ملخص
واصل قطاع التأمين في تونس تحقيق نتائج مالية إيجابية في العام الماضي، لكنها لا تزال دون المأمول، إذ إنها لم تتعدَ في أقصى الحالات نحو سبعة في المئة
يواجه قطاع التأمين في تونس ظاهرة صارت مقلقة، بعد أن باتت تنخر الوضعية المالية لشركات التأمين في البلاد، مع استفحال الغش في مجال التأمين خصوصاً في قطاع التأمين على السيارات بالتزوير في الوثائق لغرض الرفع من التعويضات المالية.
وفي ظل الصعوبات المعيشية للعديد من التونسيين، خصوصاً الفئات التي تعتمد على السيارة كمورد رزق، من أصحاب سيارات الأجرة (التاكسي) بمختلف أنواعها وأصنافها وناقلي البضائع، إذ يعمدون إلى اتباع حيل عدة ومتنوعة لمراوغة خبراء التأمين، من جهة، ومسؤولي شركات التأمين، من جهة أخرى، لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من التعويضات المالية وتقليل كلفة اقتناء قطع الغيار.
إلى ذلك، اعتبر الهادي العمدوني سائق سيارة أجرة في تونس العاصمة، أن الغش في قطاع التأمين في تونس خصوصاً في قطاع السيارات صار أمراً عادياً، قائلاً "عدد كبير من سائقي السيارات يعمدون إلى التزوير والغش".
وأوضح أنه حدث نوع من "التطبيع" مع الغش في التأمين على السيارات خصوصاً عند حصول حوادث الطرقات، إذ يعمد المتضرر إلى إدخال تعديلات غير قانونية على قيمة فواتير إصلاح السيارة، خصوصاً عند اقتناء قطع الغيار المقتناة من السوق الموازية وتقديمها بملف الفواتير على إنها مقتناة من محال معتمدة.
وأشار السائق الخمسيني الذي يمارس المهنة لنحو ربع قرن من منطلق درايته بالمسألة، إلى أن "قطع الغيار التي تتطلب مبلغاً بقيمة 200 دولار تدون في الملف بمبلغ في حدود 700 دولار للحصول على أقصى ما يمكن من التعويضات لصاحب السيارة"، مشيراً إلى أن "عدداً كبيراً من سائقي سيارات الأجرة في تونس يزورون في ملف التأمين على السيارات بسبب الغلاء المتواصل لأسعار قطع غيار السيارات إلى جانب رسومات التأمين الآخذة في الارتفاع".
وعلى رغم إقراره أن الغش في المجال يعد أمراً غير أخلاقي ومخالفاً للقانون، إلا أنه يلتمس العذر لزملائه سائقي السيارات، قائلاً "يواجهون صعوبات عدة، بداية من ارتفاع أسعار سيارات الأجرة التي تصل إلى مستوى 25 ألف دولار مع غلاء رسومات التأمين، علاوة على أن ارتفاع حوادث الطرقات وما يترتب عنه من كلف إصلاح السيارة ليصطدم سائق التاكسي بتعويض مالي هزيل يظل يلهث وراءه لعدة أشهر بسبب تلكؤ شركات التأمين في الخلاص.
ولم يخف السائق الخمسيني مسألة الرشوة لبعض أعوان شركات التأمين الذين يسهل ارتشائهم، قائلاً "من أجل الحصول على بضعة دولارات يجابهون به مصاريف الحياة اليومية الصعبة"، مضيفاً أن "بعض أعوان شركات التأمين من السهل جداً عليهم القيام بالغش"، موضحاً أنهم "بكل بساطة يعرفون جيداً إخفاء الغش في ظل إلمامهم بكافة القوانين والتراتيب والمسالك الإدارية المتبعة في هذا الشأن".
ظاهرة آخذة في الارتفاع
من جهته، لم ينف رياض بن غربال صاحب شركة تأمين تنامي ظاهرة الغش في قطاع التأمين بتونس خصوصاً في قطاع السيارات الذي يستأثر بالنصيب الأكبر من معاملات القطاع في البلاد وكذلك قيمة وحجم التعويضات المالية.
وقال بن غربال من منطلق تجربته وخبرته لأكثر من عقدين في المجال إن "عمليات الغش تحصل بالأساس في الوثائق الإدارية عند حصول حوادث طرقات بين شخصين، إذ يتلاعب المتسبب في الحادث في الوثائق حتى لا يتضرر لاحقاً على مستوى دفع الرسومات السنوية والتي ترتفع قيمتها عندما يكون سائق السيارة قد ارتكب عدداً معيناً من الحوادث".
وأوضح صاحب شركة تأمين بعض أعمال الغش والتزوير التي يتم التفطن إليها، قائلاً "سائق سيارة يتسبب في حادث مرور ويرغب في الحصول على تعويض مالي يعمد إلى تعمير الوثائق مع أحد أفراد عائلته"، مشيراً إلى أن "بعض أعوان العاملين في شركات التأمين يساعدون سائقي السيارات على التحايل مقابل الحصول على مبلغ مالي في ظل أجورهم الزهيدة".
كلفة عالية
من جانبه، كشف مدير عام "الجامعة التونسية" لشركات التأمين (منظمة مهنية) حاتم عميرة، عن أن "السنوات الأخيرة شهدت تطوراً كبيراً في ظاهرة الغش والطرق والأساليب المستعملة في مجال التأمين والارتفاع المتواصل لحجم التعويضات، إذ بلغت أكثر من 800 مليون دينار (258 مليون دولار) في عام 2022، مشيراً إلى أن "الكلفة المالية لعمليات الغش تتجاوز 10 في المئة من إجمالي التعويضات".
وأوضح عميرة أن "الكلفة التقديرية المالية للغش بلغت في فرع تأمين السيارات فحسب نحو 70 مليون دينار (22.5 مليون دولار)، لافتاً إلى أن القضايا المتعلقة بالغش منشورة لدى المحاكم، وأشار إلى أن الرقمنة واعتماد التطبيقات المعلوماتية الجديدة تعد من أهم الوسائل الوقائية لإيقاف ظاهرة الغش والتزوير، التي باتت تنخر القطاع وفي حال عدم التصدي إليها فإنها ستؤثر سلباً في التوازنات المالية لقطاع صار متأثراً بالوضع الاقتصادي العام للبلاد.
وكالة لمقاومة الغش
ولمقاومة حالات الغش، قال مدير عام "الجامعة التونسية" لشركات التأمين، إن "الجامعة التونسية لشركات التأمين تعمل مع شركائها على تدشين وكالة لمقاومة الغش تهدف إلى توفير الآليات القانونية والفنية التي تمكن من التعرف إلى المتحايلين وكشف أساليبهم وتتبعهم قضائياً"، مقراً أن ظاهرة الغش في قطاع التأمين تطورت بصورة كبيرة، خصوصاً في فرع تأمين السيارات الذي يحتل المرتبة الأولى في نشاط مؤسسات التأمين بنحو 43 في المئة من رقم المعاملات الإجمالي ويسجل بالتوازي ارتفاعاً متواصلاً في حجم التعويضات المدفوعة مقارنة ببقية الأصناف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع عميرة أن ظاهرة الغش اتخذت صوراً جديدة ومتطورة أثقلت كاهل شركات التأمين، موضحاً أن "أبرزها افتعال الحوادث الوهمية والتضخيم عمداً في الأضرار الناجمة عنها".
تبادل المعطيات بين شركات التأمين
من جانب آخر، أشار عميرة إلى أنه بداية من يناير (كانون الثاني) 2024 بدأت عمليات تبادل المعطيات بين شركات التأمين في تونس في مشروع يهدف إلى تطوير الخدمات لإضفاء مزيد من الشفافية، إلى جانب تقصي عمليات الغش والتزوير.
وحول أهمية هذا المشروع وانعكاسه على شركات التأمين وكذلك المؤمن لهم، أوضح أنه "إيماناً من الشركات بأهمية الدور الذي يضطلع به فرع تأمين السيارات في قطاع التأمين، وأهمية توفير خدمات ناجعة وناجزة وفعالة لعملائها، يرمي هذا المشروع إلى تقليص آجال التعويض، مما يطوق ظاهرة الغش وتقليصها لاحقاً".
حصيلة القطاع في 2023
في غضون ذلك، واصل قطاع التأمين في تونس تحقيق نتائج مالية إيجابية في العام الماضي، لكنها لا تزال دون المأمول، إذ إنها لم تتعدَ في أقصى الحالات نحو سبعة في المئة، بعدما تأثر القطاع بالوضع الاقتصادي والمالي في البلاد بصورة عامة.
وبحسب المعطيات التي نشرتها الهيئة العامة للتأمين (هيئة تعديلية حكومية) فتطور رقم معاملات قطاع التأمين في تونس خلال العام الماضي بنسبة 6.4 في المئة مسجلاً زيادة في العقود المكتتبة بلغت سبعة في المئة، بينما لم تتعدَ التعويضات المالية للمؤمن لهم حدود الأربعة في المئة.
وأظهرت بيانات الهيئة العامة للتأمين أن رقم معاملات القطاع بلغ مع نهاية العام الماضي 3389.3 مليون دينار (1093.3 مليون دولار) مقابل 3185 مليون دينار (1027.4 مليون دولار) في 2022.
وأستأثر قطاع التأمين على السيارات بالنصيب الأكبر من رقم المعاملات، بعدما استحوذ على 1357.7 مليون دينار (437.9 مليون دولار) في العام الماضي بنسبة زيادة 3.7 في المئة مقارنة بنتائج عام 2022.
وزادت قيمة التعويضات المسددة من طرف شركات التأمين لمصلحة المؤمن بنسبة 3.4 في المئة فحسب العام الماضي، إذ بلغت قيمة التعويضات المسددة 1792.7 مليون دينار (578.2 مليون دولار) في العام الماضي، بينما حاز قطاع تأمين السيارات على النصيب الأكبر من حجم التعويضات بتسديد مبلغ 870.9 مليون دينار (280.9 مليون دولار) العام الماضي، مقابل 803.9 مليون دينار (259.3 مليون دولار) في 2022.