ملخص
جون ميجور يدعو إلى توسيع مجلس الأمن الدولي وإنهاء حق النقض لدولة واحدة
حذر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق السير جون ميجور من فقدان أميركا لنفوذها في الشرق الأوسط، في وقت تكتسبه الصين وروسيا، معترفاً بأن هذا الأمر الذي قد يبقيه مستيقظاً في الليل، ودعا إلى توسيع نفوذ بلاده في المنطقة.
وقال في كلمته أمام ضيوف قمة القوة الناعمة العالمية 2024 في لندن إنه إذا كانت الأمم المتحدة تريد أن تصبح صانعة سلام فاعلة، وهو ما كان يأمل فيه مؤسسوها، فإن الأعضاء الخمسة الدائمين يحتاجون إلى التحديث، وربما توسيع نطاق العضوية في مجلس الأمن الدولي، وإنهاء حق النقض لدولة واحدة من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، مضيفاً أنه "ليس من المستغرب ألا يبدو أن أيّاً من الأعضاء الدائمين يميل إلى تخفيف سلطته الحالية".
ووجه المحاور أندرو نيل الذي استضاف ميجور في جلسة نقاش، تساؤلات عن القلق الذي يشعر به كثيرون في الولايات المتحدة وفي العالم العربي السني إزاء التوسع والأهداف الإمبراطورية لإيران، وقال نيل إن إيران تمول حركة "حماس" وهناك أدلة على أنها أعطت الضوء الأخضر بشن هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وكذلك هناك تمويل إيران لتنظيم "حزب الله" وجماعة الحوثي وبعض المجموعات في سوريا التي هاجمت قواعد عسكرية أميركية هناك، وكذلك نشاط إيران مع المجموعات الشيعية في العراق، وسأله عن ملف إيران النووي، وإن كان الوقت قد فات على الدبلوماسية، فردّ ميجور بالقول، "لست متأكداً في حقيقة الأمر، وهناك أمران مختلفان أود أن أتحدث عنهما في شأن إيران، أولاً، أرى حكومة استبدادية منفصلة عن الواقع من القرن الـ15 لا تزال تعيش في حقبة آية الله الخميني"، مستدركاً أنه "لو نظرنا إلى جيل الشباب في إيران فهم نشطون جداً على مواقع التواصل الإجتماعي أكثر من أي شعوب أخرى، وهم على درجة عالية من التعليم، ويتحلون بالشجاعة وبعضهم دفع حياته ثمناً لهذه الشجاعة".
وقال ميجور، "هنا أتساءل إن كنا في مرحلة ما سنرى انقلاباً يحدث في إيران على شاكلة ما حدث في عهد الشاه، وإن كنا سنرى تغييراً في الحكم في إيران. ولكن أعتقد بأنه لا يجب علينا أن نيأس وأن نستمر في توسيع نفوذنا ونفوذ الغرب في إيران، ومع نمو الأجيال الشابة في إيران، وربما علينا أن نتحلى بصبر أكبر حتى يختفي جيل آية الله الخميني".
واستبعد ميجور، ذهاب إيران إلى استخدام القوة العسكرية قائلاً "لا أعتقد بأن طهران ستذهب بأرجلها إلى الخطر، هم يذهبون إلى حافة الخطر ولكن ليس بعيداً جداً"، ومضيفاً أنهم "بالتأكيد، بقدر ما يمكن رؤيته، يمولون معظم الجماعات الإرهابية غير المرغوب فيها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك في العراق، والحوثيون وحماس، وبقية من تحدثت عنهم، وهذا أمر غير سارّ للغاية".
وعن نفوذ بريطانيا في المنطقة، قال ميجور، "لدينا علاقات قوية مع الأردن، لدينا درجة من النفوذ الفرعي وليس الأساسي"، معرباً عن أمله في توثيق العلاقات البريطانية مع دول المنطقة، وقال "نحن نحتاج إلى ذلك، فعند النظر لمنطقة الخليج اليوم فقد حققت دول نقلة نوعية خلال الـ40 عاماً الماضية في ما يتعلق بوجهات النظر الجماعية حتى في ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، ولا يزال أمامها طريق طويل في هذا الجانب. وبرأيي علينا أن نكون قريبين من هذه الدول لأبعد مدى ممكن وأن نقدم إليها المساعدة في حال تمكّنا من ذلك وأن يكون لنا نفوذ إذ يمكننا ذلك".
"بريكست قلص القوة الناعمة لبريطانيا"
وعن "بريكست"، قال ميجر إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أدى إلى تقليص قوتها الناعمة، مشيراً إلى أن العالم لم يعد يراها قائدة في الاتحاد الأوروبي، وأضاف "كيف يمكن أن يكون ذلك موضع تساءل عند بعضهم؟ فنحن لم نعُد في الاتحاد الأوروبي، ولسنا قريبين من الولايات المتحدة كما جعلنا ذلك الاتحاد الأوروبي. ولم تتحقق الصفقة التجارية التي وعدت بها الولايات المتحدة كثيراً، كما افترض أولئك الذين دافعوا عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي"، داعياً إلى تعزيز العلاقات البريطانية- الأميركية من جديد.
"الدبلوماسية تصنع الأصدقاء"
وقال في خطاب ألقاه أمام ضيوف قمة القوة الناعمة العالمية 2024 التي نظمتها واستضافتها "براند فاينانس" في مركز الملكة إليزابيث الثانية في لندن، إن الدبلوماسية تمثل جوهر كثير من القوة الناعمة، مضيفاً أنه يمكن للدبلوماسية أن تصنع أصدقاء من الأعداء وتمنع الصراع من البداية، أو تساعد في إنهاء الصراع، ويمكنها التفاوض على صفقات تجارية أو تبادلات ثقافية أو منح تعليمية، وكلها تحقق منافع متبادلة وتساعد في تشكيل تحالفات بين الأمم.
وفي توصيفه للقوة الناعمة، إذ احتلت بلاده المركز الثاني بعد الولايات المتحدة الأميركية في مؤشر القوة الناعمة 2024 الذي أطلق هذا الصباح خلال القمة، قال ميجور إن القوة الناعمة أكثر تنوعاً وأكثر دقة، وأحياناً لا شعورية، وهي القدرة على الإقناع بالقدوة، أو بالمناقشة، أو بالسمعة، وهي جزء من الحياة اليومية، وتأثيرها يتجاوز بكثير القوة الصارمة للقوة العسكرية أو الإكراه. وعلى النقيض، أوضح أن القوة الصلبة يمكنها أن تجبر على الطاعة، لكن القوة الناعمة تقنع، وتكسب القلوب والعقول على نحو لا تستطيع القوة الصلبة أن تفعله أبداً، مؤكداً على أنه لا يوجد إكراه أو قمع بالقوة الناعمة.
نماذج من القوة الناعمة لبريطانيا
واستعرض ميجور في كلمته نماذج للقوة الناعمة البريطانية، قائلاً، "خذ في الاعتبار اللغة الإنجليزية، فهي القوة الناعمة الكلاسيكية بسبب استخدامها في جميع أنحاء العالم"، فالقدرة على التواصل تعمل على توسيع الصداقات الوطنية والشخصية وتشجع السياحة وتساعد على تعزيز التجارة، وتُستخدم اللغة الإنجليزية كلغة رسمية مشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من المنظمات الدولية الأخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطرح نموذجاً آخر للقوة الناعمة في بلاده، قائلاً، "تعد خدمة بي بي سي العالمية التي تبث بأكثر من 40 لغة لأكثر من 400 مليون مستمع كل أسبوع، مصدراً مهماً آخر للقوة الناعمة للمملكة المتحدة. وبما أن روسيا والصين توسعان بثهما إلى أميركا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا خصوصاً، فإن توفير الخدمة الخارجية للتقارير الصادقة والواقعية في تلك المناطق يصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى".
وأضاف ميجر أنه "في بلدنا، المملكة المتحدة، هناك مصدر واحد للقوة الناعمة غالباً ما جرى تجاهله وهو المؤسسة الملكية نفسها، فعلى مدى الأعوام الـ 30 الماضية، سافرت حول العالم باستمرار، وأينما ذهبت، عندما كان الناس يتحدثون عن الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، وفي أعقاب حفل الزفاف الملكي عام 2011 واليوبيل الماسي في 2012، ومع بث صور الحدثين إلى كل جزء من العالم، انطلقت السياحة بصورة مطلقة وارتفعت خلال السنوات اللاحقة".
ويرى رئيس الوزراء الأسبق أن القوة الناعمة أمر بالغ الأهمية للنجاح في الأعمال التجارية، داعياً إلى الأخذ في الاعتبار ما الذي ترغب الشركات عادة في رؤيته من الحكومة، في الداخل والخارج، فهي تريد نظاماً يشجع التجارة والاستثمار، قانونياً عادلاً وغير متحيز للفصل في المنازعات التجارية، وضرائب ولوائح تنافسية لا تنطبق على الشركات فحسب، بل على العالم أجمع وعلى الدول التي تتاجر معها أيضاً.
القوة الصلبة والناعمة في حرب الخليج
وفي نهاية حرب الخليج الأولى، قال ميجور، "طرد العراقيون بعد غزو الكويت، لكنهم كانوا لا يزالون يقتلون الأكراد بأعداد كبيرة في شمال العراق. لقد كانت محاولة للإبادة الجماعية تهدد بكارثة إنسانية"، وأشار إلى أن المملكة المتحدة طورت سياسة تعرف بالملاذات الآمنة للأكراد، تضمنت توفير القوات والغطاء الجوي لحمايتهم بعد انتهاء الحرب وطرد العراقيين من أماكن أخرى، موضحاً أن هذه الخطة حظيت بدعم من فرنسا وألمانيا بعد طرحها خلال قمة أوروبية، وفي هذا السياق، حشدت وزارة الخارجية البريطانية الدعم من جميع أنحاء الأمم المتحدة، وعلى رغم تردد الولايات المتحدة في البداية، إلا أنها اقتنعت بالانضمام إلى الجهود، مما جعل القوة الناعمة تتبلور بصورة تغلفها القوة الصلبة.
وعن الحرب الروسية على أوكرانيا، رأى ميجور أنه لم يكُن هناك سبب للحرب، فلم تكُن أوكرانيا تمثل تهديداً ولم تكُن عدواً.
إلى ذلك ركزت جلسات القمة على استخدام القوة الناعمة في الصراعات، إذ أكدت أن إنفاق القوة العالمية بلغ 2.2 تريليون دولار في 2023، والقوة الصلبة هي استخدام القوة العسكرية والاقتصادية للتأثير في سلوك، أو مصالح، الكيانات السياسية الأخرى وهي مرادف للقوة الناعمة والتي تعتمد القدرة على الجذب من دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع، وعلى النقيض من حجم إنفاق القوة الصلبة العالمية لا يتجاوز إنفاق الاتصالات على العلامات التجارية الوطنية المليار دولار.
وأدارت الجلسة مديرة الاتصالات في "براند فاينانس" جيمي هايمان واستضافت فريد زكريا مذيع شبكة "سي أن أن"، والكاتب الاستراتيجي، ورئيس الاتصالات لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، ألستر كامبل، وعضو البرلمان وزير الظل لشؤون الخارجية البريطانية والكومنولث والتنمية ديفيد لامي.
روسيا والصين وإيران والقوة الناعمة للإعلام
وقال ألستر كامبل، "برأيي أن السبب في إحراز الصين تقدماً على مؤشر القوة الناعمة 2024 هو أنهم يستخدمون الإعلام الذي نراه قوة ناعمة كجزء من قوتهم الصلبة، وهم ينفذون إلى النظام الإعلامي الديمقراطي في بلادنا ويقومون باستغلاله، وهو أيضا ما تفعله روسيا وإيران".
وأردف أن "هناك كثيراً من الحمقى وعديمي الفائدة في حكومتنا الذين لا يستطيعون فهم مدى الخطر المحدق بديمقراطيتنا اليوم".
وقال كامبل إن "عدداً من وسائل الإعلام تقع في فخ هذه الدول، فاليوم السؤال المطروح، لماذا علينا أن نزج بأنفسنا في حرب روسيا وأوكرانيا؟، وهو النقاش الحاصل اليوم في أميركا، مما يعكس التحول الكبير الحاصل هناك اليوم".
ويشير كامبل إلى أن السرد الأكبر الذي يحدد هذه الحقبة من تاريخنا هو أميركا والصين، شارحاً أن "ما نراه اليوم هو أن أميركا حافظت على مكانتها كقوة عظمى في العالم، لكنها في الواقع تحت تهديد أكبر مما يعتقدون بأنهم يدركونه ويفهمونه أحياناً".
المشهد الإعلامي يتحرك بسرعة
وقال كامبل إن السبب وراء استمرار بريطانيا في الأداء الجيد، إذ إن أميركا وبريطانيا القوتان الناعمتان الأكثر تأثيراً في العالم، وفقاً للإصدار الجديد لمؤشر القوة الناعمة العالمي، يكمن في تاريخها القوي"، مضيفاً أنه "نأمل، إذا حدث تغيير في الحكومة خلال الانتخابات المقبلة، في أن نتمكن من البناء على هذه القوة، لكنني أعتقد بأننا نعيش الآن في عالم يتحرك بسرعة كبيرة، إذ يتغير المشهد الإعلامي ويتحرك بسرعة كبيرة، فهناك الذكاء الاصطناعي وغيره، وأنا أرى أنه علينا أن نقلل من شأن الضرر الذي يمكن أن يلحق بنا عبر فشلنا في فهم أن ذلك يشكل تهديداً حقيقياً لنا".
الابتكار يحدث في القطاع الخاص
من جانبه قال عضو البرلمان، وزير الظل لشؤون الخارجية البريطانية والكومنولث والتنمية ديفيد لامي، "يجب أن نجتمع معاً لإنشاء الذكاء الاصطناعي وينبغي التفكير في المرة الأخيرة التي واجه فيها الكوكب تقنية محتملة يمكنه رؤيتها". وأضاف أنه "من الواضح أن تلك كانت القنبلة الذرية والانفجار النووي في أواخر الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي. وإذا كنت قد شاهدت فيلم أوبنهايمر، فإنه يهيئ بصورة أساسية موقفاً تجتمع فيه القوى المهيمنة معاً لتنظيم الأمور بجدية".
وتابع أن "التحدي الذي يواجه الذكاء الاصطناعي بالطبع هو أن الابتكار يحدث بالفعل في القطاع الخاص، ولا يحدث من قبل الحكومات، مما يمثل تحديات أكبر بكثير. وهنا يكمن موضوع كيفية التنظيم وكيف تعمل الدولة مع القطاع الخاص والثقة بالقطاع الخاص، وأعتقد بأنه يمثل تحدياً كبيراً في العصر المقبل".