اختلفت القوى الغربية، أمس الأربعاء، حول كيفية التعامل مع الأصول الروسية المجمدة، في الوقت الذي بدأ فيه وزراء المالية بدول مجموعة الـ20 محادثات عن التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي محاولين تنحية الانقسامات الجيوسياسية العميقة جانباً.
ويسعى المسؤولون البرازيليون، الذين يستضيفون الاجتماعات على مدى يومين في ساو باولو، إلى تركيز المحادثات على التعاون الاقتصادي للتصدي لمشكلات مثل تغير المناخ والفقر واقتراح بيان مشترك يتجنبون فيه أي ذكر مباشر للحرب في أوكرانيا وقطاع غزة.
لكن المشكلات الجيوسياسية المحيطة بالحدث سرعان ما وجدت طريقها إلى القمة، إذ اختلف أخلص الحلفاء على ما ينبغي أن تفعله قوى الغرب بالأصول الروسية المجمدة.
وتجلت هذه الخلافات بعد أن اجتمع وزراء من دول مجموعة السبع، في وقت مبكر الأربعاء، قبل إجراءات اجتماعات مجموعة الـ20، وناقشوا إذا ما كان ينبغي تمويل إعادة إعمار أوكرانيا بالأصول المجمدة.
القانون الدولي
وذكرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، الثلاثاء، أنها تعتقد أن هناك أساساً قوياً في القانون الدولي للانتفاع بقيمة ما من الأصول الروسية، مثل استخدامها كضمان أو مصادرتها.
لكن وزير المالية الفرنسي برونو لومير أشار، الأربعاء، إلى أنه لا يوجد أساس راسخ في القانون الدولي لمصادرة الأصول الروسية، مشدداً على أن أي تحرك مماثل سيتطلب موافقة الدول الأعضاء بمجموعة الـ20 ودول أخرى.
ويبرز خلافهما العقبات في المشهد الجيوسياسي لدول مجموعة الـ20 التي عبر وزراء خارجية دولها، الأسبوع الماضي، في ريو دي جانيرو عن انقسامات عميقة حول الحرب في أوكرانيا والقصف الإسرائيلي على غزة.
وقالت تاتيانا روزيتو المنسقة البرازيلية للمسار المالي لمجموعة الـ20 في ساو باولو، إن المفاوضات على الجزء الاقتصادي من بيان المجموعة أتمه بنجاح نواب الوزراء في مناخ "إيجابي للغاية".
ولم ترد في مسودة للبيان اطلعت عليها "رويترز"، الثلاثاء، إلا إشارة عابرة للصراعات الإقليمية.
لكن وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر قال إن بلاده ستوافق فحسب على بيان مجموعة الـ20 إذا ذكرت المشكلات الجيوسياسية مثل الحرب في أوكرانيا.
انفصاليو ترانسدنيستريا
من ناحية أخرى، طلبت سلطات ترانسدنيستريا، المنطقة الانفصالية الموالية لروسيا في مولدافيا، الأربعاء، "حماية" روسية في مواجهة "الضغوط المتزايدة" لكيشيناو على خلفية التوترات المتفاقمة بسبب الصراع في أوكرانيا المجاورة.
وسارعت وزارة الخارجية الروسية بالرد مؤكدة أن "حماية" سكان ترانسدنيستريا تمثل "أولوية"، مضيفة أنها ستدرس "بعناية" طلب تيراسبول من دون تقديم تفاصيل إضافية.
من جهتها، نددت الحكومة المولدافية، أمس الأربعاء، بتصريحات ترانسدنيستريا وقالت إنها "ترفض الدعاية التي تنشرها تيراسبول وتذكر بأن منطقة ترانسدنيستريا تستفيد من سياسات السلام والأمن والتكامل الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي".
بدورها، أكدت الولايات المتحدة أنها "تدعم بقوة سيادة مولدافيا ووحدة أراضيها ضمن حدودها المعترف بها دولياً".
ويذكر تسلسل هذه الأحداث بالفترة التي سبقت الاجتياح الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022 عندما كانت مطالبات الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا وقتها إحدى الذرائع التي قدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للهجوم على كييف.
واجتمع نواب ترانسدنيستريا، الأربعاء، في تيراسبول في مؤتمر استثنائي هو الأول منذ عام 2006، ودعوا البرلمان الروسي إلى "اتخاذ إجراءات لحماية" هذه المنطقة الصغيرة التي يعيش فيها "أكثر من 220 ألف مواطن روسي" في مواجهة "الضغط المتزايد الذي تمارسه مولدافيا".
وقالوا في إعلان رسمي إن ترانسدنيستريا تواجه "تهديدات غير مسبوقة ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية- إنسانية وعسكرية-سياسية".
وأوضح وزير خارجية الحكومة الانفصالية فيتالي إغناتيف لمحطة "روسيا-24" التلفزيونية أنه "قبل كل شيء تم طلب دعم دبلوماسي" من موسكو.
توترات خطرة
كانت بولندا البلد الأوروبي الأول الذي يعلق رسمياً على هذه الأحداث معتبرة على لسان رئيس وزرائها دونالد توسك أن التوترات في المنطقة "خطرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في غضون ذلك، شدد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال قمة في ألبانيا لزعماء دول جنوب شرقي أوروبا على ضرورة التسليم العاجل للأسلحة والذخيرة لبلاده في مواجهة روسيا التي تحرز تقدماً على الجبهة.
وقال زيلينسكي إنه التقى رئيسة مولدافيا مايا ساندو وناقش معها "جهود روسيا لزعزعة استقرار المنطقة والسبل الفعالة لمواجهة النفوذ الخبيث للدولة المعتدية".
وحذرت وزارة الخارجية الأوكرانية، الأربعاء، من أي تدخل روسي في المنطقة الانفصالية، داعية إلى "حل سلمي للقضايا الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية بين كيشيناو وتيراسبول من دون أي تدخل خارجي مدمر".
أعلنت منطقة ترانسدنيستريا انفصالها عن مولدافيا بعد حرب قصيرة عام 1992 ضد الجيش المولدافي. وما زالت روسيا تحتفظ بـ1500 جندي هناك، وفق أرقام رسمية، بهدف تأدية مهمة حفظ السلام خصوصاً.
لكن منذ الهجوم الروسي في فبراير 2022 على أوكرانيا، عادت التكهنات في شأن هجوم روسي محتمل من ترانسدنيستريا باتجاه مدينة أوديسا الساحلية الأوكرانية المطلة على البحر الأسود.
وأكدت السلطات الانفصالية أن مؤتمر، الأربعاء، كان رداً على فرض كيشيناو، أخيراً، رسوماً جمركية على الواردات من ترانسدنيستريا.
"إبادة جماعية"
ونقلت وسائل إعلام محلية عن الرئيس الانفصالي فاديم كراسنوسيلسكي تأكيده في الخطاب الذي ألقاه أن هذه المنطقة ترزح تحت "سياسة إبادة جماعية" عبر ضغوط اقتصادية و"جسدية" وقانونية ولغوية.
في إعلانهم، حض النواب الانفصاليون الأمانة العامة للأمم المتحدة خصوصاً على منع "الاستفزازات" التي يمكن أن تؤدي إلى "تصعيد التوترات".
هذه المرة الأولى التي يعقد فيها هذا المؤتمر منذ عام 2006 حين قرر النواب الانفصاليون تنظيم استفتاء حول ضم ترانسدنيستريا إلى روسيا.
وفي ذلك الاقتراع الذي لم يعترف المجتمع الدولي بنتيجته، صوت السكان المحليون بنسبة 97.1 في المئة لصالح الانضمام إلى روسيا.
ومنذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا قبل عامين، تثار مخاوف من اتساع نطاق الصراع إلى ترانسدنيستريا.
العام الماضي، اتهمت سلطات ترانسدنيستريا كييف بأنها تريد مهاجمتها بعد أن أكدت أنها أحبطت هجوماً في مارس (آذار) استهدف قادتها.
استفزاز مسلح
كذلك، أكدت وزارة الدفاع الروسية، الأسبوع الماضي، أن أوكرانيا تستعد "لاستفزاز مسلح" ضد ترانسدنيستريا، من دون تقديم أي إثبات.
وهذه المنطقة التي تمتد على طول نهر دنيستر والتي يبلغ عدد سكانها 465 ألف نسمة معظمهم ناطقون بالروسية، غير معترف بها كدولة من المجتمع الدولي، بما في ذلك من موسكو.
وتتهم كيشيناو والاتحاد الأوروبي روسيا بشكل منتظم بأنها تسعى إلى زعزعة استقرار مولدافيا التي كانت تقع في منطقة نفوذها لكن سلطاتها تقاربت مع أوروبا.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2023، قرر الاتحاد الأوروبي إطلاق مفاوضات مع أوكرانيا ومولدافيا لضمهما إلى التكتل.