسليم حكومته طوعياً إلى علي زيدان (2012).

وأوضح المتحدث أن حكومة زيدان عرفت معها ليبيا تصاعداً في الانقسامات السياسية والانفلاتات الأمنية واشتد فيها عود الميليشيات، خصوصاً عندما فتح زيدان باب الرشى للميليشيات لإغلاق الحقول النفطية شرق البلد، فتصاعدت أعمال الاقتتال في البلد، تحديداً في القطب الغربي ووصلت إلى حد خطفه شخصياً.

الانقسام الفعلي

وأشار الكاديكي إلى أن خريطة الانقسام اتضحت عام 2014، إثر حجب المؤتمر الوطني (المجلس الأعلى للدولة الحالي)، الثقة عن حكومة زيدان مقابل تكليف وزير الدفاع آنذاك عبدالله الثني بقيادة الحكومة إلى أن تم إعفاؤه مقابل تكليف عمر الحاسي (2014 - 2015) الذي بدأت معه بذرة انقسام ليبيا إلى معسكر شرقي ومعسكر غربي لكل منهما حكومة خاصة به (الحكومة الليبية برئاسة الثني في الشرق وحكومة الإنقاذ الوطني بقيادة عمر الحاسي غرب البلد)، الذي سلمها هو الآخر بعد فترة إلى خليفة الغويل (أبريل/نيسان 2015) لتدخل ليبيا في حال انقسام استغلها تنظيم "داعش" للتغلغل في البلاد التي دخلت معه في حرب انتهت باجتثاثه كلياً من درنة وبنغازي وسرت.

ويرى الكاديكي أن السراج على رغم اصطدامه بمعرقل الميليشيات، إلا أنه كان أكثر شجاعة من سابقيه، إذ حاول خرق طوق المجموعات المسلحة في القطب الغربي والتقى أكثر من مرة قائد الجيش بالشرق خليفة حفتر، سعياً منه إلى ردم هوة الانقسام والذهاب نحو توحيد الجيش، لكن جهوده أجهضت بسبب ضغط الميليشيات على السراج وتمسكها بشروط من المستحيل أن يقبل بها قادة القطب الشرقي.

وفي تعليقه على توقيع اتفاقات ترسيم الحدود البحرية بين طرابلس وأنقرة، لفت الكاديكي إلى أن السراج وجد نفسه في حرب مع قوات حفتر (حرب طرابلس 2019)، فتعرض لضغط من أطراف الصراع، إما التوقيع مقابل الدعم العسكري من تركيا أو الانسحاب من المشهد السياسي.

وقال إن اختيار فتحي باشاغا (وزير داخلية حكومة السراج سابقاً) الشرق الليبي لتكوين حكومته بدلاً من الغرب ما هو إلا دليل على استيعابه للدرس الذي مر به السراج سابقاً، إذ كانت الميليشيات هي من تتحكم في مطبخه السياسي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير